10 نوفمبر 2024
"الإصلاح الملتبس" أردنياً
عمّقت التعديلات الدستورية الراهنة في الأردن من حالة الغموض والالتباس حول "نيات الدولة" في عملية الانتقال الديمقراطي، وأرخت بحالةٍ من الشك العميق لدى الأوساط السياسية عن اليوم التالي للانتخابات النيابية، المتوقع إجراؤها في الشهور المقبلة.
تبدو المفارقة الجوهرية في تلك التعديلات أنّها توسع من صلاحيات الملك وسلطاته، عبر منحه حق تعيين قائد جهاز الدرك والمجلس القضائي وصلاحيات أخرى، بينما الهدف المعلن منها هو التمهيد لإقامة حكومة نيابية تلي الانتخابات المقبلة.
يفسر المقربون من القصر الملكي في عمّان التعديلات بأنّها من أجل الفصل والوضوح بين صلاحيات الملك والحكومة، منعاً للالتباس الذي حدث في فترات سابقة، عندما تمسّك بعض رؤساء الوزراء بما اعتبروها "ولاية عامة"، ما أحدث أزماتٍ غير معلنة بينهم وبين القصر، والمثال البارز على ذلك عون الخصاونة الذي انتهى الأمر به إلى تقديم استقالته من الخارج، جرّاء تنازع غير معلن للصلاحيات بينه وبين القصر. لذلك، وفقاً لتلك المصادر، يريد الملك أن ينهي أي التباس في هذا الأمر، حتى إذا ما خطت البلاد خطوات أخرى نحو حكومة نيابية، ورئيس وزراء يمثل الأغلبية في مجلس النواب، لا يحدث نزاع سلطات أو صلاحيات بينه وبين القصر.
على الرغم من "ذريعة الوضوح" تلك، فإنّ خطوات التعديلات الدستورية لا يمكن أن تنهي التداخل بين الحكومة والقصر في كل شيء، فالسياسة الخارجية، مثلاً، هي دستورياً من صلاحيات الحكومة، لكنها عملياً من تخصص الملك، والملفات السياسية والأمنية عملياً بيد الملك وأجهزة الأمن، لكنّها دستورياً وشكلياً بيد الحكومة، حتى وإن خرج قرار تعيين مدراء ورؤساء الجيش والأمن والمخابرات وإقالتهم من يد الحكومة إلى الملك بصورة مطلقة، فإنّ نتائج أعمالهم ستسأل عنها الحكومة أمام مجلس النواب الذي لا يملك مساءلة الملك.
جوهر التعديلات الدستورية الحقيقي هو إعادة تعريف للأدوار وتقسيمها، بما يختزل تماماً ويقلص صلاحيات وسلطات أي رئيس وزراء إلى أن يصبح فقط قائماً بأعمال الحكومة، المتعلقة بالأمور اليومية والاقتصادية، وتترك الأمور السيادية والأمنية والخارجية إلى القصر وإلحاق الأجهزة العسكرية والأمنية به مباشرةً، فتصبح مهمة أي حكومة برلمانية قادمة فقط القضايا التنفيذية اليومية، ذات الطابع الاقتصادي والإداري.
هذه هي "الوصفة السحرية" في النموذج المغربي؛ كما يرى سياسيون أردنيون، يرون أنّ الأردن يمكنه محاكاة تلك التجربة. لكن هذه الوصف، في الأردن، من وجهة نظري، تزيد رؤيتنا للمستقبل تعقيداً وحيرة.
معضلة التعديلات الأخيرة، وما تستبطنه من نموذج سياسيّ جديد أنّها تتناقض، أولاً، مع فلسفة النظام السياسي الأردني التي تقوم على ثيمة النيابية الملكية، وحكم الملك عبر حكومته، وعدم مساءلته، بينما تعطيه التعديلات الجديدة مسؤولية مباشرة من دون الحكومة، وهو ما يتنافى مع مفهوم النظام النيابي نفسه.
بالنتيجة، تعيد التعديلات الراهنة والسابقة تعريف النظام السياسي الأردني جذرياً، فهي تجعله أقرب إلى النظام شبه الرئاسي الفرنسي منه إلى النظام النيابي، فلدى الرئيس (الملك في الحالة الأردنية) جزء كبير من الصلاحيات، ولرئيس الوزراء صلاحيات أيضاً، لكن الشخص الأهم في السياسات الخارجية والسيادية هو رئيس الدولة، وليس رئيس الوزراء.
إذا انتقلنا من الجانب النظري إلى العملي في التعديلات الأخيرة، سنواجه المعضلة الثانية، وتتمثل من الخشية بأن تؤدي التعديلات إلى دسترة ضعف الحكومة وتحجيمها دستورياً وسياسياً، من دون أن تؤدي بنا الانتخابات المقبلة إلى حكومة نيابية حقيقية، وإلى مسار انتخابي ديمقراطي أفضل، ما يعني، في المحصلة العملية، مزيداً من صلاحيات للملك مع ضعف الحكومة والبرلمان.
صحيح أن قانون الانتخاب الجديد أفضل من القديم، لكنه لن يؤدي إلى تشكيل أغلبيات نيابية حزبية حقيقية، ولا يسمح بذلك منطقياً، ما يعني أن معضلة ضعف المجالس النيابية ستظل قائمةً، حتى في اليوم التالي للانتخابات المقبلة، مع ضعف الحالة الحزبية أيضاً في الأردن.
