ربّما لا يمكن وصف هذا الدفق الشعري بالثورة، طالما أن السلطة السياسية تغض عن قصدٍ النظر، عمّا يتداوله هؤلاء المتحررون والمنتقدون والراغبون بخطوة كبيرة نحو الأمام، عبر شبكة الإنترنت. إذ تحتاج السلطة السعودية بدورها إلى هذه الخطوة، وتستفيد منها.
الإنترنت عالم الشعراء الشباب المفتوح
يفجر هذا الدفق وغياب الرقابة مواهبَ سعودية شديدة الجديّة، لعلّها الأكثر جديةً في كلّ ما يقدّمه الشباب العربي على شبكة الإنترنت. حيثُ الشعر في رأس القائمة، تليه المسلسلات والأفلام القصيرة على يوتيوب. مساحة الشعر تمتدّ من مواقع التواصل الاجتماعي فالمدوّنات الشخصيّة والخاصّة، وصولًا إلى مواقع كثيرة يعرفها السعوديون ويتداولونها، ولا يعرفها أقرانهم من العرب.
رغبة الشباب السعودي بالكتابة تنفيسًا عن الضيق، جعلتهم يتقنون فنّ الاختصار، ويبرز من بينهم كتّاب حذقون يجيدون التلخيص والقول، وجملهم مباشرة وطازجة. كتّاب يطبعون مجموعاتهم الشعريّة فيصيرون شعراء مستحقّين لهذا اللقب، وتغدو أسماؤهم متداولة في الصحف والأندية الثقافية والجمعيات المنتشرة في مختلف المناطق. كذا يخرجون من عالم الإنترنت إلى عالم الواقع، وفيه شعراء من أجيال مختلفة ونقّاد للشعر أغلبهم من كبار السنّ، وفيه مستمعو الشعر ومحبوه، وهؤلاء كثر في السعودية والخليج العربي.
تكمن جاذبية هذا الشّعر أنه يجيء في جزءٍ منه "متحرّرًا من الأبوّة وسطوتها، متحرّرًا من التبجيل ومن أعباء الدَّيْن، متخفّفًا من فروض الطاعة والمجاملات الفارغة نحو القامات التي تقدّمتْه في درب الكتابة. ولا يهمّ هنا حجم القامة ولا مدى اتساع جرمها ولا مقدار احتلالها مساحةَ الضوء، حسبها قامة تشغل حيّزًا من الطريق. ما يعني أن أعناق العابرين في فضاء النت طليقة" (عبدالله السفر- اصطفاء الهواء).
القصائد ها هنا، لها حريّة الحركة والرنو إلى أفقٍ أبعد وأوسع، هي غير مغلولة وغير مجبرة على الالتفات، وغير مقضيّ عليها بالانحناء لتقصّي الأثر. ثمّة حريّة تتجاوز القامات، وترتفع عن الأسقف، ولا تأبه للمحاذير في مروحتها الواسعة المدجّجة بعيون الرقابة والرقباء.
هكذا برز جيلٌ من الشعراء قادمٌ من عالم الإنترنت، فتمّ تكريسه والاعتراف به سريعًا. وغدا بالتالي ممكنًا رؤية الحدود الفاصلة بين أجيال الشعر السعودي بوضوح، لا على مستوى السن فحسب بل على مستوى مضمون القصيدة. بيد أنّ هذا لا يعطي "حكم قيمة"، فلكلّ جيل في المملكة هوّيته الخاصّة ولون قصيدته ولغتها وموضوعها.
ومهما تنوّع الأمر واختلف يمكن القول إن الشعراء السعوديين على اختلاف أجيالهم متمكّنين من اللغة، ومخلصين لرؤية قصيدة النثر الحديثة. وقد تأثروا بشعراء عرب من دون أن يشبهوهم أو يكونوا نسخًا منهم، فقد فرضوا حساسيتهم الخاصّة القادمة من مجتمعٍ ذي قواعد وعلاقات خاصّة إن لم نقل استثنائية. فالشعراء السعوديون يبدعون في ظروف صعبة وفي فضاءٍ قاس لعالم أقفل أبواب التخييل الحرّ على صعيد الفكرة والقول والإفصاح، فضلًا عن الرقابة المتربصة بحريّة التعبير، الموجودة بدرجات في الدول العربية، لكن ها هنا، ثمّة معاناة تتعلّق بالمكان نفسه الذي يعيشون فيه، وبأنماط العلاقات الفصامية والتناقضات المسيطرة عليه (أسود/ أبيض، ذكر/ أنثى، الدين علانيةً، ورقّته سرًا..)كلّها عوامل تجعل الشعر السعودي محلًا للشجاعة والفتنة.
