"قضوا على حلمي في دخول الجامعة"، بهذه الكلمات عبرت عائشة الفتاة السورية ذات الخمسة عشر ربيعاً عن حرمانها من تحقيق حلمها، جراء تطبيق قرار وزارة التربية التركية القاضي بدمج الطلاب السوريين الذين تجاوزوا الصف الأول والرابع والثامن في المدارس التركية العام الدراسي الفائت، ليتم في العام الحالي إغلاق المدارس السورية المؤقتة ودمج كافة الطلاب السوريين في المدارس التركية. قرار وإن كان يصب في مصلحة الطالب السوري في العديد من جوانبه، إلا أنه ألقى بظلاله على العائلات السورية التي عانت من أعباء اقتصادية وصعوبات جمة في محاولاتها لدمج أطفالها في البيئة التعليمية التركية بشكل صحيح.
مشاكل التسجيل
يحدثنا أبو أحمد وهو مهندس معماري ووالد لطفلين عن القرار الجديد، يقول للعربي الجديد:" بعد تطبيق القرار، صار لزاماً علينا تسجيل أطفالنا في المدارس التركية، قمت بتحضير الأوراق المطلوبة وقصدت مدرسة تركية قريبة من منزلي لتسجيل أطفالي، فامتنع المدير عن تسجيلهم لأنهم سوريون، وعلى الرغم من أن القرار يوجب على المدارس التركية استقبال الطلاب السوريين إلا أن العديد من المدارس التركية امتنعت عن تطبيقه، تخوفاً من مشاكل عدم التعايش والانسجام بين الأطفال السوريين والأتراك، ومنهم من امتنع عن تسجيل الطلاب متعذراً بعدم كفاية المقاعد الدراسية وبتأخر التسجيل وغيرها من الأعذار المختلفة".
واحدة من أكبر المشاكل التي واجهت الطلاب السوريين ممن تجاوزوا الصف الثامن أثناء انتقالهم إلى المدارس التركية، هي نقلهم مباشرةً إلى المدارس المهنية، والسبب في ذلك يعود لأن الصف الثامن يعتبر نهاية المرحلة الإعدادية في المدارس التركية، ينتهي العام الدراسي فيه بتقديم فحص شامل يدعى teog وعلى أساس درجات الطالب في هذا الفحص يتم قبوله في المدارس العامة أو المهنية التركية، وعلى اعتبار أن الطالب السوري أثناء دراسته في المدارس السورية، لم يتقدم لهذا الفحص فيتم نقله مباشرة إلى المدارس المهنية.
وعن ذلك، تحدثنا عائشة مقداد التي لم يمنحها القرار الوقت الكافي لتفرح بتفوقها في الصف التاسع وحصولها على الدرجة الأولى على مدرستها، لتصدم برفضها من المدارس العامة التركية وقبولها في مدرسة مهنية نظراً لقدومها من مدرسة سورية، حيث تقول بصوت حزين ممزوج بالغضب:" كيف يمكن أن يتلاعبوا بمصيرنا، قرار واحد من وزارة التربية والتعليم التركية حرمني من رغبتي في إكمال تعليمي في المدارس العامة لأتمكن من دخول كلية الطب، وألحقني على الرغم من تفوقي في مدرسة مهنية سيئة السمعة، المتفوقون فيها بالكاد يتم قبولهم في الكليات الهندسية من قبل الجامعات التركية."
تتقاسم مرح حمدان مع عائشة معاناتها في إجبارها على اتباع مسار تعليمي مخالف لرغباتها، فمرح أجبرت على الالتحاق بمدارس الإمام خطيب الشرعية في مدينة غازي عنتاب التركية، نظراً لكون المدارس التركية الثانوية مدارس مختلطة للذكور والإناث، حيث تقول: "رفض والدي فكرة المدارس المختلطة، وكاد يحرمني من إكمال تعليمي، لولا إصراري على الالتحاق بمدارس الإمام خطيب الشرعية، وعلى الرغم من بعد المدرسة عن منزلي وصعوبة الدراسة فيها نتيجة الكم الكبير من المواد الإضافية والأدبية التي تدرسها، إلا أنني أفضل أن ألتحق بمدرسة شرعية على أن أحرم من الدراسة نهائياً".
