"بعد أن قضيت ثلاثة أشهر في كلية الهندسة بإحدى الجامعات المصرية سافرت إلى أستراليا لاستكمال دراستي، ولأنه أصبح من الصعب جدا أن أتوقف عن المقارنة بين الحالة المصرية التى عشتها والحالة الأسترالية الجديدة، سأشرككم معي في ما شعرت به، علي أوفق في إيصال أسبابي الخاصة لتفضيل الدراسة في الخارج".
هكذا بدأ أحمد هشام، طالب كلية الهندسة بجامعة اديلات بأستراليا حديثه لـ "العربي الجديد"، موضحاً من خلال المقارنة أوجه الاختلاف والاتفاق بين الدراسة الجامعية في بلدين أحدهما عربي والآخر أجنبي.
بين مصر واستراليا
يقول أحمد: "في مصر لم أشعر سوى بكوني إنساناً لا ينبغي أن تحترم إنسانيته".
غير محترم عندما أركب المواصلات اليومية من بيتي إلى جامعتي فيدفعنى هذا ويسبنى ذاك ويتشاجر معي آخر لمجرد أنني أريد ركوب المواصلة العامة والوصول إلى محاضراتي في الوقت المحدد.
غير محترم من قبل أي موظف مسؤول بداية من إجراءات التنسيق حتى الالتحاق بالكلية، من المفترض أن هؤلاء الموظفين يسهلون علينا الإجراءات أو على الأقل يهتمون بإعلامنا بها كاملة، لكنهم كانوا يتفننون في تعذيبنا واختراع المعوقات والعراقيل و"فوت علينا بكرة يا سيد".
غير محترم من المعيدين وأساتذة الجامعات الذين كانوا يتعاملون معنا بمنتهى الاستعلاء والكبر والازدراء وكأننا متسولون نتسول منهم العلم.
عندما حطت طائرتي في أستراليا، أرسلت الجامعة مندوباً لاستقبالي في المطار، أوصلوني إلى محل سكني وعرفوني على القوانين والنظام فيه، ورحبوا بي أيما ترحيب.
عرفوني على المواصلات التي سأركبها للوصول إلى كليتي، وعلى كل الإجراءات التي لا بد أن أتبعها لاستخراج الكارنيه، وكيفية عمل الفيزا في البنك وكيف أستخرج أبونيه الأتوبيس.
كانت كل الإجراءات سهلة وميسرة وخلال أسبوع واحد كنت قد استقررت تماما.
يوجد مشرفون مسؤولون عنا مسؤولية كاملة للإجابة عن أي استفسار لنا، وهناك موظفون لتشغيل الطلبة ممن يحتاجون إلى عمل أو توظيف لاستكمال تعليمهم.
أي طالب مسموح له أن يدخل إلى العميد ويتحدث معه في أي مشكلة تواجهه (استقبلني العميد في إحدى المرات بمنتهى الحب والاحترام وقال لي نحن هنا أهلك وإذا احتجت إلى أي شيء فسنسهله لك وحتى لو مشكلة شخصية أو عاطفية (قالها باسما مرحبا)، ثم قام بحل مشكلتي التي حكيتها له في دقائق معدودة.
مفارقات أخرى
الناس في أستراليا محترمون جداً وأخلاقهم عالية ويريدون أن يساعد بعضهم بعضاً، أما الناس في بلادنا العربية فيتلذذون بتعذيب بعضهم البعض.
نحن ندرس ونذاكر وننجز المهام والمشاريع مع بعضنا البعض في فرق عمل، أما في أوطاننا العربية فقد تعودنا الفرقة والانقسام، حتى أن كل طالب يعيش في قوقعة وحده ويخاف من الآخر أن يسرق معرفته أو أن يتفوق عليه. حتى أن الطلبة يخبئون الملازم والملخصات عن بعضهم البعض، أما هنا فيوجد طلبة من كل أجناس الأرض بداية من اليابانيين إلى الأميركان والأوروبيين، ونتعاون مع بعضنا البعض وجهدنا جهد مشترك.
العملية التعليمية هنا تعتمد على الفهم والتفكير والإبداع وليس الحفظ والصم. فنحن لا نحفظ القوانين الفيزيائية والهندسية التي كانوا يسمعونها لنا في مصر عن ظهر قلب، تعلمنا أن نفكر في كيفية استخدامها في حل المشكلات وإبداع المشروعات.