لغة خاصّة
متابعُ قصيدة النثر السعودية الحديثة سيفاجأ بأمرين؛ اللغة الشعرية الخاصّة في كل مجموعة شعرية على حدة، وهي كثيرة. ومدى الاهتمام الذي يلقاه الشعر كفنّ تعبيري من قبل الجمعيات والأندية الكثيرة والمنتشرة في كلّ المناطق والمدن والبلدات السعودية بدعمٍ مالي من وزارة الثقافة.
وتفصح العودة إلى البدايات عن مسارٍ مهمٍ قطعه الشعر السعودي، فقد كان محمّد حسن عواد، رائد التجديد والنزوع نحو الحداثة، من أوائل الذين كتبوا قصيدة النثر، في نزوعٍ منه نحو الحداثة التعبيرية، وكانت تجربته المبكّرة أوضح التجارب في كسر عمود الشعر حين كتب مغامرته الأولى في بداية العشرينيات، التي سبقت تجارب رواد قصيدة الشعر الحرّ في العالم العربي. وكانت التجربة الناضجة والمميّزة من نصيب عبد الرحمن المنصور، من حيث تشكيل مساحة الصورة الشعرية، وحساسية توزيع العبارة الشعرية، والانشغال بالحسّ الاجتماعي.
ولاحقًا في الستينيات والسبيعينيات توفرتْ عوامل إثراء وتغيير شاملة، فمن ناحية كان الفوج الأوّل من الأكاديميين العائدين من الدراسة في الغرب، في حقول الأدب والاجتماع واللغات الأجنبية مثل: د. منصور الحازمي، ود.عزت خطّاب، ومن ناحية أخرى النقّاد السعوديون والعرب المقيمون في المملكة؛ أحمد كمال زكي وفوّاز عيد، وعبد الرحيم نصار، ومحمّد العلي وعبد الله نور، وعبد الله الماجد، ود. محمّد الشنطي، فتضافرتْ جهود الطرفين في توسيع دائرة تقبّل القارئ لقصيدة الشعر الحرّ، من خلال مشاركاتهم في الكتابة للصحف المحلية التي فتحتْ بدورها منابرها لهم.
وقد أدّت "الصفحة السابعة" في جريدة عكاظ وملحق البلاد الأدبي، والصفحات الأدبية في الرياض ومجلة اليمامة، دوراً تأسيساً، منذ مطلع السبعينيات، في غرس بذور حساسية فنية جديدة، لغةً ودلالةً، حيث تخلّت الجملة الشعرية عن بلاغتها التراثية. كذا برز صوتان شعريان لافتان: محمّد العلي وغازي القصيبي الذي ساهم في إغناء المشهد الشعري بكتابة شعر التفعيلة، ضمن نسقٍ تشكّلَ من خلفيته الشعرية المنغمسة في التراث العربي ومن خلال تأثره ببساطة الإيقاع الشعري ومفردات الحياة اليومية.
وتحدّدت ملامح تجربته منذ ديوانه "أنت الرياض". أمّا محمّد العلي، فيمثّل "خلاصة التجربة وحداثتها، على صعيد الكتابة الثقافية، والقراءة النقدية، والإبداع الشعري، وقد غدت بعض قصائده مثل، "لا ماء في الماء"، و"آهٍ متى أتغزّل" نصوصًا تأسيسية للحداثة الشعرية في المملكة"، بتعبير علي الدميني.
التفعيلة وتجربة قصيدة نثر
تضافرتْ فاعلية روّاد قصيدة التفعيلة وكوكبة التجديد الشابّة والملحقات الأدبية على تهيئة المناخ الملائم، لولادة نصٍ جديدٍ في أواخر الثمانينيات وخلال التسعينيات، فانفتح المشهد الشعري، وبرزت أسماء شعرية لامعة في فضاء شعر التفعيلة مثل عبد الكريم العودة، وعبدالله الصيخان ومحمّد الثبيتي ومحمد جبر الحربي، وعبدالله الزيد وعلي بافقيه.
