تماماً كما في كلّ عام، تمثّل تذاكر القطارات أزمة للمصريين في مواسم الأعياد، خصوصاً بالنسبة إلى أهالي محافظات الصعيد. وفي هذه الأيام، تشهد محطة القطارات المركزية في ميدان رمسيس بالعاصمة القاهرة ازدحاماً كبيراً. منذ ساعات الصباح الباكر، يتهافت الراغبون في العودة إلى مناطقهم لقضاء آخر أيام رمضان وكذلك عيد الفطر مع ذويهم، على شبابيك التذاكر، علماً أنّ معظم هؤلاء من أصحاب الحرف والعمّال الذين قصدوا المدينة بحثاً عن لقمة العيش. ويأمل كلّ واحد من هؤلاء أن يوفّق بتذكرة، نظراً إلى عدم كفاية التذاكر. وأهالي الصعيد يفضّلون القطارات بسبب بعد المسافة، ولأنّها أكثر أماناً من وسائل المواصلات الأخرى، من قبيل الأوتوبيسات والميكروباصات الخاصة التي تتكرر حوادثها.
وتمتلئ الطوابير بمئات الراغبين في حجز مقاعد إمّا في الدرجتَين الأولى والثانية المكيّفتَين، في حين يبدو الحزن واضحاً على البعض لعدم توفّر تذاكر. من جهتهم، يردّد الموظّفون: "التذاكر خلصت... تعالوا بكرة (غداً)... مفيش تذاكر... سافروا في قطار الركاب العادي"، علماً أنّ ثمّة تذاكر تُباع بالسوق السوداء علناً وأمام الجميع ولقاء بدلات مضاعفة. والذين يتاجرون في التذاكر ليسوا إلا بعضاً من موظفي المحطة وشرطة سكة الحديد.
وأمام عدم القدرة على حجز مقاعد في القطارات المكيّفة، يلجأ البعض - خصوصاً من الشباب - إلى حيل مختلفة، منها الجلوس بين الكراسي، الأمر الذي يؤدّي إلى نشوب مشكلات وخلافات بين الركاب، لا سيّما أنّ من دفع ثمن مقعده يرى نفسه عاجزاً عن الحركة. كذلك قد يزدحم بعض آخر منهم أمام دورات المياه وبين العربات طوال رحلتهم التي تستغرق من القاهرة إلى أسوان على سبيل المثال 12 ساعة وأكثر، ويحاول كثيرون منهم الهروب من "كمسارية" القطارات. أمّا آخرون، فلا يجدون أمامهم إلا القطار العادي المزدحم في الأيام العادية، والمزدحم جداً في أيام الأعياد، لدرجة أنّ الواحد يعجز عن الوقوف فيه.
في سياق متصل، تستغلّ مواقف السيارات والأوتوبيسات في منطقة عبود بالقاهرة ومنطقة المنيب بالجيزة تلك المناسبات لرفع أسعارها إلى أرقام خيالية، فيراوح بدل استئجار الميكروباص الواحد (12 راكباً) ما بين أربعة آلاف وخمسة آلاف جنيه مصري (نحو 240 - 300 دولار أميركي)، فيما رفعت الأوتوبيسات أسعارها من القاهرة إلى الأقصر من 170 جنيهاً (نحو 10 دولارات) إلى 210 جنيهات (نحو 12 دولاراً).
أمام أحد شبابيك التذاكر، يشكو محمد عبد الراضي، وهو من محافظة الأقصر ويعمل في إحدى شركات المقاولات، من "عدم توفّر تذاكر منذ نصف رمضان، بينما تباع في السوق السوداء بضعفَي ثمنها"، في حين يطالب جاره شوقي عبد الظاهر، وهو عامل من المحافظة نفسها، بـ"ضرورة مواجهة أزمة قلّة التذاكر، خصوصاً في هذا الوقت من العام". يضيف: "نضطر إلى السفر بسيارات الأجرة الخاصة التي يستغل أصحابها حاجتنا إلى السفر فيرفعون أسعارهم أكثر من 50 في المائة".
من جهته، يؤكد محمد حماد، وهو موظف من محافظة قنا، أنّ "القطار هو الاختيار المناسب لعدد كبير من أبناء الصعيد، إذ إنّه وسيلة مريحة بسبب بُعد المسافة، كذلك كلفته أقلّ من وسائل المواصلات الأخرى، بالإضافة إلى أنّه أكثر أماناً من ركوب السيارات والأوتوبيسات بسبب الحوادث اليومية". ويعبّر حماد عن أسفه من "الاستغلال التي تعمد إليه الحكومة من خلال زيادة رحلات القطارات ورفع أسعارها، وكأنّما وزارة النقل تكافئ موظفي سكة الحديد لبيع التذاكر في السوق السوداء". يضيف أنّ "وسائل المواصلات الخاصة تستغلّ الأمر كذلك، في ظل عدم توفّر رقابة". أمّا أحمد عبده، من محافظة أسوان، وهو موظف في إحدى شركات القطاع الخاص، فلا يخفي غضبه إزاء عدم توفّر تذاكر، ويقول: "منذ أسبوع وأنا على هذه الحال، أحاول شراء تذكرة ذهاب إلى أسوان لقضاء عدد من أيام رمضان وكذلك أيام العيد مع الأهل". ويلفت إلى أنّ "الأزمة نفسها سوف نواجهها في طريق العودة"، مشيراً إلى أنّ "سائقي الأوتوبيسات وغيرها من الوسائل الأخرى يستغلون الأمر برفع بدلاتهم، بالتالي نضطر إلى دفع مبالغ كبيرة لقضاء أيام العيد مع أولادنا".
بالنسبة إلى محمد عبد العال، وهو موظف من محافظة سوهاج، فإنّ "البحث عن تذكرة سفر في محطة رمسيس أشبه بالبحث عن إبرة في كومة قش، على الرغم من تصريحات المسؤولين في قطاع سكك الحديد الذين وعدوا بتوفير قطارات إضافية لنقل الركاب". ويشير إلى أنّه استطاع الحصول على "أربع تذاكر بصعوبة لأسرته المؤلّفة من ستّة أفراد، ثمّ اشتريت اثنتَين من السوق السوداء"، شاكياً من "ساعات الانتظار الطويلة التي تبدأ منذ الفجر أمام شبابيك التذاكر".