لا توجد كتب لدينا، كل دراساتنا على الإنترنت من خلال البحث وإنجاز المشاريع التي نصممها والواجبات التي نستخدم فيها عقولنا وتفكيرنا، ولا نحضرها "قصاً ولصقاً" من بوابة الإنترنت.
حدثتني أمي عن أن الأمان يكون في الوطن، ولكني أختلف معها فهنا في أستراليا شعرت بالأمان والكرامة والاحتضان للأسف.
قرار السفر
يسألني الأصدقاء عن تقييم تجربتي بعد نجاحي في عامي الأول وحصولي على تقدير "امتياز"، فأقول لهم إن قرار السفر للدراسة بالخارج يعتمد على عدة أمور، منها:
شخصية الطالب نفسه: هل هو رجل يعتمد عليه يستطيع أن يتحمل مسؤولية نفسه فيؤجل ويضبط رغباته واحتياجاته النفسية والعاطفية والغريزية، أم أنه شخصية مستهترة وضعيفة.
النجاح الدراسي: هل لديه القدرة والرغبة في الاجتهاد والتفوق والتميز وبذل الجهد المضاعف لتحقيق هدفه، أم أن رغبته في السفر نابعة فقط من رغبته في التغيير والذهاب إلى مكان مختلف.
الطموح: هل لدى الطالب طموح معين، هل لديه رغبة في دراسة مجال معين أم أنه يريد السفر لمجرد السفر.
إذا سألني أحدهم لماذا تفضل الدراسة فى الخارج على الدراسة في العالم العربي، أجيب بكل ما سبق إضافة إلى أن مستقبل الحصول على وظيفة بشهادة غربية أفضل بالطبع من الشهادة المحلية. كما أن فرص النجاح والتميز وتبني المواهب مضمونة في البيئة الخارجية، لأن بيئتنا العربية تقتل المواهب والمتميزين.
صدمات متوالية (قصة مي)
تحكي مي مجدي بدورها، عن تجربتها في كلية الـ fine arts جامعة Goldsmith university بلندن، بعدما اضطرتها الظروف إلى مغادرة مصر فجأة مع أسرتها، وكانت قد بدأت الدراسة بالفعل في إحدى الكليات المصرية التي تدرس فيها الفنون وهي كلية التربية الفنية بجامعة حلوان، فتقول:
مثلي مثل جميع الطلاب الذين درسوا المناهج المصرية في المدارس، كنت أعي دائماً أن تلك الأعوام تُعد مَضيعة للوقت إلى حد ما، لكن ما حدث لاحقاً جعلني أدرك أنني لم أعرف حقاً مدى سوء تلك المناهج خاصة إذا تمت مقارنتها بأي مناهج أخرى. البداية كانت عندما انتهيت من مرحلة الدراسة المدرسية وانتقلت إلى الدراسة الجامعية، وكنت محظوظةً بالقدر الكافي بأن أحظي بدراسة المجال الذي لطالما حلمت بدراستهِ: الفنون. تمكنت من دخول كلية التربية الفنية، ثم اضطرتني الظروف إلى السفر مع والدي إلى لندن، وبالرغم من الإجراءات والاختبارات المعقدة للبحث عن جامعة تقبلني وأيضا الحصول على تأشيرة السفر، فقد نجحت أخيرا في الالتحاق بإحدى الكليات.. إلا أن ما حدث بعد ذلك كان صدمة بالنسبة لي.
