واصل مؤتمر "طلبة الدكتوراه العرب في الجامعات الغربية" الذي ينظمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، أعماله في يومه الثاني في العاصمة القطرية الدوحة، وبحث في ورش عمل منفصلة سلسلة من أوراق العمل التي قدّمها المشاركون، والتي تناولت دراسات سياسية واقتصادية وثقافية وأخرى في علم الاجتماع.
في ورشة العمل التي أتت تحت عنوان "الأنظمة التسلطية وسؤال الاستمرارية"، جرى تناول موضوع "الإصلاح والقمع والاحتجاج في المغرب: حالة حركة 20 فبراير"، وكذلك موضوع "متى يكون الإسلاميون غير متسامحين؟ شروط المعايير الديمقراطية في مصر وتونس". وفي الورشة المتخصصة في "دراسات الإعلام والاتصال"، كانت موضوعات عدّة منها "دور صحافة الفضائيات في السياسة الداخلية للصراعات الجارية: فلسطين نموذجاً، و"المغاربة المؤثرون في الشبكة العنكبوتية بوصفهم قادة الرأي الجدد".
وكانت ورش أخرى خلال النهار تناولت دراسات في الأدب العربي المقارن، ودراسات في الاقتصاد والاقتصاد السياسي، ودراسات في الجندر، والحركات الإسلامية والجماعات الجهادية، والقضية الفلسطينية بين السياسة والمقاومة. كذلك، كانت مناقشات حول العلاقة بين الإسلام والتسامح أو الإسلام والديمقراطية، وأهمّ المتغيرات الاجتماعية التي تكيّف هذه العلاقات من خلال النظر في البيانات الإحصائية الصادرة عن "المؤشّر العربي".
وقد بحثت ورشة الأدب المقارن إشكالية العلاقة بين التاريخ والتخيّل أو بين التأريخ والسرد، ومفهوم الهوية وعلاقاتها بظاهرة الهجرة ودورها في تحديد نوع العلاقات الاجتماعية وتحديد مفهوم الغيرية. أمّا ورشة الاقتصاد، فناقشت إشكاليات الفساد وتأثيرها في البنية المجتمعية والمؤسساتية للدولة ودورها في التنمية والنمو الاقتصادي. وكان موضوع قوانين العمل والتغييرات الطارئة عليها في العالم العربي محور اهتمام خلال الورشة، نظراً إلى الدور الذي تقوم به في النجاعة الاقتصادية للدولة.
في إحدى الجلسات (العربي الجديد) |
تجدر الإشارة إلى أنّ باحثي المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ومعهد الدوحة للدراسات العليا قدّموا مجموعة من الملاحظات والتقييمات، للمساهمة في تطوير البحوث التي قدّمها طلبة الدكتوراه وإغنائها والارتقاء بها علمياً وأكاديمياً. وكان مؤتمر "طلبة الدكتوراه العرب" قد بدأ أعمال يومه الثاني بجلسة عامة "حول البرامج البحثية في المركز العربي"، ترأسها المدير التنفيذي للمركز العربي محمد المصري، فلخّص مجريات اليوم الأول الذي شهد عروضاً لمشاركات بحثية على مستوى عالٍ من العمق والجدية البحثية والأكاديمية. وقد انعكس ذلك في تفاعل جمهور الباحثين المشاركين في المؤتمر وباحثي المركز العربي ومعهد الدوحة للدراسات العليا، في حين قدّم المصري عرضاً عاماً عن المركز بوصفه مؤسسة بحثية أكاديمية.
من جهته، قال رئيس قسم الأبحاث في المركز العربي محمد جمال باروت، في مداخلة خلال الجلسة، إنّ العملية البحثية هي الجوهر المحدد لعمل المركز على مختلف أشكالها سواء أكانت مؤتمرات أم إصدارات، موضحاً أنّ المركز يمتلك بنية مؤسسية فعالة تسمح لهذه العملية بأن تكون متكاملة. وأشار إلى أنّ القسم يشرف على العملية البحثية لإصدارات المركز المشاركة في المؤتمرات أو المرشحة للنشر. وعرض باروت طريقة المشاركة البحثية سواء في دوريات المركز أو في مؤتمراته، لافتاً إلى أنّها مشاركات محكمة مسبقاً، أي أنّ قبول المقترح البحثي لا يعني قبول المشاركة، فالمركز العربي يعتمد على الصورة الأساسية للبحث بعد عملية التحكيم إذ يعتمد على الدعم الفني أو التحكيم التوجيهي الذي يساعد على جودة البحث وسدّ بعض ثغراته. وأكّد كذلك أنّ المركز يملك بنية مؤسسية تفاعلية تضم عدداً كبيراً من الأكاديميين في الجامعات العربية والغربية، كاشفاً أنّه يخطط لإصدار دورية جديدة تحت اسم "منتقى" تختار أفضل الإنتاجات البحثية، وتصدر باللغة الإنكليزية إلى جانب دوريات المركز الأربع "سياسات عربية" و"عمران" و"أسطور للدراسات التاريخية" و"تبين" بالإضافة إلى الكتاب السنوي "استشراف" الذي يعنى بالدراسات المستقبلية.
