حقق بروسيا دورتموند مفاجأة الأسبوع في ألمانيا بعد تخطيه عقبة بايرن في نصف نهائي الكأس، ووصوله إلى المباراة الأخيرة لملاقاة آينتراخت فرانكفورت، بعد قمة ماراثونية على ملعب الأليانز أرينا، ليعود فريق توخيل من بعيد ويسجل هدفين قاتلين في دقائق الحسم، مع بقاء الوضع السيئ على ما هو عليه في ميونخ، لا دوري أبطال ولا كأس في أول مواسم أنشيلوتي مع العملاق البافاري.
لا يزال بايرن بعيداً كل البعد عن أدائه الاستثنائي، وواصل الفريق دفع ثمن الخروج المرير أمام ريال مدريد في ربع نهائي الشامبيونزليغ، ليتعادل في الدوري ضد ماينز ثم يخسر في الكأس على ملعبه وبين جماهيره لصالح دورتموند. وبعيدا عن النتائج السيئة في مجمل الموسم، قدم أنشيلوتي نسخة عادية بل رديئة في معظم الفترات، لتظهر بوضوح خلال أهم مباراة محلية له ضد توخيل، ويفقد ألونسو ولام فرصة لعب النهائي في برلين.
تأثير هوملز
ارتكب خافي مارتينيز خطأ كارثياً في البدايات عندما مرر الكرة لغيريرو أمام مرمى فريقه، ليتابع رويس الكرة ويسجل هدف التقدم للضيوف، قبل أن يعود اللاعب الإسباني بتصحيح هفوته وتسجيل هدف التعادل سريعا. واستمر خافي في تقديم مستوى باهت خلال الفترة الأخيرة، خصوصا بعد طرده المستحق في مباراة الذهاب ضد الريال في الأليانز أرينا، وعدم قيامه بدور القائد في الخلف، ليترك هذه المهمة بالكامل لزميله مات هوملز، اللاعب الأفضل على الإطلاق في دفاعات بايرن.
يعتبرهوملز مدافعا شاملا، لأنه لا يقوم بقطع الكرات وكسر الهجمات فقط، بل يؤدي دور محورياً في البناء من الخلف، بميله إلى يسار الملعب ليفتح المجال أمام تقدم الظهير إلى نصف ملعب الخصم، ومن ثم يصعد بالكرة إما بجرأته المعهودة أو بتمريرة قُطرية عابرة للخطوط، لذلك أثر هذا اللاعب بالسلب على دورتموند بعد رحيله، وأضاف الكثير إلى بايرن على مستوى الدفاع والهجوم في قالب واحد، بالإضافة لقدرته على تسجيل الأهداف بالرأس والقدمين كما حدث في لقطة الهدف الثاني لبايرن.
سيطر البافاري على المباراة طولا وعرضا حتى تغيير أنشيلوتي الغريب بإخراج نجم الدفاع، ليدخل بواتينغ عوضا عنه، ويجد لاعبو دورتموند الفرصة لاختراق الدفاع بسهولة عن طريق التحولات السريعة، فالثنائي ديمبلي وأوباميانغ أسرع بمراحل من خافي وجيروم، مما ساعد توخيل على العودة القوية في آخر نصف ساعة، ليسجل مهاجموه أهم هدفين هذا الموسم، ويخرج بايرن بغرابة شديدة من المسابقة العريقة.
مشاكل الدفاع
من الصعب حصر مشاكل بايرن الدفاعية في غياب أو حضور ماتس هوملز رغم دوره الواضح، لأن كلا من لام وألابا أيضا لم يوفرا الحماية الكاملة للفريق في مناطق أسفل الأطراف. للسن أحكام بكل تأكيد، والقائد فيليب لم يعد مثل السابق على مستوى الركض والسرعة واللياقة، بينما تبقى حالة زميله ألابا هي الأغرب على الإطلاق، لأن النمساوي كان النجم الأفضل في تشكيلة بيب غوارديولا، لكنه صار سيئا بشدة مع أنشيلوتي، سواء في المباريات المحلية أو جولات دوري الأبطال.
يهتم دافيد كثيرا بالفراغات، لذلك لعب كقلب دفاع ثالث وظهير وهمي وجناح هجومي في آن واحد، لكن خلال رسم 4-3-3 لأنشيلوتي، فإن ألابا تمركز كظهير أيسر صريح فقط، ليكون لعبه محفوظا على الخط الجانبي من الملعب، ومع انخفاض مستواه على الصعيد الشخصي، أصبحت جبهته نقطة ضعف ظاهرة سواء في الدفاع أو الهجوم.