أما في فضاء قصيدة النثر، فقد ترسّخ حضور فوزية أبو خالد، ومحمّد عبيد الحربي ومحمّد الدميني، وإبراهيم الحسين، وأحمد الملا، وهدى الدغفق، وغسان الخنيزي وغيرهم. أمّا شعراء التسعينيات فقد عاشوا الظلّ مرتين؛ مرّة في مرحلة الثمانينيات ذات الصخب العالي والاضطراب الكبير، ففيها كانت بداية أغلبهم ونقطة انطلاقهم، غير أن بؤرة الضوء كانتْ موجّهة إلى شعراء معيّنين يحتفل بهم الإعلام والنقد والجمعيات ومهرجانات الشعر من الماء إلى الماء، والمرّة الثانية في التسعينيات نفسها بعد حرب الخليج الثانية ومفاعيلها على الساحة الثقافية، حيث الانكسار الذي أصابها، وجرّ ذيوله على الحركة الشعرية وممثّليها من شعراء خفَّ نبضُ نصّهم وخفتَ، فلم يعدْ له ذلك الألق الثمانيني المدهش، ومن نقادٍ أخذتْهم مشاغل البحث إلى ضفافٍ أخرى لم يكن الشعر من بينها.
وفي الوقت نفسه تزامن مع هذا الانكسار، بخاصّة في النصف الثاني من التسعينيات، انطلاق الشرارات الأولى لانفجار المشهد الروائي في السعودية، فانتقلَ الضوء من الشعراء إلى الروائيين. كذا لزم شعراء التسعينيات الظلّ، ومكث شعرهم في الهامش: "حضورٌ طفيف وانصراف تامّ عن ضجيج المشهد وتدافعاته.
رحابةٌ من الصمتِ تنأى عن الضوءِ والضوضاء، وتمنح صاحبها عكوفًا متأنيًّا على التجربة يتدبّرها ويعيد النظر في أدواته وفي مناطق الكتابة التي تخصّه استنفادًا وإشباعًا، أو تحسينًا وتطويرًا". بتعبير الناقد والشاعر عبدالله السفر.
التسعينيات
لكن العمل على النصّ، من داخل التجربة التسعينية، مهّدَ لتأسيس ذائقةٍ تطلبُ الجديد والمختلِف والمغاير، وما من شأنه إدخالُ دمٍ طازجٍ يمتّن التجربة ويصلب عودها ويطوّر مشروعها الكتابي فلا تراوح في مكانها مجترّةً المتاح، تعيد إخراجه في تلويناتٍ مضللة. وساهم في تحقيق ذلك الانفتاح على التجارب الشعرية العربية؛ من قاسم حدّاد إلى سيف الرحبي وزاهر الغافري وبسّام حجّار وبول شاوول ووديع سعادة وسعدي يوسف وسركون بولص وغيرهم.
مروحةٌ واسعة ملوّنة كان لها فعلُ الإنبات والتخصيب والتجاذب والإغناء وفتْح آفاق واسعة أمام مرجعيّات متباينة، لكنها تأتلفُ في صُنْع صيغة ترسِّخ جذر الكتابة الجديدة، كما نجدها مثلًا في سعي حمد الفقيه لكتابة قصيدة صافيةٍ مصقولة، وسعي إبراهيم الحسين للحفر في نقطة التقاء بين التجربة الجوّانية والبرّانية، ما بين الصوفي وانبثاقاته الروحية، وما بين اليومي وتفاصيله ودقائقه الهامشية. الأمر الذي يؤكد المشروع في التجربة التسعينية.
لعل توالي الإصدارات مؤشّر دال على وجاهة هذا الفهم: أحمد الملّا؛ "ظلٌّ يتقصّف، خفيف ومائل كنسيان، سهمٌ يهمس باسمي، كتبتْنا البنات"، وعلي العمري؛ "فأس على الرفّ، ولا يدري أحد، لا فوق لمثلك، أبناء الأرامل، محاولات في سوء الفهم"، وعيد الخميسي؛ "كنّا، البوادي، جملة لا تناسب القياس". هؤلاء وغيرهم يؤكّدون أنّ استمرار مشروع التجربة التسعينية يعني عدم تحدّدها وجمودها.
وهذا سببَ التحام هذه التجربة، بلا ضجيج وبلا أبوّة، بالتجربة المحليّة الجديدة التي تكتب الآن في الفضاء الورقي أو فضاء الإنترنت؛ زياد السالم، عبدالله ثابت، ماجد الثبيتي، ماجد العتيبي، محمّد الجنيدل، عبدالله العثمان، محمّد الحميد، محمّد الضامن، محمّد خضر، طلال طويرقي، عبدالله المحسن، حامد سليمان زكي صدير وعبدالوهاب العريض. فلا نعثر على فتقٍ أو شقّ يعزل التجربتيْن.
