في وسع السلطة في موريتانيا أن تدفن رأسها في رمال الحل الأمني. لكن، عليها أن تتذكر أنها ستضطر ربما قريباً إلى مضاعفة الإنفاق على قوتها، لمواجهة الفكر العنيف، لأنها، ببساطة، لم تنفق كي لا يكون من الأساس.
في العمق وفي الواقع اليومي، تقتل هذه الطريقة التي تسير بها الديمقراطية، في بعديها المفاهيمي والإجرائي، في موريتانيا، شيئاً فشيئاً، الرغبة والقدرة الاحتجاجية لدى غالبية الشعب، وتجعل النضالات صغيرةً ومحدودة جدا، وتسلم الناس إلى سباتٍ ذهنيٍ في يوم سبتهم، وغيره.
فات الكيان الصهيوني وأميركا والحلف الإقليمي الساعي إلى نزع سلاح غزة، أو بعض فصائل غزة، أن سلاح المقاومة هو بالأساس فكرة، عقيدة، قناعة شعبية واسعة بأن قدر فلسطين أن تقاوم محتلها بما تجده، حجراً أو صاروخاً.
يجيز "قوميون ناصريون" لأنفسهم في أثناء العدوان الإسرائيلي على غزة وناسها، الهجوم على حركة حماس الإخوانية، واعتبار حكمها غزة أسوأ من حكم الصهاينة، واعتبارها المسؤولة عن معاناة الغزيين، لرفضها "المبادرة المصرية".
ما لا يراه حكامنا وعسكرنا الانقلابيون أن غزة والضفة والقدس سيعلّموننا أشياء جديدة، مفاجئة، أكثر إشراقاً من استسلام للموت النمطي الذي يدفعوننا إليه. غزة تعلّمنا أن موتنا ينبغي أن يكون على طريقتها في الحياة: باعتدال ونضال من أجل الحياة.
المثير والخطير على موريتانيا التي تعودت منذ 1978 على الانقلابات العسكرية وسيلة للتغيير، أن مبرر الرئيس الجنرال، المنتخب حالياً، لانقلاباته، مبرر صالح للاستخدام من دون تبديل من طرف أي عسكري مغامر انقلابي جديد.
لا يمكن الحديث عن ثورة جديدة، من دون رؤية أن الشعب، عندما قام بثورته، كان يفعلها على الاستبداد، وأيضاً، على الأشكال والقوالب الأيديولوجية السابقة. وكان يريد إبداعاً من القوى السياسية، في صهر وإذابة الفوارق بينها، وصولاً إلى مشروع وطني جامع.
لكي نفهم المشهد العام المتحرك الآن في فلسطين المحتلة، وفي قلب الجماهير العربية المنتفضة، لا بد أن نلاحظ أن واقعة نكبة فلسطين لم تنفصل، أبداً، عن واقع نكبة المواطن العربي في الاستبداد المحلي.
إنه سعي أكيد وصارخ تحت عنوان آمر هو: مت أيها الجمهور، مت حينما لا ترى سوى ما أريك أنا، الحاكم، مت على مقعد فرجتك، وعش وأنت تفضل استقراراً على ثورة محركة، لأن الثورة تعني الفوضى ومقدمة الخراب.