"أكثر من نصف مليون بلطجي، موزعون على أنحاء الجمهورية"، تعود تلك الإحصائية للمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية منذ 2002.
كان عام 2005 هو الظهور الأول لهم مع قوات الأمن، خلال الانتخابات الرئاسية التي أقيمت للمرة الأولى بدلاً من الاستفتاءات، وعلى سلالم نقابة الصحافيين في "الأربعاء الأسود"، برز وجودهم ليعلنوا عن أنفسهم كقوة مساندة للأمن.
اختلف المسمَّى لهم على مدار السنوات "المواطنين الشرفاء"، كان المسمى لهم عقب الثورة، لكن مع تكرار ظهورهم أصبح اسم "البلطجية" يطلق عليهم بشكل واضح، إلى أن حدثت الاعتداءات مرة أخرى على نقابة الصحافيين، أطلق عليهم البعض حينها "بتوع العشرين جنيه".
أرقام متفاوتة
لا يوجد إحصاء في مصر لعدد البلطجية، فقط عدة تقديرات، ففي دراسة أخرى أعدها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في ديسمبر/ كانون الأول 2011، اعتبر أن البلطجة تحولت من نشاط فردي إلى ظاهرة منذ بدايات العام 2005 الذي شهد أول انتخابات رئاسية في مصر، بعد أن شرع جهاز مباحث أمن الدولة والحزب الوطني المنحل في تكوين مجموعات من تلك العناصر كانت نواتها 45 ألف بلطجي يعملون لصالح الوزارة.
وفي 2011 قدر حازم قنديل، الباحث بجامعة كمبريدج، أن الشرطة كانت في عهد مبارك تستعين بمليون ونصف المليون من البلطجية والمرشدين بشكل غير رسمي.
بلطجية يحميهم الأمن
نقابتا الصحافيين والمحامين تعرضتا في الفترة الأخيرة لاعتداءات صارت شبه متكررة على أعضائهما، وصفتها نقابة الصحافيين في مايو/أيار الماضي بأنها من قِبل بلطجية يحميهم الأمن، خاصة بعد اقتحام النقابة من قبل الداخلية.
تكررت تلك الاعتداءات على الصحافيين أمام إحدى المحاكم في منطقة زينهم بوسط العاصمة القاهرة، وهو ما ذكرته النقابة في بيانها الصادر آنذاك محذرة من عودة :"الممارسات الأمنية العنيفة في التعامل مع الصحافيين والمتظاهرين باستخدام البلطجية وأفراد يرتدون زي الأمن المدني وهو ما يعيد للأذهان وقائع الاعتداء على الصحافيات يوم الأربعاء الأسود في مايو/ أيار 2005".
لم تكن تلك هي الوقائع الأولى التي يظهر فيها البلطجية بصحبة قوات الأمن، فمؤسسة حرية الفكر والتعبير وثقت عدداً من الوقائع لاعتداءات بلطجية تمت بصحبة قوات الأمن كان من بينها ما حدث في إبريل/ نيسان 2014 حين هاجمت مجموعات من البلطجية تظاهرات طلاب كلية الطب بالقصر العيني بصحبة قوات الأمن، وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2013 اقتحمت مجموعة من البلطجية جامعة المنصورة واشتبكت مع الطلاب بوجود قوات الداخلية، وفي النصف الثاني من ديسمبر/ كانون أول 2013، اقتحمت قوات الأمن ومعها مجموعة من البلطجية حرم جامعة أسيوط لفض تظاهرة طلابية.
الدولة مسؤولة
سامية خضر، أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس، تعتبر البلطجة ظاهرة في العالم أجمع، لكنها تزداد في مصر خاصة مع عدم وجود قوانين تضع حداً لها.
تشير خضر لـ"جيل العربي الجديد"، إلى أن الشرطة لها دور في هذا الأمر، خاصة بوجود بعض العناصر السلبية فيها، بحد قولها، موضحة أن المواطن لا يستطيع مقاومة البلطجة، لكن هذه المسؤولية تقع على مؤسسات الدولة. وتعتبر أن هناك غياباً للردع من الدولة والقوة في تنفيذ القانون ستحول الأمر لبلطجة ممنهجة بالفعل، لكسر القانون أو استعادة الحقوق.
العميد حسين حمودة، الخبير الأمني، يوضح أن هناك فرقاً بين شرعية القوة "البلطجة" التي تسود مصر حالياً، وقوة الشرعية وهي دولة القانون التي تغيب في مصر، مشيراً إلى أن الحكومات المتعاقبة هي من تسببت في تلك الحالة، فضلاً عن ما مر به المجتمع من صدمات وأحداث متلاحقة.
ويضيف لـ"جيل العربي الجديد"، أن الدولة جَنَبت شرعية القانون، وأصبح كل فرد يأخذ حقه بيده، مما أدى إلى ظاهرة البلطجة الممنهجة في مصر، مشيراً إلى أن أمناء الشرطة أنفسهم يمارسون البلطجة على الشعب، لأن الدولة غائبة.
وتابع: هناك العديد من الحوادث كان ضباط الشرطة، فيها، سبباً في دعم البلطجية، من بينها واقعة "الدكش" بمحافظة القليوبية، التي تبين مساعدة لواء بالمديرية ويُحاكم الآن، مؤكداً أن ما يتردد عن صناعة الأمن للبلطجة صحيح خاصة بالاستعانة بهم من قبل الشرطة وهو ما ظهر بوضوح في فترات الانفلات الأمني.
دان ويليامز، الباحث بمنظمة هيومن رايتس ووتش، في تعليقه بعد أحداث فض اعتصام رابعة العدوية، قال: "المواطنين الشرفاء" كما تسميهم وسائل الإعلام الحكومية بالضرب والاعتداء على الصحافيين والنشطاء هم من ظلوا لعقود يؤدون مهمة العصابة المساندة للسلطات المصرية.
وتابع: "لقد أدى البلطجية المتحالفون مع الشرطة دوراً بارزاً في محاولة تخويف المتظاهرين المطالبين بالديمقراطية خلال سنوات الاحتجاجات محدودة النطاق، التي أدت إلى مظاهرات ميدان التحرير الحاشدة وأنهت سنوات مبارك الثلاثين في الحكم، في فبراير/ شباط 2011، وقد ظهروا على السطح بانتظام في اضطرابات مصر السياسية منذ ذلك الحين".
كان الاتصال الأول لدان ويليامز بهم على الدرج الرخامي لنقابة الصحافيين، موضحاً أنه لمدة طويلة ظل التوصل إلى هوية البلطجية لعبة من ألعاب التخمين. فبعضهم مجرد رجال فقراء
لديهم ميل للعنف، واستعداد للعمل لحساب الشرطة، من الأحياء الفقيرة التي تسيطر عليها عصابات محلية للتهريب والاتجار في المخدرات، وهي أنشطة تجعلهم في بعض الأحيان مدينين للشرطة مقابل تركهم يعملون بحرية.