استطاعت نسرين خطّاب مثلما فعلت كثيرات من اللاجئات الفلسطينيات في لبنان، الإثبات أنّها تستطيع القيام بأعمال شتى والاضطلاع بمسؤولية عائلة وبيت ومساندة زوجها لتحمّل مصاعب الحياة. لكنّ هدف نسرين بحسب ما تؤكد، ليس العمل من أجل تحسين ظروفها الحياتية فحسب، وإنّما إثبات الذات بالدرجة الأولى.
كانت نسرين التي تعود أصولها إلى مدينة صفورية الفلسطينية، في الخامسة عشرة من عمرها عندما تزوّجت للمرّة الأولى. أتى ذلك بعدما أنهت الصف التاسع الأساسي وحازت الشهادة الرسمية بنجاح. في ذلك الحين، كانت ترغب في تعلم الفنون، "لكنّ الزواج كان نصيبي". تطلّقت نسرين وهي في الثامنة والعشرين من عمرها، بعدما أنجبت ابنة وابناً.
بعد طلاقها، عادت نسرين إلى مخيّم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين الواقع في مدينة صيدا، جنوبيّ لبنان، لتعيش مع أهلها. ولأنّ ظروفها المادية كانت صعبة جداً حينها وباتت في حاجة إلى من يعيلها ويعيل ولدَيها، انتقل الأخيران للعيش مع والدهما.
بعد فترة زمنية، تزوّجت نسرين من جديد وأنجبت ابنة وابناً كذلك. واليوم، هي في الرابعة والثلاثين من عمرها وتعيش في منطقة حيّ الطيرة في المخيّم. ابنتها وهي من ذوي الإعاقة، تتعلم في "البيت السعيد" مركز "جمعية الرعاية للمعاقين والمرضى" في مدينة صيدا، في حين تتكفل وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) بتأمين بدلات تعليمها. أمّا ابنها، فيعاني من فرط الحركة وهو يتعلّم في واحدة من مدارس الأونروا في المخيّم. إلى ذلك، فإنّ زوجها لا يعمل بالتالي لا يتقاضى سوى راتب من "حركة فتح" بقيمة 420 ألف ليرة لبنانية فقط (280 دولاراً أميركياً). ولا تخفي نسرين أنّ انتماء زوجها إلى الحركة، يمكّنها وعائلتها من الحصول على تأمين صحي، مع الإشارة إلى أنّ لدى زوجها أولاداً من زوجة أخرى.
أمام هذا الواقع الصعب، تجد نسرين نفسها مضطرة إلى العمل في أيّ مجال متوفّر. وبالفعل، راحت تعدّ الطعام لنساء عاملات وأخريات يتّبعنَ أنظمة غذائية صحية، لا يمتلكنَ متسعاً من الوقت للطبخ. كذلك اشتغلت عاملة تنظيف في مكاتب، مؤكدة أنّها لا ترى حرجاً في الأمر.
لكنّ حلم نسرين كبير وهي ترغب في إثبات نفسها في المجتمع كامرأة مكافحة لا تقلّ شأناً عن الرجل في المجتمع. ولأنّها تهوى التطريز، قرّرت تعلّمه بنفسها، هي التي لم تكن تعلم شيئاً عن تقنيّته. أنجزت أوّل قطعة مطرّزة وحملتها إلى أحد المراكز التي تُعنَى بذلك في المخيّم. أعجب القيّمون على المركز بعملها، وكانت نقطة البداية عندما بدأت بالعمل معهم في أحد المشاريع، لكنّه كان زهيد الأجر.
وفي خطوة لاحقة، وضعت نسرين تصوّراً لمشروع تطريز خاص بها، وقدّمته إلى إحدى المؤسسات التي تؤمّن تمويلاً لمشاريع مثل هذه.. لكنّها حتى اليوم، لم تتلقّ أيّ رد، إيجابياً كان أو سلبياً، وتقول: "أظنّ أنّ التمويل الذي كنت أتوقّعه حصلت عليه امرأة أخرى".
تجدر الإشارة إلى أنّ نسرين وبعد طلاقها من زوجها الأول، التحقت بأحد المعاهد حيث تعلّمت المحاسبة والمعلوماتية وكذلك التسويق. وفي انتظار الفرصة المواتية الكبرى التي تؤمن بأنّها آتية لا محالة، تعمل نسرين على الطلب وتطرّز القماش بالطريقة التراثية الفلسطينية لمن يطلب ذلك. لكنّ العمل يبقى خفيفاً لأنّها لا تملك مكاناً خاصاً للعمل ولم تجد مؤسسة ترعاها، كذلك لا يتوفّر لديها المال لشراء المواد الخام. وهي اليوم تعمد إلى تسويق ما تنتجه في عدد من المدارس بين التلاميذ والمدرّسات. التلاميذ مثلاً يشترون منها الأقلام وعلاقات المفاتيح وغيرها، أمّا المدرّسات فيطلبنَ أوشحة أو عباءات أو حقائب صغيرة. يُذكر أنّ أسعار منتجات نسرين "ليست مرتفعة وهي تناسب الجميع، على الرغم من أنّ تكلفة الخيطان والقماش عالية وكذلك الخياطة. لكنّ الناس في ضائقة مالية". بالنسبة إلى نسرين، فإنّ البضائع التراثية الفلسطينية مطلوبة جداً. تقول: "كنت أظنّ أنّ كبار السنّ هم الذي يرغبون في مثل تلك البضائع، إلا أنّني اكتشفت أنّ الشباب يقبلون عليها أكثر، وقد يعود ذلك إلى تعلّق بالوطن ربّما".
إلى ذلك، تشدد نسرين على "وجوب أن تثبت المرأة نفسها في كلّ الميادين، لا سيّما المرأة الفلسطينية التي تعيش ظروفاً صعبة في المخيّمات حيث تكثر المشكلات الاجتماعية والمعيشية والسياسية".