أكثر المتفائلين لا يستطيع أن يزعم امتلاكه ضمانات أو شعوراً أكيداً، فيما إذا كنا نسير نحو تعميق الديمقراطية وضبط قواعد اللعبة، أم نحو توريط للملك أكثر في مسؤوليات مباشرة ترفع عنه حجاب الحصانة الدستورية والشعبية.
تبدو المفارقة الجوهرية في تلك التعديلات أنّها توسع من صلاحيات الملك وسلطاته، عبر منحه حق تعيين قائد جهاز الدرك والمجلس القضائي وصلاحيات أخرى، بينما الهدف المعلن منها هو التمهيد لإقامة حكومة نيابية تلي الانتخابات المقبلة.
يفسر المقربون من القصر الملكي في عمّان التعديلات بأنّها من أجل الفصل والوضوح بين صلاحيات الملك والحكومة، منعاً للالتباس الذي حدث في فترات سابقة، عندما تمسّك بعض رؤساء الوزراء بما اعتبروها "ولاية عامة"، ما أحدث أزماتٍ غير معلنة بينهم وبين القصر، والمثال البارز على ذلك عون الخصاونة الذي انتهى الأمر به إلى تقديم استقالته من الخارج، جرّاء تنازع غير معلن للصلاحيات بينه وبين القصر. لذلك، وفقاً لتلك المصادر، يريد الملك أن ينهي أي التباس في هذا الأمر، حتى إذا ما خطت البلاد خطوات أخرى نحو حكومة نيابية، ورئيس وزراء يمثل الأغلبية في مجلس النواب، لا يحدث نزاع سلطات أو صلاحيات بينه وبين القصر.
على الرغم من "ذريعة الوضوح" تلك، فإنّ خطوات التعديلات الدستورية لا يمكن أن تنهي التداخل بين الحكومة والقصر في كل شيء، فالسياسة الخارجية، مثلاً، هي دستورياً من صلاحيات الحكومة، لكنها عملياً من تخصص الملك، والملفات السياسية والأمنية عملياً بيد الملك وأجهزة الأمن، لكنّها دستورياً وشكلياً بيد الحكومة، حتى وإن خرج قرار تعيين مدراء ورؤساء الجيش والأمن والمخابرات وإقالتهم من يد الحكومة إلى الملك بصورة مطلقة، فإنّ نتائج أعمالهم ستسأل عنها الحكومة أمام مجلس النواب الذي لا يملك مساءلة الملك.
جوهر التعديلات الدستورية الحقيقي هو إعادة تعريف للأدوار وتقسيمها، بما يختزل تماماً ويقلص صلاحيات وسلطات أي رئيس وزراء إلى أن يصبح فقط قائماً بأعمال الحكومة، المتعلقة بالأمور اليومية والاقتصادية، وتترك الأمور السيادية والأمنية والخارجية إلى القصر وإلحاق الأجهزة العسكرية والأمنية به مباشرةً، فتصبح مهمة أي حكومة برلمانية قادمة فقط القضايا التنفيذية اليومية، ذات الطابع الاقتصادي والإداري.
هذه هي "الوصفة السحرية" في النموذج المغربي؛ كما يرى سياسيون أردنيون، يرون أنّ الأردن يمكنه محاكاة تلك التجربة. لكن هذه الوصف، في الأردن، من وجهة نظري، تزيد رؤيتنا للمستقبل تعقيداً وحيرة.
معضلة التعديلات الأخيرة، وما تستبطنه من نموذج سياسيّ جديد أنّها تتناقض، أولاً، مع فلسفة النظام السياسي الأردني التي تقوم على ثيمة النيابية الملكية، وحكم الملك عبر حكومته، وعدم مساءلته، بينما تعطيه التعديلات الجديدة مسؤولية مباشرة من دون الحكومة، وهو ما يتنافى مع مفهوم النظام النيابي نفسه.
بالنتيجة، تعيد التعديلات الراهنة والسابقة تعريف النظام السياسي الأردني جذرياً، فهي تجعله أقرب إلى النظام شبه الرئاسي الفرنسي منه إلى النظام النيابي، فلدى الرئيس (الملك في الحالة الأردنية) جزء كبير من الصلاحيات، ولرئيس الوزراء صلاحيات أيضاً، لكن الشخص الأهم في السياسات الخارجية والسيادية هو رئيس الدولة، وليس رئيس الوزراء.
إذا انتقلنا من الجانب النظري إلى العملي في التعديلات الأخيرة، سنواجه المعضلة الثانية، وتتمثل من الخشية بأن تؤدي التعديلات إلى دسترة ضعف الحكومة وتحجيمها دستورياً وسياسياً، من دون أن تؤدي بنا الانتخابات المقبلة إلى حكومة نيابية حقيقية، وإلى مسار انتخابي ديمقراطي أفضل، ما يعني، في المحصلة العملية، مزيداً من صلاحيات للملك مع ضعف الحكومة والبرلمان.
صحيح أن قانون الانتخاب الجديد أفضل من القديم، لكنه لن يؤدي إلى تشكيل أغلبيات نيابية حزبية حقيقية، ولا يسمح بذلك منطقياً، ما يعني أن معضلة ضعف المجالس النيابية ستظل قائمةً، حتى في اليوم التالي للانتخابات المقبلة، مع ضعف الحالة الحزبية أيضاً في الأردن.
أكثر المتفائلين لا يستطيع أن يزعم امتلاكه ضمانات أو شعوراً أكيداً، فيما إذا كنا نسير نحو تعميق الديمقراطية وضبط قواعد اللعبة، أم نحو توريط للملك أكثر في مسؤوليات مباشرة ترفع عنه حجاب الحصانة الدستورية والشعبية.