الإنترنت عالم الشعراء الشباب المفتوح
يفجر هذا الدفق وغياب الرقابة مواهبَ سعودية شديدة الجديّة، لعلّها الأكثر جديةً في كلّ ما يقدّمه الشباب العربي على شبكة الإنترنت. حيثُ الشعر في رأس القائمة، تليه المسلسلات والأفلام القصيرة على يوتيوب. مساحة الشعر تمتدّ من مواقع التواصل الاجتماعي فالمدوّنات الشخصيّة والخاصّة، وصولًا إلى مواقع كثيرة يعرفها السعوديون ويتداولونها، ولا يعرفها أقرانهم من العرب.
رغبة الشباب السعودي بالكتابة تنفيسًا عن الضيق، جعلتهم يتقنون فنّ الاختصار، ويبرز من بينهم كتّاب حذقون يجيدون التلخيص والقول، وجملهم مباشرة وطازجة. كتّاب يطبعون مجموعاتهم الشعريّة فيصيرون شعراء مستحقّين لهذا اللقب، وتغدو أسماؤهم متداولة في الصحف والأندية الثقافية والجمعيات المنتشرة في مختلف المناطق. كذا يخرجون من عالم الإنترنت إلى عالم الواقع، وفيه شعراء من أجيال مختلفة ونقّاد للشعر أغلبهم من كبار السنّ، وفيه مستمعو الشعر ومحبوه، وهؤلاء كثر في السعودية والخليج العربي.
تكمن جاذبية هذا الشّعر أنه يجيء في جزءٍ منه "متحرّرًا من الأبوّة وسطوتها، متحرّرًا من التبجيل ومن أعباء الدَّيْن، متخفّفًا من فروض الطاعة والمجاملات الفارغة نحو القامات التي تقدّمتْه في درب الكتابة. ولا يهمّ هنا حجم القامة ولا مدى اتساع جرمها ولا مقدار احتلالها مساحةَ الضوء، حسبها قامة تشغل حيّزًا من الطريق. ما يعني أن أعناق العابرين في فضاء النت طليقة" (عبدالله السفر- اصطفاء الهواء).
القصائد ها هنا، لها حريّة الحركة والرنو إلى أفقٍ أبعد وأوسع، هي غير مغلولة وغير مجبرة على الالتفات، وغير مقضيّ عليها بالانحناء لتقصّي الأثر. ثمّة حريّة تتجاوز القامات، وترتفع عن الأسقف، ولا تأبه للمحاذير في مروحتها الواسعة المدجّجة بعيون الرقابة والرقباء.
هكذا برز جيلٌ من الشعراء قادمٌ من عالم الإنترنت، فتمّ تكريسه والاعتراف به سريعًا. وغدا بالتالي ممكنًا رؤية الحدود الفاصلة بين أجيال الشعر السعودي بوضوح، لا على مستوى السن فحسب بل على مستوى مضمون القصيدة. بيد أنّ هذا لا يعطي "حكم قيمة"، فلكلّ جيل في المملكة هوّيته الخاصّة ولون قصيدته ولغتها وموضوعها.
ومهما تنوّع الأمر واختلف يمكن القول إن الشعراء السعوديين على اختلاف أجيالهم متمكّنين من اللغة، ومخلصين لرؤية قصيدة النثر الحديثة. وقد تأثروا بشعراء عرب من دون أن يشبهوهم أو يكونوا نسخًا منهم، فقد فرضوا حساسيتهم الخاصّة القادمة من مجتمعٍ ذي قواعد وعلاقات خاصّة إن لم نقل استثنائية. فالشعراء السعوديون يبدعون في ظروف صعبة وفي فضاءٍ قاس لعالم أقفل أبواب التخييل الحرّ على صعيد الفكرة والقول والإفصاح، فضلًا عن الرقابة المتربصة بحريّة التعبير، الموجودة بدرجات في الدول العربية، لكن ها هنا، ثمّة معاناة تتعلّق بالمكان نفسه الذي يعيشون فيه، وبأنماط العلاقات الفصامية والتناقضات المسيطرة عليه (أسود/ أبيض، ذكر/ أنثى، الدين علانيةً، ورقّته سرًا..)كلّها عوامل تجعل الشعر السعودي محلًا للشجاعة والفتنة.
