"إن أي عمل أكاديمي أو أي قراءة أو أي مشاركة في مؤتمرات أو مشاهدة أفلام وثائقية أو سماع قصص وروايات، لم تكن لتسمح لي بإدراك الواقع هنا، ولا يمكن تخيل ذلك إن لم تشاهده بنفسك، وحتى بعد ذلك تفكر طوال الوقت بما إذا كانت تجربتك تعبر عن واقع حقيقي"، الناشطة الأميركية المتضامنة مع فلسطين راشيل كوري.
قد لا يعرف العالم عن تفاصيل هدم منزلين في أقصى جنوب قطاع غزة برفح في مارس/آذار من عام 2003، لكن استشهاد المتضامنة الأميركية راشيل كوري هناك جعل من الأمر الحدث الأهم والأبرز والأكثر حضورا، وبدأ العالم يتساءل ماذا تفعل راشيل هناك لماذا قتلت ومن قتلها وكيف قتلت؟
كل هذه التساؤلات والاهتمامات والحضور بفضل وجود راشيل وتضامنها، ترى ماذا لو لم تكن راشيل حاضرة، ماذا لو لم يكن هناك متضامنون في غزة شاهدوا وحضروا ووثقوا الحروب الإسرائيلية على غزة، ماذا لو لم تصل قوافل التضامن والمساعدة لكسر الحصار عن غزة، من سيكسر العزلة عن غزة، في معاناتها وتضحياتها ويفضح إسرائيل وممارساتها.
منذ سبعة عقود لم تتوقف الجرائم الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني وعلى الرغم من ذلك بقيت القضية الفلسطينية مغيبة عن العالم، تبدلت الصورة وحضرت القضية عندما نجح الفلسطينيون في استقطاب المتضامنين والأحرار والمتعاطفين والمؤمنين بعدالة قضيتهم وشرعية مطالبهم، جاؤوا من كل بقاع الأرض لقناعة وإيمان مسبق أو لمعرفة حقيقة ما يحدث أو لنقل صورة ما يحدث، وباتت المعادلة أنه كلما تغولت إسرائيل أكثر تزايد المتضامنون مع القضية الفلسطينية ووقفوا بجانب الشعب في كفاحه ونضاله العادل.
لم يتوقف الأمر عند حدود إبداء المواقف أو التضامن أو تسجيل الحضور فقط، بل نجح هؤلاء المتضامنون في تحريك القضية الفلسطينية وفضح ممارسات الاحتلال وإظهار الوجه القبيح لإسرائيل، وإبراز معاناة الشعب الفلسطيني، وإثارة الرأي العام العالمي ونشر رسالة الكفاح الفلسطيني على مستوى أوسع وبصورة أعمق وأوضح.
جاء المتضامنون مع الشعب الفلسطيني ليعرفوا الحقيقة ويوصلوها ويوثقونها، يحملون كاميراتهم، لا تمنعهم الحواجز ولا الأرض ولا التاريخ ولا اللغة ولا العرق ولا الدين من الوصول ومن التضامن، بل إن بعضهم بل كثير منهم دفع حياته ثمناً للتضامن مع الشعب الفلسطيني ونصرته، لم تكن راشيل كوري وحدها التي قتلت على أرض فلسطين، فالقائمة تطول، وسأكتفي بذكر عينة فقط مثل توم هارندل الناشط البريطاني الذي قُتل بيد الجيش الإسرائيلي بتاريخ 13 يناير/كانون الثاني 2004 في رفح، وهناك ضحايا سفينة مرمرة التي قُتل على متنها 9 متضامنين أتراك، وهناك جيمس هينري دومينيك ميللر وهو منتج ومخرج ومصور صحافي يعمل في هيئة الإذاعة البريطانية قُتل في عام 2003 أثناء تصويره فيلماً وثائقياً بعنوان "الموت في غزة" من رصاص انطلق من مدرعة إسرائيلية في اليوم الأخير من وجوده بغزة، وكان يرفع راية بيضاء أثناء إصابته.