مشاكل بعد المدارس
وتواجه مشكلة بعد المدارس وصعوبة المواصلات كذلك الطلاب السوريين أثناء قبولهم في المدارس التركية، فنظام التسجيل في المدارس يسمح للطالب باختيار ثلاث مدارس، ليتم ترشيح اسمه للقبول في واحدة منها دون مراعاة قرب مسافة سكن الطالب. ريهام العبدو طالبة في الصف التاسع، تقدمت بطلب للالتحاق بمدارس الإمام خطيب القريبة من منزلها لصعوبة توفير ثمن المواصلات لها شهرياً، لتفاجأ برفض طلب قبولها في المدارس القريبة وإرسال أوراق تسجيلها لمدرسة في منطقة نائية على أطراف مدينة غازي عنتاب التركية، ونظراً لصعوبة تأمين المواصلات وبعد المدرسة امتنع والدها عن إتمام إجراءات تسجيلها وحرمت ريهام من حقها في التعلم".
ومن جهته يؤكد محمد سليمان وهو أب لثلاثة أطفال أن الأعباء الاقتصادية التي تترتب على إلحاق أطفاله في المدارس التركية لا تتوقف على تأمين أقساط المدرسة والمواصلات وتأمين الأدوات المدرسية والملابس فقط، بل تتعداها لتأمين تكاليف دروس خصوصية للأطفال لتعليمهم اللغة التركية ومتابعتهم دراسياً، قائلاً:" تكلفة الدرس الخصوصي الواحد 40 ليرة تركية وسطياً، لطالما تابعت دراسة أطفالي بنفسي، ولكن جهلي باللغة التركية، حتم علي إلحاق أطفالي بدروس خصوصية لمساعدتهم على تخطي مصاعب الدراسة في المدارس التركية".
وعلى الرغم من مساعي الحكومة التركية لتخفيف أعباء تعلم اللغة التركية على أهالي الطلاب من خلال تكثيف دروس اللغة التركية في المدارس السورية في السنوات السابقة وإخضاع الطلاب لدورات صيفية للتقوية باللغة التركية، إلا أن حاجز اللغة ظل العائق الأكبر في وجه اندماج الطالب السوري في البيئة التعليمية الجديدة وخصوصاّ أن البرنامج الدراسي الخاص بالطلبة الأتراك تم فرضه بحذافيره على الطلاب السوريين. فادي محمود طالب في الصف السابع الإعدادي يؤكد لنا أنه على الرغم من معرفته الجيدة للغة التركية وتفوقه الدراسي، إلا أنه وجد صعوبة في فهم المواد الدراسية ضمن المقرر التركي، فالطالب السوري يعامل معاملة الطالب التركي يتوجب عليه إتمام الواجبات المدرسية وإجراء الامتحانات الكتابية والشفهية بنفس سرعة الطالب التركي، ما يوجب على السوريين بذل جهود شخصية كبيرة لفهم المواد باللغة التركية والنجاح بالمواد الدراسية.
مشاكل الانسجام
ومن جهتها، ترى ريم وهي طالبة في الصف العاشر الثانوي أن مشاكل الانسجام والتوافق بين الطلاب الأتراك والسوريين هي المشكلة الأكثر شيوعاً وإزعاجاً، فلا يكاد طالب سوري جديد يدخل إلى مدرسة تركية إلا ويتعرض للتنمر والاستهزاء من قبل الطلاب الأتراك، وفي أغلب الأحيان فإن الطالب السوري هو المذنب في نظر المدرسين وإدارة المدرسة، وقد يكون السبب في ذلك هو مشكلة إتقان اللغة، فالكثير ممن يقع عليهم الذنب من الطلبة السوريين لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم وإظهار وجهة نظرهم نظراً لضعف لغتهم، ما يجعلهم مذنبين في نظر الآخرين.