لغة خاصّة
متابعُ قصيدة النثر السعودية الحديثة سيفاجأ بأمرين؛ اللغة الشعرية الخاصّة في كل مجموعة شعرية على حدة، وهي كثيرة. ومدى الاهتمام الذي يلقاه الشعر كفنّ تعبيري من قبل الجمعيات والأندية الكثيرة والمنتشرة في كلّ المناطق والمدن والبلدات السعودية بدعمٍ مالي من وزارة الثقافة.
وتفصح العودة إلى البدايات عن مسارٍ مهمٍ قطعه الشعر السعودي، فقد كان محمّد حسن عواد، رائد التجديد والنزوع نحو الحداثة، من أوائل الذين كتبوا قصيدة النثر، في نزوعٍ منه نحو الحداثة التعبيرية، وكانت تجربته المبكّرة أوضح التجارب في كسر عمود الشعر حين كتب مغامرته الأولى في بداية العشرينيات، التي سبقت تجارب رواد قصيدة الشعر الحرّ في العالم العربي. وكانت التجربة الناضجة والمميّزة من نصيب عبد الرحمن المنصور، من حيث تشكيل مساحة الصورة الشعرية، وحساسية توزيع العبارة الشعرية، والانشغال بالحسّ الاجتماعي.
ولاحقًا في الستينيات والسبيعينيات توفرتْ عوامل إثراء وتغيير شاملة، فمن ناحية كان الفوج الأوّل من الأكاديميين العائدين من الدراسة في الغرب، في حقول الأدب والاجتماع واللغات الأجنبية مثل: د. منصور الحازمي، ود.عزت خطّاب، ومن ناحية أخرى النقّاد السعوديون والعرب المقيمون في المملكة؛ أحمد كمال زكي وفوّاز عيد، وعبد الرحيم نصار، ومحمّد العلي وعبد الله نور، وعبد الله الماجد، ود. محمّد الشنطي، فتضافرتْ جهود الطرفين في توسيع دائرة تقبّل القارئ لقصيدة الشعر الحرّ، من خلال مشاركاتهم في الكتابة للصحف المحلية التي فتحتْ بدورها منابرها لهم.
وقد أدّت "الصفحة السابعة" في جريدة عكاظ وملحق البلاد الأدبي، والصفحات الأدبية في الرياض ومجلة اليمامة، دوراً تأسيساً، منذ مطلع السبعينيات، في غرس بذور حساسية فنية جديدة، لغةً ودلالةً، حيث تخلّت الجملة الشعرية عن بلاغتها التراثية. كذا برز صوتان شعريان لافتان: محمّد العلي وغازي القصيبي الذي ساهم في إغناء المشهد الشعري بكتابة شعر التفعيلة، ضمن نسقٍ تشكّلَ من خلفيته الشعرية المنغمسة في التراث العربي ومن خلال تأثره ببساطة الإيقاع الشعري ومفردات الحياة اليومية.
وتحدّدت ملامح تجربته منذ ديوانه "أنت الرياض". أمّا محمّد العلي، فيمثّل "خلاصة التجربة وحداثتها، على صعيد الكتابة الثقافية، والقراءة النقدية، والإبداع الشعري، وقد غدت بعض قصائده مثل، "لا ماء في الماء"، و"آهٍ متى أتغزّل" نصوصًا تأسيسية للحداثة الشعرية في المملكة"، بتعبير علي الدميني.
التفعيلة وتجربة قصيدة نثر
تضافرتْ فاعلية روّاد قصيدة التفعيلة وكوكبة التجديد الشابّة والملحقات الأدبية على تهيئة المناخ الملائم، لولادة نصٍ جديدٍ في أواخر الثمانينيات وخلال التسعينيات، فانفتح المشهد الشعري، وبرزت أسماء شعرية لامعة في فضاء شعر التفعيلة مثل عبد الكريم العودة، وعبدالله الصيخان ومحمّد الثبيتي ومحمد جبر الحربي، وعبدالله الزيد وعلي بافقيه.