وهناك مادس جيلبرت طبيب التخدير النرويجي الذي شارك في عمليات الإغاثة أثناء عملية الرصاص المصبوب عام 2009، وكانت له رسالة تضامنية حققت صدى عالمي واسعًا أرسلها من غزة آنذاك، وطلب تمريرها إلى العالم كله، كان نصها: "من د. مادس جيلبرت في غزة: شكرًا لدعمكم. لقد قصفوا سوق الخضار المركزي في مدينة غزة منذ ساعتين. 80 جريحًا و20 قتيلاً. كلهم جاؤوا إلى هنا، إلى مستشفى الشفاء. يا إلهي! إننا نسبح بين الموت والدم ومبتوري الأطراف. الكثير من الأطفال. امرأة حامل. لم أرَ أبدا شيئًا رهيبًا كهذا. الآن نسمع الدبابات. انقل القصة، مررها، اصرخ! أي شيء، افعل شيئًا! افعل أكثر! إننا نعيش في كتب التاريخ الآن، كلنا!".
إننا نعيش في كتب التاريخ بالفعل بفضل هؤلاء وبفضل حضورهم وشجاعتهم وتضحياتهم وتعدد لغاتهم وثقافتهم ودولهم ومثابرتهم وحضورهم ودولهم، لقد كان لهم دور بارز في أن تُصبح القضية الفلسطينية القضية الأولى سياسيا وإنسانيا ويسمع العالم بمظلومية الشعب الفلسطيني، لقد قدم هؤلاء المتضامنون خدمات حقيقية لدعم صمود الشعب الفلسطيني والوقوف معه وبجانبه بل وحمايته إذا اقتضى الأمر ذلك. كانوا لسان الشعب الفلسطيني وصوته وأوصلوا معاناته للعالم بعدما تفردت به إسرائيل.
ساهم المتضامنون مع غزة في تحريك العالم حتى باتت كل العواصم العالمية تتظاهر وتتضامن مع شعب فلسطين؛ وساهموا أيضا في توعية الرأي العام العالمي واطلاعه على جرائم إسرائيل وممارساتها وحصارها وحروبها على قطاع غزة، حتى أفضى الأمر لإجراءات عملية بحق إسرائيل، كمقاطعة منتجاتها وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها، وتقديم قادتها كمجرمي حرب محظور عليهم الإقامة أو زيارة عدة عواصم عالمية.
لم يكن التضامن العالمي والنضال الإنساني مع فلسطين مجرد ردة فعل عابرة على مشاهد القتل والتدمير التي تقوم بها إسرائيل لكنها ظاهرة ارتبطت بحضور القضية الفلسطينية وبعملية تراكمية نجح المتضامنون الأجانب في رسمها وترسيخها حتى أصبح التضامن مع فلسطين القضية والشعب حالة عالمية ودولية تجوب أركان الأرض وتفضح إسرائيل وتحاصرها وتواجهها وربما تمنعها أيضا من ارتكاب مزيد من الجرائم.
إن التضامن مع فلسطين لم يكن موسمياً ولم يكن وليد اللحظة، فمنذ عام 1948 حضر المتضامنون من المغرب ومن البوسنة ومن مناطق مختلفة، وعندما حوصر الرئيس ياسر عرفات في المقاطعة في رام الله هبّ المتضامنون إليه وبقوا معه وقدموا أجسادهم لحمايته.
لقد بات العالم بفضل هؤلاء المتضامنين أكثر عمقا واقتراباً وفهماً للقضية الفلسطينية.
لقد أظهر المتضامنون البعد الإنساني للقضية الفلسطينية. ومن خلال التركيز على هذا البعد نجحت القضية الفلسطينية في أن تكون قضية النضال الإنساني للكثير من أحرار العالم الباحثين عن الاشتباك مع الظلم من أجل القضايا العادلة، وستصبح بفضل هؤلاء إسرائيل منبوذة وتتنامى مقاطعتها بشكل كبير، وسيفضح هؤلاء إسرائيل في البر وفي البحر، ولكن علينا أيضا كفلسطينيين استثمار هذا التضامن وتوظفيه وبناء شبكة تواصل حقيقية مع هؤلاء المتضامنين الذين استطاعوا بناء حملة دولية لمقاطعة إسرائيل هي الأخطر والأكثر فعالية وإقلاقاً لإسرائيل. ما يعني أن التضامن مع فلسطين وجهد هؤلاء لم يكن من دون جدوى ولم يكن ردة فعل ولم يكن فردياً، وكان له الكثير من التأثير، لكن يلزم مراكمته والعمل على تطويره وزيادة عدد المتضامنين واحتضانهم فلسطينياً بشكل رسمي وفصائلي من أجل نتائج أفضل.
