بوصلة الشعوب لم تحد، ولم تضيع شمالها، القدس. وقد تعزّز الربط بين أمرين مهمين، الشعوب الأكثر تمتعا بالحرية، مثل تونس، كانت أعلى صوتا في الانتصار للقضية. وكانت أصوات المشكّكين هي الأضعف. وحتى في ليبيا، المشغولة بهمومها، كان الشارع مع فلسطين.
يشتغل الرئيس التونسي، قيس سعيد، لصالح جهة أجنبية (فرنسية)، تود الإبقاء على تونس ضمن نطاق نفوذها التاريخي، وهذا يفسّر لنا انحياز حزب فرنسا، بمكوناته الاستئصالية إلى جانب الرئيس، بعدما أعلن مشاركته في معركتهم، وهي معركة فرنسية لا تونسية.
من مهام تصحيح الأفكار السائدة عن تونس، مراجعة الوهم الذي سوّقته مؤسسات المجتمع المدني عن نفسها، عربياً خصوصاً، وطبقاً لرغبة النظام نفسه، في وجود مجتمع مدني متطوّر، حمى الناس من تغوّل السلطة.
لقد كان في السوق يبحث عن بناة القيم. فلما أدرك أنه كان يبحث في المكان الخطأ أدرك أيضاً أن آخر الطب الكي ولكنه ترك للزمن أن يسخّن المنجل. فقد كان قلبه من حرير ترقق بالمسح على رؤوس الصبيان الصغار.
لم تتشكل المعارضة الحقيقية في تونس لحكومة يوسف الشاهد على الأرض، ما لم تتواضع إلى حجمها الحالي، وتعمل على تطوير أدائها، وتضع نصب أعينها هدفاً متوسط المدى، كالفوز ببعض البلديات، والتموقع السليم بكتلةٍ متماسكةٍ داخل البرلمان.
لماذا يستمر حديث السياسيين عن التوافق، ما دام الصراع بين مكونات الساحة السياسية والثقافية بهذا العمق؟ بعض الإجابة موجود في الضغوط الدولية على النخبة السياسية، لكيلا تدخل طريق الاحتراب، فالمنطقة برمتها على كف عفريت، من ليبيا إلى عمق الصحراء الأفريقية.
التونسيون الآن في وضع الترقب، فليس منهم من اعترض دستورياً على وجود "الشاهد". ولكن، قد يكون الصمت على سلامة الشكل مقدمةً للتحرك، على قاعدة تأخر الإنجازات التي وعد بها في فترة قصيرة.
لم تكن هناك أرضية فكرية وبرامجية لأي توافق حصل في تونس بعد الثورة. كان توافق الترويكا باسم الحفاظ على الدولة، لكن مكوناته لم تكن منسجمة في ما بينها، لجهة الحفاظ على الموجود، أو تأسيس الجديد. ولذلك كثرت خلافاتها وتصدّعت.
لم يكن احتلال الأرض إلا قشرة خارجية للاحتلال، فقد اشتغلت ماكيناته على النسيان وبرمجة ذاكرة الفلسطيني والعربي لاحقاً. كل ما فعله الاحتلال هو تذكير الفلسطيني بفلسطينيته. وتذكير العربي بأن القضية ليست فلسطينية بل إنسانية.