أزمات القطاع الصحي مستمرة في مصر. إلى جانب فقدان أدوية أساسية من الأسواق، وتعطّل أجهزة أشعة وغيرها في المراكز الطبية، وتكاليف العلاجات الباهظة، وغيرها، تأتي أزمة عدم توفّر أسرّة للمواطنين في المستشفيات الحكومية
تعاني المستشفيات الحكومية بالمحافظات المصرية نقصاً حاداً في عدد الأسرّة، بما في ذلك المستشفيات الجامعية ومستشفيات التأمين الصحي، الأمر الذي يتسبّب في وقوع مرضى يشكون من حالات خطرة وطارئة فريسة للمستشفيات والمراكز الخاصة وإلا الموت. وتفيد آخر إحصائية أعدّها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي) حول الموضوع إلى أنّ ثمّة 700 مستشفى حكومي تقريباً تعاني انخفاضاً خطيراً في الخدمة الصحية، من ضمن ذلك نقص في الأسرّة. وتوضح الإحصائية أنّ 36 ألف سرير فقط تتوفّر لنحو 54 مليون مريض، معظمهم من الفقراء ومحدودي الدخل.
وصار الحصول على سرير في غرفة عناية مركّزة في مستشفى حكومي في مصر، أشبه بالمستحيل إذ إنّه يتطلب وساطة أو معرفة مسبقة بأحدهم أو رشوة، حتى يُتاح المجال أمام إدخال مريض أو آخر. ويقضي أهل المريض ساعات طويلة وهم يتنقلون به من مستشفى إلى آخر أملاً في الحصول على سرير بالعناية المركزة لإنقاذه من الموت. وفي حال توفّرت أسرّة لاستقبال الحالات الحرجة التي تحتاج إلى العناية المركّزة، فإنّه يتوجّب على الأهل دفع مبلغ مالي سلفاً قبل استقبال المريض، تُفرَض عليهم رسوم يومية مرتفعة لا يستطيع تحمّلها المواطنون بمعظمهم، كأنّما العلاج صار من حقّ الغني فقط. ومن شأن ذلك أن يعجّل بإنهاء حياة المريض.
اقــرأ أيضاً
إلى ذلك، يكثر ما يُسمّى "قطاع الاستثمار" في كل أقسام المستشفيات الحكومية بالمحافظات. فيفيد طبيب الاستقبال أهل المريض بعدم توفّر سرير مجاني، فارضاً عليهم سريراً استثمارياً في مقابل نحو 500 جنيه مصري (نحو 30 دولاراً أميركياً) في الليلة الواحدة، مع مرافق وثلاث وجبات هي عبارة عن عيّنات من الأكل. أمّا العلاج، فيتمّ إحضاره من الخارج. وبالتالي، لا يملك أهل المريض إلا الموافقة من أجل إنقاذ حياة ذويهم من الموت.
وأبواب المستشفيات الحكومية في البلاد، بما فيها المستشفيات الجامعية، مفتوحة على مدار الساعة، لكنّها تشهد إهمالاً كبيراً مع تهالُك الأجهزة الطبية المستخدمة وعدم توفّر طاقم تمريض أو أطباء. وإذا حضر الأطباء، فإنّهم لا يملكون سوى سماعة طبية يستخدمونها للكشف على جميع المرضى قبل أن يحوّلوهم إلى مستشفيات أخرى بحجة عدم توفّر إمكانيات. يُذكر أن مشكلات المستشفيات الحكومية في مصر أدّت إلى ارتفاع قوائم الانتظار.
وينفي مسؤولون بالمحافظات المصرية، الانتهاء من قوائم الانتظار أمام المستشفيات مثلما يدّعي عدد من المسؤولين في الحكومة بعد إطلاق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مبادرة للقضاء على تلك القوائم. ويشير هؤلاء المسؤولون إلى أنّ ثمّة آلافاً من المرضى سُجّلت أسماؤهم في تلك القوائم على مدى أعوام طويلة، أملاً في الحصول على العلاج، إلا أنّ دورهم لا يحين أبداً. ويصير الموت أحياناً أسرع من أيدي الأطباء، لا سيّما وأنّ ثمّة أكثر من 30 ألف مريض مصابون بأمراض خطيرة.