(كاتب فلسطيني/غزة)
قد لا يعرف العالم عن تفاصيل هدم منزلين في أقصى جنوب قطاع غزة برفح في مارس/آذار من عام 2003، لكن استشهاد المتضامنة الأميركية راشيل كوري هناك جعل من الأمر الحدث الأهم والأبرز والأكثر حضورا، وبدأ العالم يتساءل ماذا تفعل راشيل هناك لماذا قتلت ومن قتلها وكيف قتلت؟
كل هذه التساؤلات والاهتمامات والحضور بفضل وجود راشيل وتضامنها، ترى ماذا لو لم تكن راشيل حاضرة، ماذا لو لم يكن هناك متضامنون في غزة شاهدوا وحضروا ووثقوا الحروب الإسرائيلية على غزة، ماذا لو لم تصل قوافل التضامن والمساعدة لكسر الحصار عن غزة، من سيكسر العزلة عن غزة، في معاناتها وتضحياتها ويفضح إسرائيل وممارساتها.
منذ سبعة عقود لم تتوقف الجرائم الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني وعلى الرغم من ذلك بقيت القضية الفلسطينية مغيبة عن العالم، تبدلت الصورة وحضرت القضية عندما نجح الفلسطينيون في استقطاب المتضامنين والأحرار والمتعاطفين والمؤمنين بعدالة قضيتهم وشرعية مطالبهم، جاؤوا من كل بقاع الأرض لقناعة وإيمان مسبق أو لمعرفة حقيقة ما يحدث أو لنقل صورة ما يحدث، وباتت المعادلة أنه كلما تغولت إسرائيل أكثر تزايد المتضامنون مع القضية الفلسطينية ووقفوا بجانب الشعب في كفاحه ونضاله العادل.
لم يتوقف الأمر عند حدود إبداء المواقف أو التضامن أو تسجيل الحضور فقط، بل نجح هؤلاء المتضامنون في تحريك القضية الفلسطينية وفضح ممارسات الاحتلال وإظهار الوجه القبيح لإسرائيل، وإبراز معاناة الشعب الفلسطيني، وإثارة الرأي العام العالمي ونشر رسالة الكفاح الفلسطيني على مستوى أوسع وبصورة أعمق وأوضح.
جاء المتضامنون مع الشعب الفلسطيني ليعرفوا الحقيقة ويوصلوها ويوثقونها، يحملون كاميراتهم، لا تمنعهم الحواجز ولا الأرض ولا التاريخ ولا اللغة ولا العرق ولا الدين من الوصول ومن التضامن، بل إن بعضهم بل كثير منهم دفع حياته ثمناً للتضامن مع الشعب الفلسطيني ونصرته، لم تكن راشيل كوري وحدها التي قتلت على أرض فلسطين، فالقائمة تطول، وسأكتفي بذكر عينة فقط مثل توم هارندل الناشط البريطاني الذي قُتل بيد الجيش الإسرائيلي بتاريخ 13 يناير/كانون الثاني 2004 في رفح، وهناك ضحايا سفينة مرمرة التي قُتل على متنها 9 متضامنين أتراك، وهناك جيمس هينري دومينيك ميللر وهو منتج ومخرج ومصور صحافي يعمل في هيئة الإذاعة البريطانية قُتل في عام 2003 أثناء تصويره فيلماً وثائقياً بعنوان "الموت في غزة" من رصاص انطلق من مدرعة إسرائيلية في اليوم الأخير من وجوده بغزة، وكان يرفع راية بيضاء أثناء إصابته.
