دائما ما أتذكّر ذلك المشهد في مسرحية "مدرسة المشاغبين" عندما يتحدث الطالب الشاعر، والذي قام بدوره الفنان "أحمد زكي" عن عدم حبه لحصة اللغة العربية بل ورسوبه المتكرر في المادة، رغم أنه يكتب شعرا جميلا، وقد أرجع السبب إلى أنهم يفرضون عليه ما يكتب في حصة التعبير والإنشاء ولا يتركونه يكتب عما يراه ويحسه.
وسرّ تذكري لهذا المشهد أنني ورغم تفوقي في الكتابة الأدبية في سن مبكرة؛ إذ نُشرِت أول قصة قصيرة لي وأنا في سن السادسة عشرة، إلا أنني كنت أحصل على أدنى الدرجات في الإنشاء والتعبير، وكنت أستغرب من نفسي أنني بمجرد أن أمسك ورقة الامتحان ويكون السؤال الأول فيها: اكتب موضوعا فيما لا يزيد عن عشرة أسطر عن فصل الربيع، أو كيف قضيت إجازة نصف السنة، كنت أجد نفسي عاجزة تماما عن الكتابة، فتهرب الكلمات والتعبيرات، وأجد نفسي غير قادرة على كتابة سطرين، وأتنهّد وأتلفّت حولي وأشعر بالاختناق، لأن ملَكة التعبير قد تخلّت عني.
اقــرأ أيضاً
وسرّ تذكري لهذا المشهد أنني ورغم تفوقي في الكتابة الأدبية في سن مبكرة؛ إذ نُشرِت أول قصة قصيرة لي وأنا في سن السادسة عشرة، إلا أنني كنت أحصل على أدنى الدرجات في الإنشاء والتعبير، وكنت أستغرب من نفسي أنني بمجرد أن أمسك ورقة الامتحان ويكون السؤال الأول فيها: اكتب موضوعا فيما لا يزيد عن عشرة أسطر عن فصل الربيع، أو كيف قضيت إجازة نصف السنة، كنت أجد نفسي عاجزة تماما عن الكتابة، فتهرب الكلمات والتعبيرات، وأجد نفسي غير قادرة على كتابة سطرين، وأتنهّد وأتلفّت حولي وأشعر بالاختناق، لأن ملَكة التعبير قد تخلّت عني.
في حصص التعبير لم أكن أستطيع التعبير عما أريد، رغم أن المرحلة العمرية التي كنت أمرّ بها في المرحلتين الابتدائية والإعدادية هي المرحلة التي يكون لدى التلميذ ميل فطري للتعبير عما يختلج في نفسه، ومن الطبيعي أن يخلق التلميذ عالما خياليا يحاوره ويجادله.ز
ولكن هذا العالم كان يُقتل مع النقاط الرئيسية التي تضعها المعلمة لكي نتبعها في كتابة موضوع تعبير عن العلم أو النظافة، رغم أنني قد أبدعت ذات يوم في وصف مشاعري حين رأيت الجنود يعتقلون طفلا صغيرا، ولكن المعلمة لم تُعرْ انتباها لما كتبته. واتجهتُ أنا لنشره في صحيفة محلية كانت بداية فتح الطريق أمامي لكي أتجه إلى الكتابة.
وبالتالي فإن جهل المعلمة بأن هناك مواضيع كثيرة للتعبير غير تلك التي تكتب عناصرها على السبورة هي السبب الأول في عدم حصولي على درجات عالية في هذا الفرع من فروع اللغة العربية، إضافة إلى اهتمام المعلمين على مدار سِنِي الدراسة بالنحو والإملاء على حساب الإنشاء والتعبير.
كما أن المعلمين والمعلمات لم يعتنوا بإثراء لغتنا بالألفاظ والتراكيب التي ترد في دروس القراءة مثلا لكي نوظفها في مواضيع التعبير، مما يجعل ما نكتبه في حصة الإنشاء ساذجا وبسيطا، وقد يواجه بالسخرية منهم، رغم أن الخطأ الأكبر يرجع إلى إهمالهم.