ويحدد متخصصون بعض التحديات التي تواجه المستشفيات الحكومية المصرية، فيؤكد أستاذ أمراض الباطنة في جامعة عين شمس الدكتور حسام عبد العزيز أنّه "من أبرز التحديات ضعف الميزانية المخصصة للصحة وهي 76 مليار جنيه (نحو أربعة مليارات دولار) التي وضعتها الحكومة أخيراً في خلال إقرار الموازنة العامة للدولة للعام المالي 2018 - 2019 والتي أثارت جدالاً كبيراً. هي انخفضت إلى ما دون النسب الدستورية المحددة للصحة التي لا يجب أن تقل عن ثلاثة في المائة من الناتج القومي الإجمالي وتتصاعد تدريجياً لتتفق مع المعدلات العالمية". وإذ يأسف عبد العزيز لأنّ ذلك لم يحدث في خلال الموازنة الجديدة، يشير إلى أنّ "نقص الأسرّة تترتب عليه وفاة عدد كبير من المصريين يومياً على أعتاب المستشفيات". ويحكي عن "مسلسل الاعتداءات التي طاولت عدداً من الأطباء وقد أتى بها أهالي المرضى نتيجة قلّة الإمكانات". يضيف عبد العزيز أنّ "المستشفيات الحكومية في مصر تحتاج إلى إعادة هيكلة كاملة من أجل الإصلاح"، لافتاً إلى أنّ "هروب الأطباء إلى خارج البلاد أو إلى المستشفيات الاستثمارية وكذلك الأمر بالنسبة إلى طاقم التمريض يؤكد التدنّي المسجَّل المنظومة الصحية في البلاد".
اقــرأ أيضاً
في داخل المستشفيات الحكومية، تكثر القصص المأساوية. من قلب طابور الانتظار، يقول محمد عبد الباسط إنّ "ابني أحمد (15 عاماً) أصيب بالتهاب السحايا، وقد ترددنا كثيراً على مستشفى جامعي من دون أمل. بعدها، توجهنا إلى أحد المستشفيات الخاصة نتيجة سوء حالته، وقد دفعت في يوم واحد 10 آلاف جنيه (نحو 560 دولاراً) لقاء الأدوية والأشعة فقط". أمّا رمضان محمود الذي سقطت ابنته (سبعة أعوام) من الطبقة الثانية من أحد المباني، فيخبر أنّها "أصيبت بكسر في الجمجمة وبنزيف داخلي في المخ. ورحت أركض بها من مستشفى إلى آخر". وفي طريقه إلى أحد المستشفيات، لفظت الطفلة أنفاسها الأخيرة بين يدَيه.
تعاني المستشفيات الحكومية بالمحافظات المصرية نقصاً حاداً في عدد الأسرّة، بما في ذلك المستشفيات الجامعية ومستشفيات التأمين الصحي، الأمر الذي يتسبّب في وقوع مرضى يشكون من حالات خطرة وطارئة فريسة للمستشفيات والمراكز الخاصة وإلا الموت. وتفيد آخر إحصائية أعدّها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي) حول الموضوع إلى أنّ ثمّة 700 مستشفى حكومي تقريباً تعاني انخفاضاً خطيراً في الخدمة الصحية، من ضمن ذلك نقص في الأسرّة. وتوضح الإحصائية أنّ 36 ألف سرير فقط تتوفّر لنحو 54 مليون مريض، معظمهم من الفقراء ومحدودي الدخل.
وصار الحصول على سرير في غرفة عناية مركّزة في مستشفى حكومي في مصر، أشبه بالمستحيل إذ إنّه يتطلب وساطة أو معرفة مسبقة بأحدهم أو رشوة، حتى يُتاح المجال أمام إدخال مريض أو آخر. ويقضي أهل المريض ساعات طويلة وهم يتنقلون به من مستشفى إلى آخر أملاً في الحصول على سرير بالعناية المركزة لإنقاذه من الموت. وفي حال توفّرت أسرّة لاستقبال الحالات الحرجة التي تحتاج إلى العناية المركّزة، فإنّه يتوجّب على الأهل دفع مبلغ مالي سلفاً قبل استقبال المريض، تُفرَض عليهم رسوم يومية مرتفعة لا يستطيع تحمّلها المواطنون بمعظمهم، كأنّما العلاج صار من حقّ الغني فقط. ومن شأن ذلك أن يعجّل بإنهاء حياة المريض.
