سيكون تلاميذ لبنان في امتحاناتهم من الآن فصاعداً، تحت ضغط أكبر بكثير من مجرد رقابة بشرية عادية. الكاميرات في الصفوف ستلاحقهم مفترضة في كلّ واحد منهم نيّة الغش، في تغاضٍ كامل عن المشاكل الأساسية للقطاع التربوي التي تتطلب الحلّ
"في إطار التحضيرات الإداريّة واللوجستية التي تقوم بها دائرة الامتحانات الرسمية في المديرية العامة للتربية والتي تساهم في تنظيم العمل وحسن سيره في مراكز الامتحانات، وحرصاً على تأمين الجو الملائم للتلامذة المرشحين لامتحانات الشهادة المتوسطة والثانوية العامة بفروعها الأربعة للعام 2019، وحفاظاً على حقوقهم كمرشحين ومعرفة واجباتهم، يطلب من المناطق التربوية في المحافظات القيام بما يلي: 1 - إجراء استدراج عروض لتركيب كاميرات مراقبة مع لوازمها في كلّ غرفة من مراكز الامتحانات الرسمية في المدارس والثانويات الرسمية وفق الأصول...".
ما سبق جزءٌ من تعميم صدر أخيراً عن وزارة التربية والتعليم العالي اللبنانية. والخلاصة أن التلاميذ سيُراقَبون إلكترونياً خلال الامتحانات الرسمية، في الشهادتين المتوسطة والثانوية. هذا ما خلص إليه وزير التربية والتعليم العالي للحدّ من مشكلة الغش في الامتحانات، من دون أن تتضح حتى اليوم الآلية التنفيذية. من يراقب الكاميرات؟ وهل نثق بالمسؤولين عن مراقبة الكاميرات؟ وهل هذه أولوية؟ وهل أن المناهج الحالية التي لا تعتمد على التحليل تدفع التلاميذ إلى الغش؟ هذه وغيرها من الأسئلة ما زالت تخضع لنقاشات بين المعنيين في القطاع التربوي. لكن القرار صدر.
حاولت "العربي الجديد" الاتصال بوزير التربية أكرم شهيّب مراراً من دون نتيجة، فكان التواصل مع مستشاره أنور ضو. يشرح الأخير لـ "العربي الجديد" أسباب القرار، قائلاً إن الغاية من الكاميرات هي وقف الغش خلال الامتحانات الرسمية. ويوضح أن "نسبة الغش كانت مرتفعة خلال السنوات الماضية، الأمر الذي يمنع قياس التحصيل العلمي بشكل دقيق".
ويرى ضو أن "هذه الإجراءات تمنح الامتحانات الرسمية جدية أكبر، بدلاً من القول إن هناك تسيّباً". ويلفت إلى تراجع مستوى الشهادة الرسمية اللبنانية في العالم، أو على الأقل إعادة نظر بمستواها، موضحاً أن هذا الإجراء وغيره سيساهم في إعادة الاعتبار للشهادة الرسمية اللبنانية مجدداً.
وأكد شهيب، في وقت سابق، أن "إدارة المناقصات ستواكب رؤساء المناطق التربوية في فض العروض للمناقصات العائدة لشراء الكاميرات وتركيبها في مراكز الامتحانات الرسمية، توخياً للمزيد من الشفافية، لا سيما وأن عدد مراكز الامتحانات يبلغ نحو 250 مركزاً في مناطق لبنان كافة".
يوضح ضو أن كلفة تركيب الكاميرات لن تتجاوز الخمسمائة ألف دولار أميركي. ورداً على الأولويات، وإن كان تركيب الكاميرات يعدّ أولوية في الوقت الحالي، يقول إنه أولوية من دون أن يعني ذلك إهمال الأولويات الأخرى، موضحاً أن هناك ورشة كبيرة لترميم 150 مدرسة بالشراكة مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف"، ما يعني أنه يجري العمل على الأولويات بالتوازي. ويرى ضو أنّ "الكاميرات ستؤمّن الراحة للتلاميذ خلال الامتحانات. وبوجودها، لن يتمكّن التلميذ من الغش مستعيناً بالأوراق، أو بمساعدة المدرس. ولن يحذّر الأساتذة التلاميذ من قدوم المفتش العام".
