كيف لمجتمعات أن تقاوم العنف في غياب الثقافة؟ لقد كانت الفنون والآداب أحد وسائل مقاومة العنف في تاريخ البشر، فعبر معالجة الفن للعنف كموضوع جمالي يمكن للإنسان أن يخضع هذه الظاهرة للتأمّل والتحليل ومن ثم إنتاج موقف إنساني وأخلاقي.
يستشرف الروائي البيروفي، في كتابه الأخير "مستقبل الثقافة" فيجد في نموذج "السياسي ـ المهرّج" انعكاساً لواقع الثقافة المحكوم بحركة السوق. وليس من المفاجئ أن يرى يوسا ذلك الموت المزعوم للثقافة متجسّداً في طقس كوني من التهريج السياسي.
هل يستطيع التلفزيون أن ينتج ثقافة؟ أليس من الخطأ أن توكَل مهمّة إنتاج القيم والجماليات والأخلاق إلى نشاط ترفيهي اقتصادي وحيد هو الإنتاج الدرامي؟ لكن كيف نواجه هذه الأسئلة بجدية، في غياب الثقافة ذاتها عن حياة المجتمعات العربية؟
وحده العرض المسرحي، كما رأى المسرحيون الجدد، على تخوم الألفية الثالثة يمتلك تلك القدرة على إعادة العالم إلى ألفة الجسد الحي، وعلى إخراج الإنسان من غربة الرموز ومنفى الشاشات ومنحه فرصة العودة إلى فضاء التواصل الحي مع الواقع.
كان علينا أن نعبر القوس إلى زمن أعمارنا العجول. أقول قوس شرقي وتقولين باب شرقي. سنختلف كثيراً حول اسمه. حذلقة الأنثروبولوجيين كانت مسلية في أوقات الضجر. القوس المرفوع يشخص شرقاً صوب تيه الصحراء وأنت تقولين أنه باب.
مقابل النبرة المتعالية والمتكلّفة التي تحكم خطاب النخب السياسية والثقافية، يبتكر الشارع السوري ملامح لغة ساخرة وحساسية تهكمية تكشف أن خطاب النخب أصبح مغترباً ومنفصلاً عن الواقع بشكل لا يقل عبثية وشذوذاً عن العنف المنفلت ذاته.
يبدو السوري أكثر وحدة وعزلة من الإنسان المنكوب بفقدان المكان في كتاب ماكولي؛ لأنه يعيش محنته في عصر الحروب المتلفزة بمشهدية فاجرة وتوثيقية سادية تحاصره وتلغي إمكانيات ما يدعوه نيتشه "النسيان كقوة فاعلة".
هل كان المستقبل الذي رآه سعد الله ونوس (تحل ذكرى رحيله الثامنة عشرة غداً) مخيفاً لدرجة جعلته يقول: ما يحدث اليوم لا يمكن أن يكون نهاية التاريخ؟ لم يكن السوريون في الحقيقة على مدى تاريخهم بحاجة إلى زرقاء اليمامة لتجيبهم.