شاعر وباحث أكاديمي وأستاذ جامعي سوري، بروفسور اللاهوت المسيحي ورئيس برنامج الدكتوراه في كلية هارتفرد للدراسات الدينية وحوار الأديان في ولاية كونكتكت في أميركا.
في ما بقي من سورية المدمّرة اليوم، وما بقي من شعبها في البلد، لدينا نظامٌ مجرمٌ مُستَبِد أفلت من العقاب، وتمت تبرئته من جرائمه وبربريته، يحاول منذ الآن أن يقتل ذاكرة السوريين الجمعية عن الدمار والقتل والتشريد والإجرام.
لم تسقط الثورة السورية لأنها "تعسكرت - تأسلمت - تأدلجت". سقطت لأنها رفضت أن "تتعسكر - تتأسلم - تتأدلج". تم إسقاطها وتفريغها من صانعيها ووقودها، لأنَّ طبيعتهم ورؤاهم تهدّد وجود ذهنية "العسكرة - الأسلمة - الأدلجة".
كلنا مشرقيون، وكلنا نحتاج إلى ما دعا إليه البابا فرنسيس، وتجاهل مجرد ذكره البطاركة المشرقيون: كرامة وإنسانية وتعاطف مع الإنسان في سورية والمشرق، وليس تعاطفاً مع أنظمةٍ وتسويقاً لها.
الفادح أنه لا أحد من صناع الأفكار والقرار يعتقد أنَّ الحرية والديمقراطية والحداثة والعلمانية والعدالة والكرامة يمكن أن تكون خياراً حقيقياً بديلاً لإعادة تشكيل الجزء العربي من العالم. المطلوب محو كل ما يمت بصلة لفكرة "عالم عربي".
يعلم كل السوريين اليوم أن سورية التي نعرفها وننتمي لها ونتنفس هواءها لم تعد موجودة. الجديد الذي يهيئنا النظام (وأسياده) لترقبه ومواجهته في القادم من السنين أن الشعب السوري الذي كنّاه ونعرفه، وننتمي إليه، لم يعد موجوداً كما كان.
يجد التركي اليوم نفسه متحمساً للعودة إلى المشهد السوري، كي يمنع احتمالات راديكالية تنتظر تركيا وكل دول المنطقة. وإدلب هي بيضة القبان التي يراهن عليها التركي اليوم، كي ينقذ إسلاموييه من التصفية الشاملة.
إذا ما انتهى الأمر بالأكراد إلى إيجاد دولة تقوم على استبداد فريق بشري معين، ووصايته، على باقي الشرائح البشرية والمجتمعية الأخرى، فنحن سنشهد لا مجرد ولادة دولة إسرائيلية ثانية، بل وولادة دولة مشرقية جديدة، لا تختلف عن دول المنطقة الموجودة.
في قلب المأساة السورية البشعة وغير المسبوقة في تاريخ البشرية، يتلهى العالم عن الشعب السوري ومصيره بأكاذيب وافتراضيات إعلامية، تريد أن تختزل المشهد بحديثٍ يحتقر العقل عن المعركة والحرب الضروس بين أطرافٍ لا علاقة لها أبداً لا بسورية ولا بشعبها.
بأي "مجتمع متجانس" يبشر فيه حاكم دمشق في بلدٍ لم يعد فيه "مجتمع"، ولا أي تموضع بشري سوسيولوجي، ينطبق عليه أي عنصر من عناصر تكوين "المجتمعات" وبنيتها وماهيتها، كما نعرفها ونتعلم عنها وندرسها ونختبرها؟
المسيحيون مساهمون فاعلون ومركزيون، أينما وجدوا، في بناء ثقافات وحضارات جامعة مع باقي التجمعات المكوّنة معهم، لكيان شعوبي أممي في منطقة جغرافية ما، وهم يعملون دوماً على تشكل كيانات تشاركية وتفاعلية، وليس على إيجاد كيانات ضيقة ومغلقة.