أما في فضاء قصيدة النثر، فقد ترسّخ حضور فوزية أبو خالد، ومحمّد عبيد الحربي ومحمّد الدميني، وإبراهيم الحسين، وأحمد الملا، وهدى الدغفق، وغسان الخنيزي وغيرهم. أمّا شعراء التسعينيات فقد عاشوا الظلّ مرتين؛ مرّة في مرحلة الثمانينيات ذات الصخب العالي والاضطراب الكبير، ففيها كانت بداية أغلبهم ونقطة انطلاقهم، غير أن بؤرة الضوء كانتْ موجّهة إلى شعراء معيّنين يحتفل بهم الإعلام والنقد والجمعيات ومهرجانات الشعر من الماء إلى الماء، والمرّة الثانية في التسعينيات نفسها بعد حرب الخليج الثانية ومفاعيلها على الساحة الثقافية، حيث الانكسار الذي أصابها، وجرّ ذيوله على الحركة الشعرية وممثّليها من شعراء خفَّ نبضُ نصّهم وخفتَ، فلم يعدْ له ذلك الألق الثمانيني المدهش، ومن نقادٍ أخذتْهم مشاغل البحث إلى ضفافٍ أخرى لم يكن الشعر من بينها.
وفي الوقت نفسه تزامن مع هذا الانكسار، بخاصّة في النصف الثاني من التسعينيات، انطلاق الشرارات الأولى لانفجار المشهد الروائي في السعودية، فانتقلَ الضوء من الشعراء إلى الروائيين. كذا لزم شعراء التسعينيات الظلّ، ومكث شعرهم في الهامش: "حضورٌ طفيف وانصراف تامّ عن ضجيج المشهد وتدافعاته.
رحابةٌ من الصمتِ تنأى عن الضوءِ والضوضاء، وتمنح صاحبها عكوفًا متأنيًّا على التجربة يتدبّرها ويعيد النظر في أدواته وفي مناطق الكتابة التي تخصّه استنفادًا وإشباعًا، أو تحسينًا وتطويرًا". بتعبير الناقد والشاعر عبدالله السفر.
التسعينيات
لكن العمل على النصّ، من داخل التجربة التسعينية، مهّدَ لتأسيس ذائقةٍ تطلبُ الجديد والمختلِف والمغاير، وما من شأنه إدخالُ دمٍ طازجٍ يمتّن التجربة ويصلب عودها ويطوّر مشروعها الكتابي فلا تراوح في مكانها مجترّةً المتاح، تعيد إخراجه في تلويناتٍ مضللة. وساهم في تحقيق ذلك الانفتاح على التجارب الشعرية العربية؛ من قاسم حدّاد إلى سيف الرحبي وزاهر الغافري وبسّام حجّار وبول شاوول ووديع سعادة وسعدي يوسف وسركون بولص وغيرهم.
مروحةٌ واسعة ملوّنة كان لها فعلُ الإنبات والتخصيب والتجاذب والإغناء وفتْح آفاق واسعة أمام مرجعيّات متباينة، لكنها تأتلفُ في صُنْع صيغة ترسِّخ جذر الكتابة الجديدة، كما نجدها مثلًا في سعي حمد الفقيه لكتابة قصيدة صافيةٍ مصقولة، وسعي إبراهيم الحسين للحفر في نقطة التقاء بين التجربة الجوّانية والبرّانية، ما بين الصوفي وانبثاقاته الروحية، وما بين اليومي وتفاصيله ودقائقه الهامشية. الأمر الذي يؤكد المشروع في التجربة التسعينية.
لعل توالي الإصدارات مؤشّر دال على وجاهة هذا الفهم: أحمد الملّا؛ "ظلٌّ يتقصّف، خفيف ومائل كنسيان، سهمٌ يهمس باسمي، كتبتْنا البنات"، وعلي العمري؛ "فأس على الرفّ، ولا يدري أحد، لا فوق لمثلك، أبناء الأرامل، محاولات في سوء الفهم"، وعيد الخميسي؛ "كنّا، البوادي، جملة لا تناسب القياس". هؤلاء وغيرهم يؤكّدون أنّ استمرار مشروع التجربة التسعينية يعني عدم تحدّدها وجمودها.
وهذا سببَ التحام هذه التجربة، بلا ضجيج وبلا أبوّة، بالتجربة المحليّة الجديدة التي تكتب الآن في الفضاء الورقي أو فضاء الإنترنت؛ زياد السالم، عبدالله ثابت، ماجد الثبيتي، ماجد العتيبي، محمّد الجنيدل، عبدالله العثمان، محمّد الحميد، محمّد الضامن، محمّد خضر، طلال طويرقي، عبدالله المحسن، حامد سليمان زكي صدير وعبدالوهاب العريض. فلا نعثر على فتقٍ أو شقّ يعزل التجربتيْن.