تَحسَبُ أن إيقاعكَ في المشيِ معتدل.. لا هو بالمشي السريع كثيراً ولا هو بالمتمهّل.. قلت أن هذا الإيقاع كنت قد أتيتَ به معكَ من الشام.. تقول هكذا يمشون في الشام.
وحسِبتَ أيضاً أن هذا الإيقاع ذاته، كان قد لازمك منذ أن كنت فتى.. قد بقي معك كل هذه السنين.
ثم هنا في باريس في 2014 مشيتُك المعتدلة تلك، وجدتَها بطيئة شيئاً ما، حين قارنتها بمشّائي المدينة.. قلتَ أن الباريسيين بطبيعة حياتهم مسرعون.. وأن لكل مدينة إيقاعها.. أعدتَ.
بعد سنتينِ، ومع أنك لست مسرعاً لشيء، هكذا دون أن تنتبهَ صرتَ تمشي مسرعاً.. صارت تلك مشيتكَ أنتَ أيضاً. نوعٌ من التكيّف اللاواعي البطيء الخفيّ.. نوع من التمائم التي تقرأها المدن على سكّانها، قلتَ أنها بطريقتها تمزج البشر بروحها الغامضة.
■
ثم مهما أسرعتَ لا تذهبُ بعيداً عن دمشق.
■
بسبب حواجز التفتيش كان وسط دمشق قد خلا من السيارات، أو تقريباً، في 2014. حتى من يركبون عادة السيارات تركوها، لأن المشي أسرع. أصحاب السيارات القاتمة الزجاج الكريهة كأنهم اختفوا.
■
حتى الآن المشّاؤون لا يَحكُمونَ المدينةَ
لكنهم هادئون ومتمهّلونَ ومُصمّمون..
كما لو اكتشفوا أن لا جدوى من المشي السريع
وأن لا شيءَ يُذكَر
كانوا ذاهبين إليه.
■
مساء غريب آخر
... منذ أن مشيتَ لأول مرة في شارع.. لم ترَ يوماً مساءً يشبه مساءً آخر..
*شاعر سوري مقيم في باريس