اقــرأ أيضاً
عندما كبرتُ اكتشفت أن التعبير عملية معقدة تبدأ بولادة فكرة، والفكرة قد تولد من خيال أو موقف، وعملية نقل الفكرة والموقف إلى الآخرين تحتاج إلى براعة وصبر وأناة من المعلم، وأن عدم سعة صدر معلمينا ومعلماتنا في أيام الدراسة كان السبب الأول في نفور التلاميذ من حصة التعبير، ولجوء البعض منهم إلى شراء الكتب التجارية الرخيصة التي تنشر مواضيع إنشاء جاهزة ومعقدة التراكيب ويضطر التلاميذ إلى حفظها عن ظهر قلب على أمل أن يرد أحدها في الامتحان، وينسحب ذلك على كتابة الرسائل العامة والخاصة والرسمية والتي تعتبر أحد فروع الإنشاء.
أذكر أن المعلمة عاقبتني ومزقت دفتري ذات يوم لأنني قمت بتغيير الصياغة التي أجبرتنا على حفظها لمقدمة رسالة شكوى نتقدم بها إلى المحافظ بخصوص تنظيف شوارع الحي، وكنت أريد أن أخاطبه بأسلوبي وليس بأسلوب المعلمة الذي تنقله من دفتر تحضير الدروس، ولكن العقاب الذي نلته يومها جعلني مثل الآلة المجردة من المشاعر في حصة الإنشاء والتعبير، وأنقذني حبي للقراءة الخارجية، فكان هو وسيلة النجاة لكي أتحرر من قيود هذه الحصة والنجاح ككاتبة فيما بعد.
اقــرأ أيضاً
ولكن هذا العالم كان يُقتل مع النقاط الرئيسية التي تضعها المعلمة لكي نتبعها في كتابة موضوع تعبير عن العلم أو النظافة، رغم أنني قد أبدعت ذات يوم في وصف مشاعري حين رأيت الجنود يعتقلون طفلا صغيرا، ولكن المعلمة لم تُعرْ انتباها لما كتبته. واتجهتُ أنا لنشره في صحيفة محلية كانت بداية فتح الطريق أمامي لكي أتجه إلى الكتابة.
وبالتالي فإن جهل المعلمة بأن هناك مواضيع كثيرة للتعبير غير تلك التي تكتب عناصرها على السبورة هي السبب الأول في عدم حصولي على درجات عالية في هذا الفرع من فروع اللغة العربية، إضافة إلى اهتمام المعلمين على مدار سِنِي الدراسة بالنحو والإملاء على حساب الإنشاء والتعبير.
كما أن المعلمين والمعلمات لم يعتنوا بإثراء لغتنا بالألفاظ والتراكيب التي ترد في دروس القراءة مثلا لكي نوظفها في مواضيع التعبير، مما يجعل ما نكتبه في حصة الإنشاء ساذجا وبسيطا، وقد يواجه بالسخرية منهم، رغم أن الخطأ الأكبر يرجع إلى إهمالهم.
عندما كبرتُ اكتشفت أن التعبير عملية معقدة تبدأ بولادة فكرة، والفكرة قد تولد من خيال أو موقف، وعملية نقل الفكرة والموقف إلى الآخرين تحتاج إلى براعة وصبر وأناة من المعلم، وأن عدم سعة صدر معلمينا ومعلماتنا في أيام الدراسة كان السبب الأول في نفور التلاميذ من حصة التعبير، ولجوء البعض منهم إلى شراء الكتب التجارية الرخيصة التي تنشر مواضيع إنشاء جاهزة ومعقدة التراكيب ويضطر التلاميذ إلى حفظها عن ظهر قلب على أمل أن يرد أحدها في الامتحان، وينسحب ذلك على كتابة الرسائل العامة والخاصة والرسمية والتي تعتبر أحد فروع الإنشاء.
أذكر أن المعلمة عاقبتني ومزقت دفتري ذات يوم لأنني قمت بتغيير الصياغة التي أجبرتنا على حفظها لمقدمة رسالة شكوى نتقدم بها إلى المحافظ بخصوص تنظيف شوارع الحي، وكنت أريد أن أخاطبه بأسلوبي وليس بأسلوب المعلمة الذي تنقله من دفتر تحضير الدروس، ولكن العقاب الذي نلته يومها جعلني مثل الآلة المجردة من المشاعر في حصة الإنشاء والتعبير، وأنقذني حبي للقراءة الخارجية، فكان هو وسيلة النجاة لكي أتحرر من قيود هذه الحصة والنجاح ككاتبة فيما بعد.