تواصل مي حكيها فتقول: بدأتُ الدراسة في الجامعة، كان كل شيء مربكاً في البدءِ، وهذا طبيعي نظراً لأني لم أكن هناك منذ البدء، لكن بعض الأشياء ظلت مربكة إلى حد ما لفترة طويلة بعد ذلك، فالجامعة مختلفة تماماً عمّا اعتدناه، فبينما تهتم أغلب المؤسسات التي تقوم بتدريس الفنون بالتقنيات في المقام الأول، أي أن يكون التدريس هدفه تحسين المهارات التقنية في مجالات الفنون كالرسم والنحت وما إلى ذلك، تهتم جامعتي بإجراء المناقشات حول الأفكارالتي تدور حول الأعمال الفنية. قد لا يبدوا هذا غريباً بعد، لكن ألا يتم تكليفنا بمشروعات أو أي عمل على الإطلاق، أن تترك لنا الحرية التامة في اختيار أي نوع من المجالات الفنية نريد أن نعمل بها، وألا يحدد عدد معين من الأعمال على سبيل المثال، فهذا هو الشيء المختلف أو الغريب بعض الشيء في تلك الجامعة، وهو الشيء الرائع بشأن الجامعة أيضاً. على عكس كلية "التربية الفنية" التي درست فيها بعض الوقت قبل السفر، هنا تتاح لنا الفرصة لاستثمار أي اهتمامات خاصة بنا خارج نطاق الفنون في صنع شيء متعلق بالفنون. إذا كنت مهتماً بالعلوم أو بالتاريخ أو بالفلسفة أو بالكتابة أو ما إلى ذلك يمكنك أن تجد وسيلة أن تضع هذا الاهتمام تحت نطاق الاهتمام بالفنون إذا أردت.
أسلوب مختلف
أما عن أكثر الأمور إثارة للاهتمام، فتتمثل في تلك المناقشات التي تعقد حول أي عمل فني، أمر مذهل سماع كل تلك الأفكار التي تدور في المناقشات، بالأخص إن كان العمل يبدو لك لأول وهلة أنه لا مغزى منه، ثم تدرك أنك كنت مخطئاً بعد أن تسمع المناقشات والأفكار التي تدور حوله.
أسلوب التدريس في الجامعة بلا شك مختلف، وذلك الاختلاف للأفضل بالتأكيد. فكما ذكر في أحد الكتب أن الأفكار التي تدور حول الفن أكثر إثارة للاهتمام من الفن وحده، فأنا أفضل أن أعرف كيف أصنع عملاً فنياً يحث مشاهده على أن يبذل مجهوداً في التفكير فيه، على أن أعرف كيف أرسم بشكل أفضل.
الأمر الذي لازال يضحكني هو عندما يبدأ بعض زملائي في الحديث عن دراستهم السابقة في المدارس، أشعر أني أريد أن أوقفهم وأرجوهم أن يرأفوا بي وبحالتي المصرية العربية الضحلة والفقيرة، فعندما علمت أن بعضهم تعلموا كيف يصنعوا pinhole camera وهي نوع من الكاميرات ذات استخدام خاص ويمكن صنعها يدوياً، أصبت بالإحباط لأني لم أسمع بها قط إلا بعد أن تخرجت من المدرسة. هذا مثال من كثير يجعلني أصبح متأكدة كل يوم أن المناهج المصرية كما المناهج العربية لا جدوى منها على الإطلاق.
بين مصر واستراليا
يقول أحمد: "في مصر لم أشعر سوى بكوني إنساناً لا ينبغي أن تحترم إنسانيته".
غير محترم عندما أركب المواصلات اليومية من بيتي إلى جامعتي فيدفعنى هذا ويسبنى ذاك ويتشاجر معي آخر لمجرد أنني أريد ركوب المواصلة العامة والوصول إلى محاضراتي في الوقت المحدد.
غير محترم من قبل أي موظف مسؤول بداية من إجراءات التنسيق حتى الالتحاق بالكلية، من المفترض أن هؤلاء الموظفين يسهلون علينا الإجراءات أو على الأقل يهتمون بإعلامنا بها كاملة، لكنهم كانوا يتفننون في تعذيبنا واختراع المعوقات والعراقيل و"فوت علينا بكرة يا سيد".
غير محترم من المعيدين وأساتذة الجامعات الذين كانوا يتعاملون معنا بمنتهى الاستعلاء والكبر والازدراء وكأننا متسولون نتسول منهم العلم.
عندما حطت طائرتي في أستراليا، أرسلت الجامعة مندوباً لاستقبالي في المطار، أوصلوني إلى محل سكني وعرفوني على القوانين والنظام فيه، ورحبوا بي أيما ترحيب.
عرفوني على المواصلات التي سأركبها للوصول إلى كليتي، وعلى كل الإجراءات التي لا بد أن أتبعها لاستخراج الكارنيه، وكيفية عمل الفيزا في البنك وكيف أستخرج أبونيه الأتوبيس.
كانت كل الإجراءات سهلة وميسرة وخلال أسبوع واحد كنت قد استقررت تماما.
