كنت تلميذة شاذة ليس بسبب خلق معيب، أو تصرف مشين، لكنني كنت أعتبر كذلك في نظر الجميع حين كنت أعلن عن حبي لمادتي العلوم والرياضيات، وكذلك اللغة الإنكليزية، رغم ميولي الأدبية المبكرة، وكانت جارتنا تطلب مني أن أمر على بيتهم في ساعات الرواح بصحبة ابنتها من المدرسة لكي نجلس أنا وصديقتي على مقربة من أمها وهي تخبز الخبز على فرن الطابون، وأقوم بمساعدة صديقتي، وهي زميلتي في الصف نفسه، في حل المسائل الرياضية التي كلفتنا بها المعلمة.
حين تدفع أمامي أمها الطيبة برغيف خبز ساخن محمر الوجه يشبه وجه صديقتي حين يحمر بسبب عدم عثورها على إجابة لمسألة حسابية في الفصل، فقد كنت أقوم بتحفيظها جدول الضرب بطرق أبتكرها بنفسي وتأتي وليدة اللحظة أي لحظة التهام رغيف الخبز الساخن،
وكانت جارتي تبدي سعادتها بأن ابنتها قد بدأت في التجاوب معي، وتستغرب بسبب نباهتي على حد قولها في الرياضيات، خصوصا كيف أني كنت أحل الكثير من المسائل الرياضية بطريقة شفوية ودون حاجة للعد على أصابعي وتبليل أطرافي بلعابي كما تفعل ابنتها، أو البحث عن أقرب حائط أو أرضية مفروشة بالرمل لكي أكتب عليها طرفي المسألة وابدأ في حلها،
الحقيقة أنني لم أكن أجد ردا على تساؤلات جارتي، سوى أنني كنت أجد متعة في حصة الحساب، وكذلك حصة العلوم لاسيما ما يختص بأجهزة جسم الإنسان، والتي بدأناها بدراسة الجهاز التنفسي والهضمي، وكنت أتفنن في رسم الرئتين والأمعاء الدقيقة خصوصاً.
حين تدفع أمامي أمها الطيبة برغيف خبز ساخن محمر الوجه يشبه وجه صديقتي حين يحمر بسبب عدم عثورها على إجابة لمسألة حسابية في الفصل، فقد كنت أقوم بتحفيظها جدول الضرب بطرق أبتكرها بنفسي وتأتي وليدة اللحظة أي لحظة التهام رغيف الخبز الساخن،
وكانت جارتي تبدي سعادتها بأن ابنتها قد بدأت في التجاوب معي، وتستغرب بسبب نباهتي على حد قولها في الرياضيات، خصوصا كيف أني كنت أحل الكثير من المسائل الرياضية بطريقة شفوية ودون حاجة للعد على أصابعي وتبليل أطرافي بلعابي كما تفعل ابنتها، أو البحث عن أقرب حائط أو أرضية مفروشة بالرمل لكي أكتب عليها طرفي المسألة وابدأ في حلها،
الحقيقة أنني لم أكن أجد ردا على تساؤلات جارتي، سوى أنني كنت أجد متعة في حصة الحساب، وكذلك حصة العلوم لاسيما ما يختص بأجهزة جسم الإنسان، والتي بدأناها بدراسة الجهاز التنفسي والهضمي، وكنت أتفنن في رسم الرئتين والأمعاء الدقيقة خصوصاً.
في هذه القضية التي تغلب على الأطفال في بلادنا العربية، يفاجأ المرء عندما يطلع على النتائج التي يحرزها الطلبة العرب في المسابقات والاختبارات الدولية الخاصة بالمواد العلمية لا سيما العلوم والرياضيات، إذ نجد أنهم في ذيل القائمة، ويحتاجون إلى سنوات ضوئية للحاق بمستوى أقرانهم من دول مثل سنغافورة على سبيل المثال. هذا الضعف متأصل عند الطلبة العرب منذ المراحل الدراسية الأساسية الأولى، إذا تجدهم لا يقبلون على هذه المواد ولا يحبونها، والسبب قد يعود إلى طريقة تدريسها العقيمة، الأمر الذي يجعلهم منذ الصغر يتجهون نحو المواد الأدبية والإنسانية ويهملون المواد العلمية، فتجد أن عددهم حين يصلون إلى المرحلة الثانوية قد وصل إلى أدنى المستويات، بحيث تصل نسبتهم ثلث عدد طلبة الفرع الأدبي أو العلوم الإنسانية.
هذا التناقص الخطير في عدد الطلبة الملتحقين بالفروع العلمية، وكذلك عدد الطلبة الملتحقين بالتعليم المهني والتقني، يشير إلى السياسات الخاطئة في قطاعي التعليم والتعليم العالي في الدول العربية ككل، والذي حتماً سيقود إلى مخرجات سلبية لا تتيح المجال أمامها لتحقيق أية تنمية منشودة.
وهنا يكمن دور المعلم/ة، فإذا كان المعلم متمكنا من تخصصه، فإن ذلك يسهّل عليه المهمة، لأن الفاهم يفهّم، يبقى أن يحسن الاتصال مع الطلبة والتعامل معهم. وفي كل ذلك فهو إن سعى إلى تعليم الأطفال بهدوء وحب مثيرا تفكيرهم للفهم أولا والتساؤل ثانيا، وألا ينتقل إلى مفهوم جديد إلا بعد الاطمئنان إلى هضمهم للمفهوم السابق، نكون قد وضعنا إصبعنا على أهم أسس إصلاح التربية والتعليم، والتي تنظر للمعلم كمعلم مسؤول، وأساسي، دون أن يتعارض ذلك مع كون الطالب محورا للعملية التعليمية.
ينطبق ذلك على العلوم والرياضيات والقواعد واللغات، وكافة المباحث، ولكن بشكل خاص تلك المواد التي ترتبط المفاهيم من درس إلى آخر ومن صف إلى صف جديد وهكذا، لأنه إن حدثت فجوة فلن يكون من السهل تجاوزها وسيظل الطلبة يشعرون بالاغتراب الأكاديمي والنفسي حين يتلقون مادة جديدة لها علاقة بمادة سابقة لم يتم هضمها.