هل من إحصائيات تفيد بنسبة الغش في الامتحانات الرسمية خلال السنوات الأخيرة؟ يقول ضو إنه ليس في حوزته إحصائيات، لكن الأمر معروف. ويسأل: "ألا تعد نسبة النجاح المرتفعة دليلاً؟". ولدى سؤاله إن كان مقتنعاً أن الغش فعلاً يساهم في رفع مستويات النجاح إلى هذه الدرجة، يقول: "إنه عامل يضاف إلى عوامل أخرى".
من جهة أخرى، يشير إلى أن "الوزارة على أبواب ورشة كبيرة لتعديل المناهج لأن العالم يتغير، وسوق العمل يتغير، ويجب إعداد التلاميذ ليكونوا جزءاً من الثورة الرقمية والمعلوماتية، خصوصاً أن الكثير من المهن تختفي لتحل محلها مهن جديدة. والمنهاج القديم يعد التلاميذ لمهن تختفي وليس تلك الجديدة".
ولدى سؤاله إن كان من الأولى العمل على تعديل المناهج قبل تركيب الكاميرات، باعتبار أن المناهج الحالية قائمة على الحفظ وليس التحليل، ما يسهل من الغش، يرى أنّ في هذا خلطاً للمواضيع. ويعود للحديث عن أهمية الكاميرات، لافتاً إلى أنها موجودة في دول عدة. وحين نطلب منه تسميتها، يكرّر أنها دول عدة من دون إعطاء أسماء. ويؤكد أن الامتحانات الرسمية تكلف الدولة ملايين الدولارات، وبالتالي يجب ضمان نزاهتها. وأما عن اتجاه بعض الدول إلى إلغاء الامتحانات، يقول إنه "ربما نصل إلى خطوة مماثلة في المستقبل. وفي الوقت الحالي، يجري العمل على إعداد آلية المراقبة".
وقد لاقى القرار تأييداً من البعض، منهم الرئيس الأسبق لـ"المركز التربوي للبحوث والإنماء" نمر فريحة. يقول فريحة لـ "العربي الجديد" إن "وضع الكاميرات في الصفوف أمر إيجابي في ظل ارتفاع نسبة الغش". يضيف أن "بعض الأساتذة يعمدون إلى مساعدة التلاميذ على الغش، ما يؤدي إلى الفوضى وغياب العدالة والنزاهة. من هنا، يجب وضع حدّ لهذه الفوضى"، وإن لم يكن متأكداً إن كانت الكاميرات ستساهم في كشف المدرسين الذي يُنتدبون لمساعدة بعض التلاميذ.
ويرى أن لبنان مختلف عن دول أخرى، "على سبيل المثال، في إحدى الجامعات الأميركية حيث كنت أتابع الدراسات العليا، يوقّع الطالب على ميثاق شرف، ويتعهد بأن يكون مسؤولاً خلال فترة الامتحانات وغيرها. أما في لبنان، فيتعمّد التلميذ أو الطالب الغش لضمان النجاح". لذلك، يأمل أن تكون الكاميرات بداية للمحاسبة.
وردّاً على سؤال حول الضغط النفسي الذي يمكن أن تسبّبه الكاميرات للتلاميذ، يقول إن "التلميذ الذي استعدّ جيداً لن يشعر بأي توتر، خصوصاً أنه لا يعتمد على الغش للنجاح. المشكلة أن المجتمع يربي الأطفال على الفساد منذ الصغر".
في المقابل، يقول أستاذ التربية في الجامعة اللبنانية والرئيس السابق لـ "الهيئة اللبنانية للعلوم التربوية"، عدنان الأمين، لـ "العربي الجديد"، إنّه لا يؤيّد وضع الكاميرات، "إذ فيها حكم مسبق بأن التلاميذ غشاشون. من جهة أخرى، فإنّ الأسلوب المعتمد في الامتحانات يدفع الناس إلى الغش لأنه قائم على الحفظ". ويصف تركيب الكاميرات بأنه "إضافة خطأ على خطأ، لأن المشكلة الأساسية تكمن في المنهاج. وفي النتيجة، إذا كان هناك قرار بالسماح بالغش في مركز معيّن، فلن يُؤخذ بالكاميرات وإن وثّقت الأمر".