وهناك مادس جيلبرت طبيب التخدير النرويجي الذي شارك في عمليات الإغاثة أثناء عملية الرصاص المصبوب عام 2009، وكانت له رسالة تضامنية حققت صدى عالمي واسعًا أرسلها من غزة آنذاك، وطلب تمريرها إلى العالم كله، كان نصها: "من د. مادس جيلبرت في غزة: شكرًا لدعمكم. لقد قصفوا سوق الخضار المركزي في مدينة غزة منذ ساعتين. 80 جريحًا و20 قتيلاً. كلهم جاؤوا إلى هنا، إلى مستشفى الشفاء. يا إلهي! إننا نسبح بين الموت والدم ومبتوري الأطراف. الكثير من الأطفال. امرأة حامل. لم أرَ أبدا شيئًا رهيبًا كهذا. الآن نسمع الدبابات. انقل القصة، مررها، اصرخ! أي شيء، افعل شيئًا! افعل أكثر! إننا نعيش في كتب التاريخ الآن، كلنا!".
إننا نعيش في كتب التاريخ بالفعل بفضل هؤلاء وبفضل حضورهم وشجاعتهم وتضحياتهم وتعدد لغاتهم وثقافتهم ودولهم ومثابرتهم وحضورهم ودولهم، لقد كان لهم دور بارز في أن تُصبح القضية الفلسطينية القضية الأولى سياسيا وإنسانيا ويسمع العالم بمظلومية الشعب الفلسطيني، لقد قدم هؤلاء المتضامنون خدمات حقيقية لدعم صمود الشعب الفلسطيني والوقوف معه وبجانبه بل وحمايته إذا اقتضى الأمر ذلك. كانوا لسان الشعب الفلسطيني وصوته وأوصلوا معاناته للعالم بعدما تفردت به إسرائيل.
ساهم المتضامنون مع غزة في تحريك العالم حتى باتت كل العواصم العالمية تتظاهر وتتضامن مع شعب فلسطين؛ وساهموا أيضا في توعية الرأي العام العالمي واطلاعه على جرائم إسرائيل وممارساتها وحصارها وحروبها على قطاع غزة، حتى أفضى الأمر لإجراءات عملية بحق إسرائيل، كمقاطعة منتجاتها وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها، وتقديم قادتها كمجرمي حرب محظور عليهم الإقامة أو زيارة عدة عواصم عالمية.
لم يكن التضامن العالمي والنضال الإنساني مع فلسطين مجرد ردة فعل عابرة على مشاهد القتل والتدمير التي تقوم بها إسرائيل لكنها ظاهرة ارتبطت بحضور القضية الفلسطينية وبعملية تراكمية نجح المتضامنون الأجانب في رسمها وترسيخها حتى أصبح التضامن مع فلسطين القضية والشعب حالة عالمية ودولية تجوب أركان الأرض وتفضح إسرائيل وتحاصرها وتواجهها وربما تمنعها أيضا من ارتكاب مزيد من الجرائم.
إن التضامن مع فلسطين لم يكن موسمياً ولم يكن وليد اللحظة، فمنذ عام 1948 حضر المتضامنون من المغرب ومن البوسنة ومن مناطق مختلفة، وعندما حوصر الرئيس ياسر عرفات في المقاطعة في رام الله هبّ المتضامنون إليه وبقوا معه وقدموا أجسادهم لحمايته.
لقد بات العالم بفضل هؤلاء المتضامنين أكثر عمقا واقتراباً وفهماً للقضية الفلسطينية.
لقد أظهر المتضامنون البعد الإنساني للقضية الفلسطينية. ومن خلال التركيز على هذا البعد نجحت القضية الفلسطينية في أن تكون قضية النضال الإنساني للكثير من أحرار العالم الباحثين عن الاشتباك مع الظلم من أجل القضايا العادلة، وستصبح بفضل هؤلاء إسرائيل منبوذة وتتنامى مقاطعتها بشكل كبير، وسيفضح هؤلاء إسرائيل في البر وفي البحر، ولكن علينا أيضا كفلسطينيين استثمار هذا التضامن وتوظفيه وبناء شبكة تواصل حقيقية مع هؤلاء المتضامنين الذين استطاعوا بناء حملة دولية لمقاطعة إسرائيل هي الأخطر والأكثر فعالية وإقلاقاً لإسرائيل. ما يعني أن التضامن مع فلسطين وجهد هؤلاء لم يكن من دون جدوى ولم يكن ردة فعل ولم يكن فردياً، وكان له الكثير من التأثير، لكن يلزم مراكمته والعمل على تطويره وزيادة عدد المتضامنين واحتضانهم فلسطينياً بشكل رسمي وفصائلي من أجل نتائج أفضل.
(كاتب فلسطيني/غزة)