لم أكن ولدتُ حين كانت الهبّة الشعبية في شمال الداخل الفلسطيني في مارس/آذار 1976، لكنني عشت تفاصيل الرواية، كطفل من جيل الانتفاضة. طفولتنا هناك في الجنوب الفلسطيني، والتي كوّنت أغلبَ مفرداتها من حكاية الأرض وأنّ فلسطين تبدأ من شمالها: الجليل.
لماذا الآن تظهر هذه العجوز، وتطلب مني العون؟ لا أعتقد بأنني سأرى تلك العجوز التي تشبه جدتي مرةً أخرى. ثمّة في الحياة مواقف وأحداث تمرّ عليك تاركة إشارات فقط، وتظلّ أنت بمنأىً عن فكّها ولكنك تعيش سؤالها وحنينها.
سأكتشف هناك، شعراء وناثرين وساخرين كثيرين فيّ، وما زلت أتحرّى آخرين مجهولين في ثياب غريبة. فكّرتُ: كيف آخذ نصيبي من الشعر والنثر والنكتة، من أولئك البسطاء الذين يثيرون في المتعطّش حماسة تلوين الصحراء؟
كل صحراء مررت بها بعد ذلك لم تكن غير مأزق عربي. كلّ صحراء أحتفل بها في بعض قصائدي أستحضر معها بحثيثة محدّدة صحراء سيناء، وإن كانت الإشارة تعمل على المطلق في ظاهر القصائد.
من أعرف أن رحلاتهم حزينة، لا أكفّ عن القول لهم: رحلة سعيدة. بالأماني فقط أتدخّل في شؤونهم. أسماء كثيرة للسيف ما تغلّبَتْ عليه *** أسماء كثيرة للورد، انتشرتْ/ ولكن عندما نُحبّ/ نسمي الوردة وردة.
حملونا، أنا وعلي، في سيارة الإسعاف. كان الدم ينزف. ضحكتُ من ألمي الشديد، أو من فرحتي بتحقّق شعرية الإصابة، في وجه "علاء لحظة إغلاق المسعف باب السيارة لتطير بنا إلى مستشفى ناصر. وصار علاء يضحك أيضاً ويقول: "ماكل طلق وبتضحك!".
أنا حافّة حادّة/ قوتها في عجزها لا تقطع الشلال/ أنا جماعة على قارب/ تتحدث عن أحوال النهر في السابق/ وقد كنت في النهر نهراً/ لا فكرة لديه عن رسومه في الخارطة/ الآن، أنا إلى جانبه أعدو.. وتُعرّجُ مساريَ الأشجار.
أحضر أشرف بزة عسكرية، في جوّ مسرحي تماماً، ارتداها أبي واحتفظ بالحطّة والعقال على رأسه في صورة تذكّر بالجندي الفلسطيني القديم. وكانت أمّي تردّد لتعيد الأهمية إلى نفسها وتقول: شُغل البيت بيهد أكتر من شغل الجيش!
شخصٌ ما يلاحقني/ يرمي إلى رأسي بأفكار عن طول النهر/ عرفتُها قبل أن يظهر، وأجلتُ كتابتَها بيد قصيرة لم تقع كاملةً على الخريطة، كما تقعُ على ركبة مُصَلٍّ أو مُدخّنٍ عَصَبيّ.