مع إشراقة كل صباح يرتدي أحمد، وهو طفل بعمر 13 سنة من مدينة إدلب شمال غربيّ سورية، ملابسه الرثة ويتجه نحو عمله في المدينة الصناعية للمدينة، ليلتقي في الطريق عشرات الطلاب المتجهين إلى مدارسهم، يرمقهم بنظرة سريعة ويدسّ يديه في جيبه، متفادياً نسمات الهواء الباردة، مسرعاً خطواته كي لا يتأخر عن الوصول إلى مكان عمله في صيانة السيارات.
أحمد واحد من آلاف الطلاب الذين خسروا مقاعد الدراسة في سورية، ودخلوا ميادين العمل في سنّ مبكرة لعوامل عدة، أسهمت في ارتفاع نسب المتسربين من المدارس.
في مناطق سيطرة النظام السوري، لم يكن الوضع أفضل حالاً، فضيق الأحوال المادية وتدني مستوى المعيشة، انعكسا سلباً على الواقع التعليمي، وأجبرا طلاباً كثيرين على ترك مدارسهم.
يقول مصطفى العمر، وهو مقيم في دمشق لـ"العربي الجديد"، اليوم الأربعاء، إنّ الفقر وسوء الأحوال المادية أجبرا الكثير من الأهالي على الدفع بأولادهم نحو سوق العمل مرغمين على ذلك بهدف تأمين مصدر دخل إضافي، إذ اضطر مصطفى إلى إرسال ولده سامر (14 سنة) للعمل في إحدى ورشات الخياطة لتأمين مصدر دخل إضافي للعائلة، مبيّناً أنه يدرك أهمية التعليم، إلا أنّ الحياة فرضت عليه ضغوطها وأجبرته على إبعاد ولده عن المدرسة.
خروج أكثر من 800 مدرسة بينها 170 منشأة تعليمية في شمال غرب سورية عن الخدمة
لا يختلف الأمر في مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" شماليّ سورية وشرقيّها عن سابقاتها، إذ يقول فني الصيانة ساري حمود لـ"العربي الجديد" إن ثلاثة أطفال يعملون في محله بعيداً عن مقاعد الدراسة، نتيجة حاجة عوائلهم لهذا العمل، وهو أمر شائع في المنطقة، إذ باتت لقمة الخبز حاجة أساسية للأهالي.
يقول المهندس محمد حلاج، مدير فريق "منسقو استجابة سورية"، لـ"العربي الجديد"، إنّ أكثر من 318 ألف طفل يعانون من التسرب التعليمي في مناطق شمال غربيّ سورية، بينهم 78 ألف طفل يعيشون داخل المخيمات.
وبلغت أعداد الطلاب المتسربين على مستوى سورية كاملة أكثر من 2.1 مليون طفل، معظمهم تسرب من التعليم نتيجة عوامل مختلفة، أبرزها عمالة الأطفال؛ نتيجة ارتفاع التكلفة المعيشية وعدم قدرة الأهالي على تأمين مستلزمات الطفل التعليمية، إضافة إلى حالات الزواج المبكر، وبعد المنشآت التعليمية عن مناطق السكن وغيرها من الأسباب، كما يقول حلاج.
988 مخيماً لا تحوي نقاطاً تعليمية أو مدارس ويضطر الأطفال إلى قطع مسافات طويلة للتعليم
ويركز تقرير أصدره فريق "منسقو الاستجابة" على مناطق شمال غربيّ سورية، إذ يشير حلاج إلى توثيق خروج أكثر من 800 مدرسة، بينها 170 منشأة تعليمية في شمال غرب سورية عن الخدمة، خلال السنوات الثلاث الأخيرة، نتيجة استهدافها من قبل قوات النظام السوري وروسيا في أثناء العمليات العسكرية في المنطقة.
كذلك تعاني أكثر من 95 مدرسة شمال غربيّ سورية من الاستخدام الخارج عن العملية التعليمية، حيث أُشغلت تلك المدارس في مهمات غير مخصصة لها.
أما في مخيمات النازحين (988 مخيماً)، التي تضم أكثر من 1.8 مليون نازح، فأكثر من 67% منها لا تحوي نقاطاً تعليمية أو مدارس، حيث يضطر الأطفال إلى قطع مسافات طويلة، وسط العوامل الجوية المختلفة، للحصول على التعليم، وهو ما أسهم إضافة إلى العوامل السابقة في ابتعاد الطلاب عن مدارسهم وزيادة نسب التسرب.
يقول محمد الحمزة، وهو مقيم في مخيم البراء بريف جسر الشغور لـ"العربي الجديد"، إنّ المخيم يخلو من أي مدرسة، رغم وجود نحو ثلاثمئة طفل في المخيم، ما يجبر الأهالي على إرسال أطفالهم إلى مدارس أخرى أقربها يبعد ثلاثة كيلومترات عن المخيم، و"الطفل هنا أمام خيارين: إما الذهاب والعودة مشياً في هذه الظروف الجوية القاسية، أو الاعتماد على وسائل النقل المأجورة، ما يعني تكليف ذويه مبالغ إضافية يعجزون عن تأمينها، الأمر الذي دفع كثيرين إلى تجاهل موضوع تعليم أولادهم نتيجة صعوبة الوصول إلى المدرسة".