كلّ هذا البحر/ وأذرعي لا تصل/ الكلمات جسورٌ إلى الهواء/ هناك أبقى وترحل أنفاسي/ لماذا أرتجف في آثار عابرين/ في ظلّ غرباء؟/ لماذا أرتجف في لحظة كهذه/ كطائر ترك نشيده ومضى/ كما لو أنّ نهراً حرّكني؟/ صرت أتدفّق كلماتٍ/ تُعلّمني كيف أولد من ماء.
أضجر حين أفتقد/ صوت إيلدا المبحوح/ بالشعر والسجائر/ حين تغيب عني حكمة/ روبيرتو خوارث/ أصرخ لحظة/ تنزاح يد كازنتزاكي/ عن جبيني في ليال محمومة/ أضجر بدون بيسوا/ يأخذ بروحي/ إلى ما لا أعرف/ أتلاشى كغيمة بيضاء/ في كلمات ابن عربي...
غاب حين غافله الصباح/ لم يترك غير كلمات متعثرة/ ورغبة في البكاء/ تجمعت في عينيه/ صور رجال عاهدهم/ على اصطحاب الصباح/ إلى المدينة فاختفى مرتعداً/ من برد قديم/ من طريق لم يشرح/ دمع الآباء حين أوبتهم/ فارغين من الرغيف والحرية.
فقيرة كما ترى/ لا أطعمك سوى كلمات/ أو نظرة فراشة/ تفتح بها المدى/ قبل أن تغيب/ دعني أراك/ هذا التراب/ شبهة لقاء/ يبقينا جميلين كعاصفة/ وككأس تخطر ببال الشعراء/ تفرغها لذعة سخرية طاولات لا تذكر/ عبور نساء/ مشنوقات بصوت الأنهار.
يجلس الشعر القرفصاء/ مطأطئا قلبه/ يلوك لفافة التبغ المهربة/ متنهداً ليلاً لجوجاً وملحاحاً/ كالقطط الجائعة في صحارى الوقت/ حين تروح وتؤوب/ يجلس الشعر ويفرك سبحة الجنون/ نقطة نقطة يتساقط دمعه/ على الجدران والنوافذ/ وعلى صوت يكرع من الورد نبيذه.
كم موتاً لي حتى أزيّن وجوه/رجال لم يقطنوا الريح/وتركوا أقواسهم في الصحراء/ كم فجراً جسوراً تمدّد بدوني/ وادخر اسمه في وميضي الممزّق/ حتى شبّت عزلتي من كتاب/ حلّق طويلاً في الخطايا/ في الخطى/ في خيوط نسجت كل هذا الحداد.
أكسر أصابعي حين تتعرّى من لغة الغريب/ هراء هذا المسير/ هذيان هذا العبور/ النشيد عزلة/ والقدم رحيل/ من يعشق نبوّة المرارة/ ويتجلّى في دامس الروح
من يعتلي حيرة النص/ ويرث إغواء الدروب/ الدوار وحده دليل/ والمسالك رعب القادمين.
من باريس أقطع تذكرتي إلى أمستردام مرورًا ببروكسل وروتردام، وحتى آخر نقطة ماء من الراين ورحلة الجنون التي سرت إليها كالمخدرة وبدون تفكير أو تردد. نهرع صوب حلم أخضر، ونحمل الطريق ذكرياتنا وأسماءنا وهواجسنا الخفية وروحنا التي تتوق إلى المجهول.