قبل أعوام، شغلت كوكب الدراويش (46 عاماً) من مدينة دورا في محافظة الخليل، جنوبي الضفة الغربية، وسائل الإعلام، بقيادتها شاحنة نقل ثقيل، إذ إنّها المرأة الفلسطينية الأولى التي تعمل في هذا المجال. وأخيراً، تبعتها ابنتها داليا في المجال، وهي تقود اليوم شاحنة قاطرة ومقطورة، أو ما يُعرف بـ"تريلا".
وكانت كوكب قد تزوّجت وهي في الخامسة عشرة من عمرها موسى الدراويش الذي يعمل في مجال النقل الثقيل في الضفة، فراح يدرّبها على قيادة شاحنته. تقول لـ"العربي الجديد": "كنّا نقوم بتنقّلاتنا العائلية الخاصة في الشاحنة، الأمر الذي جعلني مضطرة إلى تعلّم قيادتها، وقد أحببت الأمر"، مضيفة أنّ ذلك أتى "بتشجيع حثيث من قبل زوجي الذي أفهمني أنّه لن يدوم لي طيلة الحياة، بالتالي لا بدّ لي من تعلّم تلك القيادة لتأمين لقمة العيش لي ولأبنائنا من بعده". ولم يكن موسى مشجّع زوجته الوحيد، فوالدا كوكب وإخوتها حثّوها كذلك على القيام بالأمر المعتاد بين أهل جنوبي الضفة الغربية. وتتحدّث كوكب عن تشجيع والدتها، مضيفة "تعرفون قلب الأم وخوفها على أبنائها، لذلك كثّفت نصائحها وتوجيهاتها لي، لا سيّما التركيز أكثر في أثناء القيادة تجنّباً للحوادث. وبفضل الله، لم أتعرّض إلى أيّ حادث، فأنا شديدة الحذر، بالإضافة إلى أنّ الجميع يؤكّد مهارة القيادة".
في عام 1996، حصلت كوكب على رخصة قيادة مركبات عادية وخاصة، لتلحقها بعد عامَين برخصة قيادة حافلات. وفي عام 2002، قرّرت كوكب أن "أقوّي قلبي" مثلما تقول، وحصلت على رخصت ثالثة تخوّلها "الجلوس وراء مقود شاحنات النقل الثقيل وكذلك القاطرة والمقطورة". فأثارت استغراب الناس وفضولهم عندما شوهدت للمرّة الأولى وهي تقود شاحنة، ولمّا صارت تقود لمسافات طويلة تحوّلت إلى "حديث الناس" الذين راحوا يعبّرون إمّا عن انتقادهم لها وإمّا عن إعجابهم بها.
تجدر الإشارة إلى أنّ أصحاب ورش البناء والمصانع والمنشآت في دورا وجنوب الخليل عموماً، اعتادوا أن يصطحب موسى زوجته معه لنقل الحمولة المطلوبة. لكنّ الموقف الأول الذي ما زال يضحك كوكب حتى اليوم، هو عندما توجّه صوبها صاحب ورشة ظنّاً منه أنّ سائق الشاحنة هو موسى الدراويش. وتخبر: "ركنت الشاحنة لإنزال الحمولة أمام الورشة، فاقترب صاحبها لتقديم كوب القهوة، وعندما رآني تراجع مصدوماً، قائلاً: بسم الله... شو هاظ منوين طلعتي؟! (ما هذا؟ من أين أتيتِ؟)"، مضيفة أنّ "الناس في ما بعد تعوّدوا عليّ وكانوا يُعجَبون بقوّة قلبي (شجاعتي)".
على الرغم من أنّ قيادة كوكب شاحنات النقل الثقيل صارت أمراً معتاداً، فإنّ كثيرين ينتقدون ذلك. وتلفت إلى "تعليقات تقول إنّ أنوثتي سوف تتضرّر، وإنّ على المرأة عمل ما يتلاءم مع بنية جسدها". في سياق متّصل، تؤكّد كوكب أنّها لم تُهمل واجباتها المنزلية قطّ، وكانت تُنهيها قبل توجّهها إلى العمل في الخارج الذي يتطلّب منها توصيل حمولة أو اثنتَين يومياً. بعد ذلك، تعود إلى منزلها وتواصل حياتها الطبيعية فيُكمل زوجها ما بدأته.
بعد أعوام من العمل في مجال النقل الثقيل، وبعد إنجاب أربع بنات وابنَين اثنَين، أنشأت كوكب مدرسة قيادة خاصة بها في دورا في عام 2008، وجعلت أولادها جميعاً يسيرون على خطاها. كبرى بناتها لانا (30 عاماً) تعمل مدرّبة مع والدتها في المدرسة، وتحمل رخصة قيادة حافلات بالإضافة إلى المركبات الخاصة، وهي متزوجة ولدَيها ابنتان وابن واحد. من جهته، نديم (27 عاماً) يحمل كلّ رخص القيادة وهو متزوّج ولديه طفل واحد. داليا (26 عاماً) تحمل كذلك كلّ الرخص، وهي متزوّجة ولديها ابنة واحدة وابن واحد. أمّا بشرى (25عاماً) فتحمل رخصة شحن خفيف وهي متزوّجة. وتنوي كوكب تعليم ولدَيها الأصغرَين تالا (في الصف العاشر) ومحمود (في الصف التاسع) القيادة عندما يبلغان السنّ القانونية لذلك وهي 17 عاما ونصف العام.
من جهتها، تقول داليا التي تحمل شهادة في الهندسة المعمارية، لـ"العربي الجديد": "كنت أسعى إلى دراسة الهندسة الميكانيكية، لكنّ أحد رؤساء الأقسام في الجامعة لم يقبل بذلك لأنّني أنثى. وقد عوّضت الأمر بقيادة الشاحنة القاطرة والمقطورة. لكنّني أفضّل قيادة الحافلات، فهي سلسة وآمنة أكثر من شاحنات النقل الثقيل". وتطمح داليا إلى أن تصير فاحصة قيادة، مؤكدة أنّها لا ترفض أيّ فرصة عمل مناسبة. وتخبر أنّ "إحدى الشركات المعروفة في رام الله عرضت عليّ العمل معها في قيادة شاحنات النقل الثقيل، لكنّني رفضت، نظراً إلى بعد المسافة عن مكان إقامتي في الخليل. أمّا سبب العرض بحسب ما أفادتني الشركة فهو أنّني كسرت حاجز المعتاد في المجتمع".