مُخلَّفات الطبيعة الزبائنية في السودان التي ربطت بين القوات الحاملة للسلاح ونظام الرئيس المعزول عمر البشير، أصبحت بحكم الاتفاق بين الثوار والعسكريين، جزءًا من الواقع السياسي الراهن، فالقوات المسلحة وتوابعها أصبحت قوىً اقتصاديةً، فهل ستتخلى هذه القوات عن تلك الموارد؟
يهاجم إسلاميو السودان الفترة الانتقالية بضراوةٍ شديدة، ويصفونها بأنها تنوي هدم الدين، لمجرّد أن مباراةً نسائيةً جرت بناء على قرارٍ جرى اتخاذه في فترة حكم عمر البشير، وأن جدلاً بدأ بشأن إعادة النظر بالامتناع عن التوقيع على اتفاقية سيداو.
لم يستهد إسلاميو السودان بالتاريخ الإنساني، ولم يقاربوه موضوعيًا ونقديًا. انشغلوا أكثر ما انشغلوا بإحراز السلطة، واستدامتها، وبكنز المال من أجل استدامة السلطة. وقد عطَّل هذا النهج ملكاتهم، وأضاع وقتهم، وأضاع، أيضًا، وقت الشعب السوداني.
ما يجري في السودان من تهدئةٍ، من العسكريين، في مواجهة قوى الحرية والتغيير التي أصبحت شريكةً في منظومة الحكم، خفضٌ مؤقت للجناح، فمؤشرات كثيرة تفيد بأن هناك خططًا لقطع الطريق على الثورة، وإبقاء منظومة الفساد على ما هي عليه.
الأكثر إيلامًا وإثارة للدهشة أن الرئيس السوداني المخلوع، عمر البشير، كان يتحدث عن عطايا مالية له، في أثناء محاكمته، بعاديةٍ شديدة، بل، ويرى كونه لم يتصرّف فيها لمصلحته الشخصية، حسب زعمه، يمثل دفاعًا كافيًا لتبرئته.
لقفل باب النعوش الطائرة التي تثير حفيظة الرأي العام في كل بلد، جرى تحويل الوفيات والإصابات من الجنود النظاميين إلى مرتزقة الشركات الأمنية الذين لا يهتم الإعلام الأميركي، ومن ورائه المجتمع الأميركي، بما يجري لهم.
تجيء الديمقراطية في السودان بالقوى الطائفية إلى سدة الحكم، فيحرّك الحداثيون الجيش ليطيح الديمقراطية. ثم لا تلبث أن تقوم الثورات على الأنظمة العسكرية فتعود الديمقراطية التي تأتي بالقوى الطائفية التقليدية على مقاليد الأمور.
تقف السعودية والإمارات سدًا أمام الثورة السودانية، لمنعها من أن تبلغ هدفها في إقامة نظام ديمقراطي. لا تريد هاتان الدولتان اللتان خطفتا مساحاتٍ من أراضي السودان أن تقوم حكومةٌ سودانيةٌ منتخبةٌ، تملك قرارًا مستقلًا، وخاضعة لمحاسبة شعبها، بمراجعة هذه العقود.
ما عكسته التجربة السودانية أن للتيارات الإسلامية قدرة على الحشد والتعبئة الدينية العاطفية باسم الدين، ومن ثم الوصول إلى كرسي السلطة، ولكن ليس لها قدرة على ممارسة الحكم الرشيد.
وراء الطريقة التي عالج بها وزير الدفاع، عوض بن عوف، الأزمة السودانية القائمة، هدفان: أولهما، الحفاظ على التجربة الأولى في التاريخ لجماعة الإسلام السياسي، في الحكم، إذا استثنينا تجربة مصر القصيرة. وثانيهما، إبقاء كل شيء على ما هو عليه.