إلى ذلك، يكثر ما يُسمّى "قطاع الاستثمار" في كل أقسام المستشفيات الحكومية بالمحافظات. فيفيد طبيب الاستقبال أهل المريض بعدم توفّر سرير مجاني، فارضاً عليهم سريراً استثمارياً في مقابل نحو 500 جنيه مصري (نحو 30 دولاراً أميركياً) في الليلة الواحدة، مع مرافق وثلاث وجبات هي عبارة عن عيّنات من الأكل. أمّا العلاج، فيتمّ إحضاره من الخارج. وبالتالي، لا يملك أهل المريض إلا الموافقة من أجل إنقاذ حياة ذويهم من الموت.
وأبواب المستشفيات الحكومية في البلاد، بما فيها المستشفيات الجامعية، مفتوحة على مدار الساعة، لكنّها تشهد إهمالاً كبيراً مع تهالُك الأجهزة الطبية المستخدمة وعدم توفّر طاقم تمريض أو أطباء. وإذا حضر الأطباء، فإنّهم لا يملكون سوى سماعة طبية يستخدمونها للكشف على جميع المرضى قبل أن يحوّلوهم إلى مستشفيات أخرى بحجة عدم توفّر إمكانيات. يُذكر أن مشكلات المستشفيات الحكومية في مصر أدّت إلى ارتفاع قوائم الانتظار.
وينفي مسؤولون بالمحافظات المصرية، الانتهاء من قوائم الانتظار أمام المستشفيات مثلما يدّعي عدد من المسؤولين في الحكومة بعد إطلاق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مبادرة للقضاء على تلك القوائم. ويشير هؤلاء المسؤولون إلى أنّ ثمّة آلافاً من المرضى سُجّلت أسماؤهم في تلك القوائم على مدى أعوام طويلة، أملاً في الحصول على العلاج، إلا أنّ دورهم لا يحين أبداً. ويصير الموت أحياناً أسرع من أيدي الأطباء، لا سيّما وأنّ ثمّة أكثر من 30 ألف مريض مصابون بأمراض خطيرة.
ويحدد متخصصون بعض التحديات التي تواجه المستشفيات الحكومية المصرية، فيؤكد أستاذ أمراض الباطنة في جامعة عين شمس الدكتور حسام عبد العزيز أنّه "من أبرز التحديات ضعف الميزانية المخصصة للصحة وهي 76 مليار جنيه (نحو أربعة مليارات دولار) التي وضعتها الحكومة أخيراً في خلال إقرار الموازنة العامة للدولة للعام المالي 2018 - 2019 والتي أثارت جدالاً كبيراً. هي انخفضت إلى ما دون النسب الدستورية المحددة للصحة التي لا يجب أن تقل عن ثلاثة في المائة من الناتج القومي الإجمالي وتتصاعد تدريجياً لتتفق مع المعدلات العالمية". وإذ يأسف عبد العزيز لأنّ ذلك لم يحدث في خلال الموازنة الجديدة، يشير إلى أنّ "نقص الأسرّة تترتب عليه وفاة عدد كبير من المصريين يومياً على أعتاب المستشفيات". ويحكي عن "مسلسل الاعتداءات التي طاولت عدداً من الأطباء وقد أتى بها أهالي المرضى نتيجة قلّة الإمكانات". يضيف عبد العزيز أنّ "المستشفيات الحكومية في مصر تحتاج إلى إعادة هيكلة كاملة من أجل الإصلاح"، لافتاً إلى أنّ "هروب الأطباء إلى خارج البلاد أو إلى المستشفيات الاستثمارية وكذلك الأمر بالنسبة إلى طاقم التمريض يؤكد التدنّي المسجَّل المنظومة الصحية في البلاد".
في داخل المستشفيات الحكومية، تكثر القصص المأساوية. من قلب طابور الانتظار، يقول محمد عبد الباسط إنّ "ابني أحمد (15 عاماً) أصيب بالتهاب السحايا، وقد ترددنا كثيراً على مستشفى جامعي من دون أمل. بعدها، توجهنا إلى أحد المستشفيات الخاصة نتيجة سوء حالته، وقد دفعت في يوم واحد 10 آلاف جنيه (نحو 560 دولاراً) لقاء الأدوية والأشعة فقط". أمّا رمضان محمود الذي سقطت ابنته (سبعة أعوام) من الطبقة الثانية من أحد المباني، فيخبر أنّها "أصيبت بكسر في الجمجمة وبنزيف داخلي في المخ. ورحت أركض بها من مستشفى إلى آخر". وفي طريقه إلى أحد المستشفيات، لفظت الطفلة أنفاسها الأخيرة بين يدَيه.