نقطة تكتيكية أخرى تتعلق بحالة ألابا، فبايرن يلعب بثنائي أجنحة فوق الثلاثين، وبالعودة إلى فرانك ريبري الذي يلعب دائما أمام زميله الظهير، فإن الفرنسي يعاني من انخفاض في اللياقة البدنية، مع صعوبة في توزيع مجهوده طوال التسعين دقيقة، مما يجعله ضعيفا في العودة للمساندة الدفاعية، لتزيد المسافة بين الثنائي على الخط، وتأتي الفرصة على طبق من ذهب لأي جناح سريع ومهاري في الفريق المقابل، كما صال وجال عثمان ديمبلي في الدقائق الأخيرة، لأنه وجد الفراغ الكامل لتألقه واستغلال مهاراته بالقرب من مرمى بايرن.
ارتكاز ثقيل
تدين كرة القدم بالكثير لتشابي ألونسو وأمثاله، لكن الإسباني القدير يعيش فترات صعبة في أواخر أيامه الكروية، فلاعب الارتكاز يعاني من بطء واضح على مستوى بناء الهجمة، ويجد صعوبة بالغة في افتكاك الكرات من المهاجمين، مع صعوبة خروجه بالكرة تحت الضغط تجاه نصف الملعب الآخر، ليواجه بايرن ميونخ أزمة حادة في مختلف المباريات الكبيرة، نتيجة السرعة الطاغية التي تفوق قدرات ألونسو الحالية. ونتيجة عدم توفير البديل المناسب وصعوبة تكيف ريناتو سانشيز، أصبحت منطقة الارتكاز صداعا مزمنا في تكتيك أنشيلوتي.
في مباراة دورتموند وبايرن كمثال، عاد أوباميانغ كثيرا للخلف كما فعل بنزيما في الشامبيونز، ليضغط باستمرار على ألونسو في نصف ملعبه، ويحرمه من ميزة لعب الكرات الطولية التي يفضلها. أجبرت هذه الحركة فيدال على التحرك المستمر إلى الخلف لمساندة زميله، ليلعب بايرن في معظم الأوقات بثنائي محوري وليس بلاعب واحد كما جرت العادة، ليفقد لاعبوه زوايا تمرير جديدة، ويسهل ضربه في المرتدات بمجرد قطع الكرة، لأن الخصم يصل إلى المرمى بأقل عدد ممكن من التمريرات، لسوء التمركز في الحالة الهجومية.
يلاحظ المتابع الجيد لمباريات بايرن القرب الشديد بين فيدال وألونسو داخل الملعب، بسبب عودة اللاتيني المستمرة للدفاع ليقوم بالتغطية خلف الظهيرين، ومساعدة زميله الإسباني في صد هجمات المنافسين، ليبقى تياغو ألكانترا وحيدا في وبين الخطوط. إنها طريقة لعب أقرب إلى 4-2-3-1 من 4-3-3، ليلعب تياغو في المركز 10 كصانع لعب حقيقي، رغم أنه لاعب وسط مساند من الأساس.
الموسم القادم
انخفض مستوى كل من دوغلاس كوستا، كومان، موللر، كيميتش هذا الموسم، ولم يحصل ريناتو سانشيز على الفرصة الكاملة، ليقع البايرن تحت طائلة كبر سن الفريق ككل، ويدفع الثمن غاليا في أوقات الحسم من الموسم، لذلك يأتي الميركاتو الصيفي المنتظر كحل سحري لمشاكل الفريق، ومخاولة إعادة الوجهة نحو حصد كل البطولات من جديد، بالتعاقد مع بعض الأسماء وتسويق النجوم الذين لا يثق فيهم المدير الفني ويرغب في بيعهم إلى فرق أخرى.
يحتاج البافاري بكل تأكيد إلى ظهير أيمن بعد اعتزال فيليب لام، مع إعطاء الفرصة لكميتش بشكل أكبر سواء في الوسط أو على الأطراف، مع تقوية منطقة الهجوم بلاعب قادر على شغل مركزي صانع اللعب والمهاجم المتأخر، نسخة أقرب إلى ديبالا وغريزمان وهذه الأمثلة، اللاعب التسعة ونصف الذي يتمركز أمام الوسط وخلف المهاجم مباشرة، ليدخل منطقة الجزاء ويسجل الأهداف بالتبادل مع المهاجم الرئيسي.
وفي حالة الوصول إلى لاعب بهذه المقومات، يمكن لتياغو ألكانترا العودة إلى الخلف قليلا والقيام بدور لاعب الوسط المساند بجوار فيدال أو ريناتو سانشيز، لتكون الشراكة مثالية في هذه الخانة، لاعب قوي في التمرير والتدوير وآخر بارع في الركض والقطع بالتحولات. ويجب أن يفكر أنشيلوتي أيضا في لاعب جديد على الطرف، جناح ذكي وقوي في الاختراق، خصوصا مع التهكنات برحيل دوغلاس كوستا، وكبر سن روبين وريبري، مما يعني ثورة قادمة في ألمانيا، ثلاثة نجوم جدد ومجموعة من الراحلين، على أمل تحقيق الثلاثية في العام المقبل.