يوجد مشرفون مسؤولون عنا مسؤولية كاملة للإجابة عن أي استفسار لنا، وهناك موظفون لتشغيل الطلبة ممن يحتاجون إلى عمل أو توظيف لاستكمال تعليمهم.
أي طالب مسموح له أن يدخل إلى العميد ويتحدث معه في أي مشكلة تواجهه (استقبلني العميد في إحدى المرات بمنتهى الحب والاحترام وقال لي نحن هنا أهلك وإذا احتجت إلى أي شيء فسنسهله لك وحتى لو مشكلة شخصية أو عاطفية (قالها باسما مرحبا)، ثم قام بحل مشكلتي التي حكيتها له في دقائق معدودة.
مفارقات أخرى
الناس في أستراليا محترمون جداً وأخلاقهم عالية ويريدون أن يساعد بعضهم بعضاً، أما الناس في بلادنا العربية فيتلذذون بتعذيب بعضهم البعض.
نحن ندرس ونذاكر وننجز المهام والمشاريع مع بعضنا البعض في فرق عمل، أما في أوطاننا العربية فقد تعودنا الفرقة والانقسام، حتى أن كل طالب يعيش في قوقعة وحده ويخاف من الآخر أن يسرق معرفته أو أن يتفوق عليه. حتى أن الطلبة يخبئون الملازم والملخصات عن بعضهم البعض، أما هنا فيوجد طلبة من كل أجناس الأرض بداية من اليابانيين إلى الأميركان والأوروبيين، ونتعاون مع بعضنا البعض وجهدنا جهد مشترك.
العملية التعليمية هنا تعتمد على الفهم والتفكير والإبداع وليس الحفظ والصم. فنحن لا نحفظ القوانين الفيزيائية والهندسية التي كانوا يسمعونها لنا في مصر عن ظهر قلب، تعلمنا أن نفكر في كيفية استخدامها في حل المشكلات وإبداع المشروعات.
لا توجد كتب لدينا، كل دراساتنا على الإنترنت من خلال البحث وإنجاز المشاريع التي نصممها والواجبات التي نستخدم فيها عقولنا وتفكيرنا، ولا نحضرها "قصاً ولصقاً" من بوابة الإنترنت.
حدثتني أمي عن أن الأمان يكون في الوطن، ولكني أختلف معها فهنا في أستراليا شعرت بالأمان والكرامة والاحتضان للأسف.
قرار السفر
يسألني الأصدقاء عن تقييم تجربتي بعد نجاحي في عامي الأول وحصولي على تقدير "امتياز"، فأقول لهم إن قرار السفر للدراسة بالخارج يعتمد على عدة أمور، منها:
شخصية الطالب نفسه: هل هو رجل يعتمد عليه يستطيع أن يتحمل مسؤولية نفسه فيؤجل ويضبط رغباته واحتياجاته النفسية والعاطفية والغريزية، أم أنه شخصية مستهترة وضعيفة.
النجاح الدراسي: هل لديه القدرة والرغبة في الاجتهاد والتفوق والتميز وبذل الجهد المضاعف لتحقيق هدفه، أم أن رغبته في السفر نابعة فقط من رغبته في التغيير والذهاب إلى مكان مختلف.
الطموح: هل لدى الطالب طموح معين، هل لديه رغبة في دراسة مجال معين أم أنه يريد السفر لمجرد السفر.
إذا سألني أحدهم لماذا تفضل الدراسة فى الخارج على الدراسة في العالم العربي، أجيب بكل ما سبق إضافة إلى أن مستقبل الحصول على وظيفة بشهادة غربية أفضل بالطبع من الشهادة المحلية. كما أن فرص النجاح والتميز وتبني المواهب مضمونة في البيئة الخارجية، لأن بيئتنا العربية تقتل المواهب والمتميزين.
