كان من المفروض أن تبدأ اليوم الاثنين امتحانات الثلاثي الأول لهذه السنة الدراسية لتلاميذ المرحلة الثانوية في تونس، غير أن إصرار الأساتذة على الإضراب حال دون إجراء الامتحانات، كما أربك أولياء الأمور ووزارة التربية.
وتصاعد غضب العائلات خصوصاً أن الامتحانات التمهيدية لم تجر أيضاً، في حين تهدد الوزارة بمعاقبة الممتنعين من الأساتذة.
وقال الكاتب العام المساعد للتعليم الثانوي، نجيب السلامي، في تصريح لـ"العربي الجديد": "إن النقابة تتمسك بمقاطعة امتحانات الثلاثي الأول من السنة الدراسية الحالية إلى حين الموافقة على طلبات الأساتذة"، مبيناً أنّ "الأساتذة استجابوا لهذا القرار، وأن الدراسة ستتواصل بنسق طبيعي، ولكن الأسبوع المخصص للامتحانات سيكون أسبوع تدريس عادي".
وأوضح السلامي أن "مقاطعة الامتحانات ستستمر لحين بدء مفاوضات جدية ومسؤولة مع وزارة التربية، تقود إلى اتفاق يلبي مطالب الأساتذة"، مشيراً إلى أنّ آخر جلسة جمعتهم بسلطة الإشراف كانت بتاريخ 23 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وإلى اليوم لم تتم دعوتهم إلى مفاوضات جديدة.
وأفاد أن "الأساتذة يطالبون بتقاعد مبكر في التعليم الثانوي باعتبارها مهنة شاقة ومرهقة، ويطالبون بتحسين الوضع المادي للمربين، والنهوض بالوضع المتردي للمؤسسات التربوية التي تعاني من وضع سيئ ومن بنية متردية وتتطلب الإصلاح الشامل والعاجل".
وبيّن أن هناك "نقصا في المدرسين، ويصار إلى انتداب متعاقدين وهي آلية للتشغيل الهش، فالمدرس المتعاقد يعاني اجتماعياً وغير مستقر في مهنته، كما أن العقد يمكن أن ينتهي في أي وقت، والدخل محدود لا يتجاوز الـ400 دينار، ودون أي تغطية اجتماعية وبالتالي هناك ما يناهز 900 مكان شاغر حالياً يحتاج إلى أساتذة".
وحول تململ الأولياء من هذا القرار الذي يحرم أبناءهم من الامتحانات، قال : "إنّهم مستاؤون ولكن لا خيارات أخرى أمام الأساتذة، فهم ينتظرون منذ أكثر من سنة، ويناضلون لتحقيق مطالبهم، ولكن للأسف لم تتعامل الحكومة بجدية مع مطالبهم، ولا توجد أي إرادة سياسية لسماع نقابة التعليم الثانوي، وتلبية المطالب في حدها الأدنى".
وأضاف أن هيئة إدارية ستعقد اجتماعاً يوم السبت المقبل في 8 ديسمبر/كانون الأول الجاري، وسيتم اتخاذ إجراءات جديدة لفتح باب المفاوضات مع الأساتذة.
بدوره، أكد وزير التعليم التونسي حاتم بن سالم، استعداده للحوار مع النقابات حول الامتحانات ، دون المساس بمصلحة التلميذ ودون شروط مسبقة. وشدد على أن الوزارة ستطبق القانون بكل حزم إذا لم يتم التوصل لاتفاق سواء بموافقة النقابات أو بعدم موافقتها.
وجدد الوزير خلال جلسة في البرلمان أمس الأحد التعبير عن احترامه للمربين الذين يمثلون دعامة العمل التربوي وقوام التعليم العمومي في البلاد، مثمنا العمل النقابي البناء، ومعتبرا أن الوزارة تعتمد الحوار للحل وتجاوز جميع نقاط الاختلاف والإشكاليات التي لا يجب أن تمس مصلحة التلميذ أو مساره التعليمي.
وفي رد على اتهام نواب من المعارضة الوزارة بأنها تشيطن الأساتذة والنقابات، نفى الوزير ذلك واعتبرها ادعاءات باطلة لن تزيد إلا من تعميق الأزمة بين المربين ووزارتهم.
ولفت وزير التعليم في إجابته على تساؤلات البرلمانيين بأنه سيتصل اليوم الاثنين برئيس الحكومة يوسف الشاهد، وأمين عام الاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي، وممثلي النقابات المهنية للتعليم، لمحاولة إيجاد حلول فيما يخص الامتحانات، مشيرا إلى أن الوزارة ستطبق القانون سواء قبلت النقابة أو لم تقبل في حال لم يتم التوصل لاتفاق وإجراء الامتحانات.
وأكد الوزير وجود إشكال مالي يتعلّق بمطلبين من بين المطالب العشرة للجامعة العامة للتعليم الثانوي، أولهما يتعلق بطلب مضاعفة المنحة الخصوصية للأساتذة التي لا تعد من مشمولات وزارة التعليم، وقبل وزير التربية المنحة في عام 2015، لكن وزارة المالية ترفض زيادة المنحة.
وعن المطلب الثاني أوضح أنه يتعلق بالتقاعد المبكر "لكلفته المالية الباهظة جداً والمقدرة بنحو 2000 مليون دينار"، مشيراً إلى أنه لم يرفض مقترح التقاعد بل دعا إلى إبرام اتفاقية تتعهد من خلالها الوزارة بإعطاء الأساتذة الراغبين في مغادرة التدريس مواقع عمل أخرى إدارية أو تكوينية.
وبيّن بن سالم أن تونس تعد اليوم ضمن أقل دول العالم من حيث عدد أيام التدريس (125 يوما في السنة مقابل معدل دولي بـ210 أيام).
وقال النائب عن الجبهة الشعبية زياد الأخضر، خلال مداخلته تحت قبة البرلمان، إن تونس تحتل المرتبة 65 على 70 دولة في مجال التعليم، و66 بالمائة من التلاميذ لا يتجاوزون الدرجة الأولى من أصل 5 درجات، مشيرا إلى أن التعليم لم يعد يشكّل مصعداً اجتماعيا، وكل الناس متفقون على أن المدرسة العمومية مهترئة، وتعاني من شتى أنواع التهميش.