إلى ذلك، قدّم رئيس وحدة تحليل السياسات في المركز العربي مروان قبلان شرحاً لما تقدّمه الوحدة ودورها في متابعة الشؤون والأحداث الراهنة في المنطقة العربية والإقليم والعالم. وأشار إلى أنّ نشاطات الوحدة تنقسم إلى قسمين، أوّلهما إعداد أوراق بحثية في شكل تقدير موقف وتقييم حالة وتحليل سياسات تُنشر تباعاً على الموقع الإلكتروني للمركز، وبعضها يُنشر باسم المركز العربي، ما يعني أنّها تعبّر عن آرائه في القضية موضوع البحث، أو تُنشر باسم الباحث الذي أعدّها. وثانيهما مجموعة الندوات والمؤتمرات التي تنظمها الوحدة، منها ندوات طارئة بناءً على حدث معيّن أو تطوّر يستدعي البحث والدراسة، وبناءً عليه تدعو الوحدة مجموعة من الباحثين والمختصين في الظاهرة موضوع البحث إلى جلسة عصف ذهني، وكان آخرها ندوة "قرار نقل السفارة الأميركية ووضع القدس القانوني والسياسي". أضاف قبلان أنّ الوحدة تعقد نوعَين من المؤتمرات، يتمثل الأول في مؤتمر يعقد في مايو/ أيار من كل عام، من ضمن سلسلة مؤتمرات "العرب والعالم"، ويخصّص المؤتمر المقبل لـ"العرب والهند". أمّا المؤتمر الثاني فهو مؤتمر دراسات الخليج والجزيرة العربية ويعقد في ديسمبر/ كانون الأول من كل عام. ويعدّ هذا المؤتمر واحداً من المؤتمرات الفكرية والأكاديمية على المستويَين العربي والدولي التي تدرس منطقة الخليج ذات الأهمية الاستراتيجية.
وقدّمت الباحثة في المركز العربي دانا الكرد مداخلة حول "المؤشّر العربي"، وهو استطلاع رأي يجريه المركز في عدد من دول العالم العربي سنوياً منذ عام 2011، بقصد التعرف على الرأي العام العربي حول مختلف القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والسياسات الخارجية للدول الفاعلة في النظام الإقليمي والدولي. وطرحت الكرد أمثلة عدّة من "المؤشّر العربي" لعام 2016، وتطرّقت إلى مسألة البوابة الإلكترونية للمؤشّر التي تُطلق قريباً ومن ضمنها التقارير والبيانات الخاصة بـ"المؤشّر العربي".
المشاركون في صورة تذكارية (العربي الجديد) |
أمّا نائب المدير التنفيذي لمعجم الدوحة التاريخي محمد العبيدي، فقد استعرض في مداخلته الهيكل الإداري لفريق العمل الذي يضمّ خبراء لغويين من مختلف الدول العربية، وقدّم تفصيلاً عن منظومة العمل التي تبدأ بإعداد بيبليوغرافيا شاملة مروراً بالتحكيم والنشر وانتهاء بالبوابة الإلكترونية. كذلك شرح العبيدي عمل فريق البحث في رصد التطور التاريخي لمفردات اللغة العربية حتى وصل إلى أقدم نصّ باللغة العربية كُتب في عام 403 قبل الهجرة. وكشف أنّ البوابة الإلكترونية للمعجم سوف تكون متاحة خلال أشهر وتقدّم خدماتها للباحثين.
وكان عرض لرئيس قسم الموقع الإلكتروني وشبكات التواصل الاجتماعي في المركز العربي أحمد قاسم حسين، الباحث في المركز العربي، عرضاً عن الموقع الإلكتروني للمركز الذي جرى تحديثه وتطويره أخيراً، ليقدّم لزائريه تجربة بحث فريدة من خلال تصفّحٍ سهل لمجموع إنتاجاته المعرفية والبحثية خلال السنوات السبع الماضية. كذلك يضمّ الموقع قاعدة بيانات كبيرة في كل المجالات والحقول المعرفية، في العلوم الاجتماعية والإنسانية، وقد جرى تصميم محرّك البحث الخاص بالموقع ليكون بمنزلة "موظف مكتبة" يقدّم الإجابة السريعة عن العنوان موضوع البحث، إذ يكفي كتابة كلمة أو كلمات مفتاحية عدّة. كذلك، في الإمكان تحديد النطاق الزمني لموضوع البحث. وتطرّق حسين إلى المواقع الإلكترونية الفرعية للدوريات وإتاحة المركز تحميل كل المواد مجاناً. وأشار إلى أنّ كتب المركز العربي صارت متاحة على موقع "أمازون" العالمي إلى جانب توفّرها ورقياً وإلكترونياً عبر متجر المركز الإلكتروني.
والمؤتمر الذي يشارك فيه 83 باحثاً وباحثة من 40 جامعة غربية في أوروبا وأستراليا وكندا والولايات المتحدة الأميركية، ينهي أعماله غداً الإثنين. وهو يمثّل فاتحة مؤتمرات أخرى في موضوعه سوف يعقدها المركز بانتظام، بهدف تطوير شبكة تفاعل بين باحثي الدكتوراه العرب في الجامعات الغربية وبين نظرائهم والأساتذة في الفضاء الأكاديمي العربي، وتمكينهم من إغناء الدوريات العلمية العربية.