صدمات متوالية (قصة مي)
تحكي مي مجدي بدورها، عن تجربتها في كلية الـ fine arts جامعة Goldsmith university بلندن، بعدما اضطرتها الظروف إلى مغادرة مصر فجأة مع أسرتها، وكانت قد بدأت الدراسة بالفعل في إحدى الكليات المصرية التي تدرس فيها الفنون وهي كلية التربية الفنية بجامعة حلوان، فتقول:
مثلي مثل جميع الطلاب الذين درسوا المناهج المصرية في المدارس، كنت أعي دائماً أن تلك الأعوام تُعد مَضيعة للوقت إلى حد ما، لكن ما حدث لاحقاً جعلني أدرك أنني لم أعرف حقاً مدى سوء تلك المناهج خاصة إذا تمت مقارنتها بأي مناهج أخرى. البداية كانت عندما انتهيت من مرحلة الدراسة المدرسية وانتقلت إلى الدراسة الجامعية، وكنت محظوظةً بالقدر الكافي بأن أحظي بدراسة المجال الذي لطالما حلمت بدراستهِ: الفنون. تمكنت من دخول كلية التربية الفنية، ثم اضطرتني الظروف إلى السفر مع والدي إلى لندن، وبالرغم من الإجراءات والاختبارات المعقدة للبحث عن جامعة تقبلني وأيضا الحصول على تأشيرة السفر، فقد نجحت أخيرا في الالتحاق بإحدى الكليات.. إلا أن ما حدث بعد ذلك كان صدمة بالنسبة لي.
تواصل مي حكيها فتقول: بدأتُ الدراسة في الجامعة، كان كل شيء مربكاً في البدءِ، وهذا طبيعي نظراً لأني لم أكن هناك منذ البدء، لكن بعض الأشياء ظلت مربكة إلى حد ما لفترة طويلة بعد ذلك، فالجامعة مختلفة تماماً عمّا اعتدناه، فبينما تهتم أغلب المؤسسات التي تقوم بتدريس الفنون بالتقنيات في المقام الأول، أي أن يكون التدريس هدفه تحسين المهارات التقنية في مجالات الفنون كالرسم والنحت وما إلى ذلك، تهتم جامعتي بإجراء المناقشات حول الأفكارالتي تدور حول الأعمال الفنية. قد لا يبدوا هذا غريباً بعد، لكن ألا يتم تكليفنا بمشروعات أو أي عمل على الإطلاق، أن تترك لنا الحرية التامة في اختيار أي نوع من المجالات الفنية نريد أن نعمل بها، وألا يحدد عدد معين من الأعمال على سبيل المثال، فهذا هو الشيء المختلف أو الغريب بعض الشيء في تلك الجامعة، وهو الشيء الرائع بشأن الجامعة أيضاً. على عكس كلية "التربية الفنية" التي درست فيها بعض الوقت قبل السفر، هنا تتاح لنا الفرصة لاستثمار أي اهتمامات خاصة بنا خارج نطاق الفنون في صنع شيء متعلق بالفنون. إذا كنت مهتماً بالعلوم أو بالتاريخ أو بالفلسفة أو بالكتابة أو ما إلى ذلك يمكنك أن تجد وسيلة أن تضع هذا الاهتمام تحت نطاق الاهتمام بالفنون إذا أردت.
أسلوب مختلف
أما عن أكثر الأمور إثارة للاهتمام، فتتمثل في تلك المناقشات التي تعقد حول أي عمل فني، أمر مذهل سماع كل تلك الأفكار التي تدور في المناقشات، بالأخص إن كان العمل يبدو لك لأول وهلة أنه لا مغزى منه، ثم تدرك أنك كنت مخطئاً بعد أن تسمع المناقشات والأفكار التي تدور حوله.
أسلوب التدريس في الجامعة بلا شك مختلف، وذلك الاختلاف للأفضل بالتأكيد. فكما ذكر في أحد الكتب أن الأفكار التي تدور حول الفن أكثر إثارة للاهتمام من الفن وحده، فأنا أفضل أن أعرف كيف أصنع عملاً فنياً يحث مشاهده على أن يبذل مجهوداً في التفكير فيه، على أن أعرف كيف أرسم بشكل أفضل.
الأمر الذي لازال يضحكني هو عندما يبدأ بعض زملائي في الحديث عن دراستهم السابقة في المدارس، أشعر أني أريد أن أوقفهم وأرجوهم أن يرأفوا بي وبحالتي المصرية العربية الضحلة والفقيرة، فعندما علمت أن بعضهم تعلموا كيف يصنعوا pinhole camera وهي نوع من الكاميرات ذات استخدام خاص ويمكن صنعها يدوياً، أصبت بالإحباط لأني لم أسمع بها قط إلا بعد أن تخرجت من المدرسة. هذا مثال من كثير يجعلني أصبح متأكدة كل يوم أن المناهج المصرية كما المناهج العربية لا جدوى منها على الإطلاق.