على خلفية الحرب المستمرة في أفغانستان منذ عقود، باتت شرائح البلاد كلها تعاني في شتى مجالات الحياة، لكنّ ثمّة من يعاني أكثر من أمثال ذوي وذوات الإعاقة. الرجال الأفغان من ذوي الإعاقة، منذ البداية، راحوا يرفعون صوتهم من أجل حقوقهم ومن أجل قضايا وطنية، أمّا المستجدّ فهو رفع النساء الأفغانيات ذوات الإعاقة صوتهنّ ليس فقط من أجل حقوقهنّ إنّما من أجل البلاد، وتحديداً من أجل المصالحة التي باتت ضرورة ملحة لجميع الأفغان خصوصاً المحرومين منهم.
والنساء الأفغانيات ذوات الإعاقة محرومات من كلّ حقوقهنّ المعيشية والتعليمية والثقافية، بسبب الوضع العام في البلاد من جهة ومن أخرى بسبب الأعراف والتقاليد وطريقة تعامل المجتمع معهنّ. ويشكينَ من أنّ تعامل المجتمع الدولي والحكومة مع قضيتهنّ ضاعف معاناتهنّ. لكنّ هؤلاء لم يستسلمنَ، فشرعنَ ينظّمنَ صفوفهنّ من أجل الحصول على حقوقهنّ وتأدية دورهنّ في قضايا البلاد وجذب انتباه الحكومة والمجتمع الدوليّ إليهنّ، من خلال نقابة شكّلنَها أخيراً.
تقول رئيسة نقابة النساء ذوات الإعاقة في شمال أفغانستان، بروانه سما صمدي، إنّ "هؤلاء النساء محرومات من كل حقوقهنّ، وقد آن الأوان أن نغيّر نظرة المجتمع إليهنّ وإلى كل الشرائح المحرومة. وعلينا أن نقنع مجتمعنا بأنّ هؤلاء لسنَ عبئاً عليه بل هنّ جزء منه". تضيف صمدي: "نحن لا نطلب الكثير من الحكومة ومن المجتمع الدولي، وكل ما نريده منهما هو العمل معنا من أجل تطبيق القوانين التي تخصّ ذوي وذوات الإعاقة. وإذا طُبّقت تلك القوانين ووفت الحكومة والمجتمع الدولي بوعودهما، فإنّ الحالة سوف تشهد تحسناً كبيراً. حينها، لن نحتاج إلى أيّ شيء آخر. لكنّ المشكلة الأساس هي في عدم تطبيق القوانين التي تبقى مجرّد حبر على ورق".
وعن الحقّ في التعليم، تقول صمدي: "يحقّ لنا كجزء من هذا المجتمع أن نحصل على حقوقنا الأساسية، لا سيّما التعليم. ونحن في أمسّ الحاجة إليه، في حين أنّنا محرومات منه. نحن نريد العيش مثلما يعيش الآخرون في هذه البلاد". يُذكر أنّ عدد أعضاء نقابة النساء ذوات الإعاقة في أفغانستان وصل في إقليم بلخ (شمال) إلى 100 امرأة ذات إعاقة، منهنّ متعلمات، إمّا حصلنَ على شهادة الثانوية العامة وإمّا على شهادة البكالوريوس. وقد تقدّمنَ للحصول على فرص عمل، لكنّ الجهات المعنية لم تجب عن طلباتهنّ حتى الآن. والمعضلة الأساسية بحسب صمدي هي أنّ "لا أحد يصغي إلى مطالب هؤلاء النساء".
وفي ما يتعلّق بأسباب تهميشهنّ، تشير صمدي إلى سببَين. تشرح: "الأوّل هو أنّنا نساء، والنساء مهمّشات بحكم الأعراف والتقاليد الأفغانية القديمة التي لم نتمكن من تغييرها، غير أنّنا لن نرضخ لها ولن نقبل بأن نكون مهمّشات مثلما يريدنا المجتمع. أمّا السبب الثاني فهو إعاقتنا، والإعاقة تُصوَّر على أنّها عيب. ومجتمعنا يرى أنّنا فئة عاجزة، ويريدنا أن نأكل ونشرب ونمضي في حياتنا على هذه الشاكلة". وتشدّد: "نحن قرّرنا عدم قبول هذا التبعيض وكذلك الازدواجية في المعايير، لذا سوف نمضي قدماً ونطرق كل الأبواب من أجل الحصول على حقوقنا القانونية".
وتشير صمدي إلى أنّه "من بين النشاطات الوطنية، مسيرة نسائية نظمّتها نقابتنا في مدينة بلخ لمطالبة أطراف الصراع في البلاد بالجلوس على طاولة الحوار ونبذ العنف. وقد رُفعت شعارات منددة بمموّلي الحرب". وتؤكد صمدي أنّ "النساء هنّ أكثر الفئات تضرراً ممّا تشهده البلاد، ومن هنا بات العمل من أجل المصالحة من أولويات النقابة. فالحرب لا ترحم أحداً، غير أنّ الأطفال والنساء من أكبر ضحاياها".
من جهتها تقول ناصره حقبين وهي من ذوات الإعاقة وكانت قد شاركت في تلك المسيرة، إنّ "مسؤولية الجميع هي العمل من أجل المصالحة، لأنّنا لا نستطيع القيام بأيّ شيء وسط دوامة الحرب المستمرة، لا من أجل أنفسنا ولا من أجل بلادنا. لذلك فإنّ المصالحة هي أساسٌ لكل ما نرغب فيه، بينما الحرب تُعَدّ أساساً لكل المساوئ والمشكلات". تضيف حقبين أنّ "تحصيل حقوقنا أمر مهم لنا، لكنّ الأمن في البلاد أكثر أهمية، لذا قررنا أن نؤدي دورنا، وسوف نمضي قدماً. لكنّنا في حاجة إلى مساعدة الحكومة والمجتمع الدولي والمؤسسات المعنية بحقوق النساء وذوي الإعاقة عموماً".
في السياق نفسه، تقول ثريا رحيمي وهي من ذوات الإعاقة وناشطة اجتماعية، إنّ "إعطاء ذوي الإعاقة حقوقهم يدلّ على مجتمع حضاري، بينما حرمانهم من أبسط حقوق الحياة يشير إلى ظلم اجتماعي في بلادنا. من هنا ندعو كل الشرائح في البلاد، لا سيّما الوزراء والسياسيين عموماً وعلماء الدين والزعماء القبليين، إلى العمل في هذا المجال".