وقالت مصادر عدة إن الفصائل المكونة لـ"الجيش الوطني" في الشمال السوري ستكون نواة العملية العسكرية المرتقبة، بالإضافة إلى فصائل أخرى من المعارضة السورية. وقال قائد "الجيش الوطني"، العقيد هيثم العفيسي، لـ"العربي الجديد"، إن جميع فصائل "الجيش الوطني" ستكون مشاركة بالعملية، التي ستبدأ "كما هو محدد لها". وحول الموعد المحتمل للعملية، أشار العفيسي إلى أنها ستبدأ خلال فترة قريبة، موضحاً أنها ستكون عملية برية، على غرار عمليتي "درع الفرات" و"غصن الزيتون". وقال مصدر عسكري مطلع، فضل عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن العملية المتوقعة ستمتد من منبج حتى تل أبيض مروراً برأس العين، مشيراً إلى أنها ستشمل مدن منبج في ريف حلب وتل أبيض في الرقة ورأس العين بالحسكة، وستشمل أكثر من 150 مدينة وبلدة شمال شرق سورية. وكشف أنه تم تحضير نحو 20 ألف مقاتل للمشاركة بالعملية العسكرية التي ستقودها تركيا. وأضاف المصدر "من بين فصائل الجيش الوطني المشاركة في العملية، فصائل الغوطة الشرقية، وأبرزها جيش الإسلام وفيلق الرحمن".
في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام تركية أن أنقرة كثفت، خلال اليومين الماضيين، إرسال الشحنات العسكرية من مختلف مناطق البلاد، خصوصاً إلى ولاية كيليس التي وصلت إليها عربات عسكرية انتقلت من ولاية هاتاي. وأوضحت قناة "تي آر تي" أن هذا التحرك يأتي في ظل تدابير أمنية على طول خط الحدود مع سورية، مشيرةً إلى أنه سيتم نشر المركبات العسكرية في المراكز الحدودية، فيما وصلت وحدات من الكوماندوس إلى عدة مواقع على الحدود. ورجحت مصادر عسكرية في "الجيش الحر" أن تكون مدينة تل أبيض الحدودية الهدف الأول للعملية العسكرية المرتقبة، نظراً لخلوها من الوجود الأميركي من جهة، إذ تحرص تركيا على عدم التصادم مع الأميركيين، ولقربها من الحدود من جهة ثانية، ولموقعها الجغرافي المتوسط بين مناطق التوسع المحتملة للعملية العسكرية شرقاً وغرباً من جهة ثالثة. وتخضع تل أبيض لسيطرة "وحدات حماية الشعب" الكردية التي سيطرت عليها في يونيو/حزيران 2015 من تنظيم "داعش"، وتعتبر امتداداً سكانياً وجغرافياً لمدينة أقشا قلعة المقابلة لها في الجانب التركي، إذ يغلب على سكان المدينتين أبناء عشيرة واحدة.
وقالت مصادر محلية خاصة، لـ"العربي الجديد"، إن القوات التركية أزالت الشريط الشائك من منطقة الحدود مع مدينة تل أبيض الحدودية استعداداً كما يبدو للعملية المرتقبة، فيما تجوب طائرات الاستطلاع التركية سماء المنطقة. وأشارت إلى أن هناك حالة ترقب في منطقة شرق الفرات لما ستؤول إليه الأوضاع خلال الأيام المقبلة، في ظل التحذير الأميركي لأنقرة في حال القيام بعملية عسكرية كون المنطقة تحت الحماية الأميركية. وحذّر البنتاغون تركيا من أنّ أيّ هجوم قد تشنّه ضدّ الأكراد سيكون "غير مقبول". وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية، شون روبرتسون، إنّ "إقدام أيّ طرف على عمل عسكري من جانب واحد في شمال شرق سورية، وخصوصاً في منطقة يحتمل وجود طواقم أميركية فيها، هو أمر مقلق للغاية". وأضاف "أيّ عمل من هذا القبيل سنعتبره غير مقبول". وشدد على أن الولايات المتحدة ملتزمة بأمن تركيا الحدودي، لكن المعركة ضد تنظيم "داعش" لم تنته، معتبراً أن "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) تظل شريكاً ملتزماً في التصدي لهذا التنظيم.
وأعلنت "الإدارة الذاتية" في مناطق شمال شرقي سورية النفير العام. واستنكرت "الإدارة الذاتية"، في بيان نشرته وكالة "ANHA" التابعة لها، تهديدات الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وطالبت النظام السوري والمجتمع الدولي بالتدخل الفوري. وقال البيان "ندعو الحكومة السورية أن تتخذ الموقف الرسمي ضد هذا التهديد، لأن أردوغان يريد أن يحتل جزءاً من سورية، وضرب الأمن والاستقرار والعيش المشترك". واعتبر أن "أي عمل عسكري من جانب تركيا "هو إعلان حرب على التحالف الدولي، خصوصاً الولايات المتحدة الأميركية". وتشكلت "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) في أكتوبر/تشرين الأول العام 2015، وهي الذراع العسكرية لـ"الإدارة الذاتية" المعلنة شمال شرقي سورية، وعمادها "وحدات حماية الشعب" الكردية المدعومة من أميركا.
وتعليقاً على الموقف الأميركي، قال القيادي في "الجيش الحر"، العقيد فاتح حسون، إنه ورغم إعلان البنتاغون معارضة واشنطن لأي عمل عسكري من جانب واحد في شمال سورية، إلا أنه "شوهد سحب جنود أميركيين من مناطق العملية العسكرية المتوقعة، وهذا يعني أن الولايات المتحدة، بالرغم من عدم رضاها عن العملية، لا تستطيع إيقافها". ورأى حسون أن الأهداف الاستراتيجية للعملية تنقسم إلى شقين، الأول يهدف لمنع تقسيم سورية من قبل "قوات سورية الديمقراطية" والمحافظة على وحدتها، والثاني حماية الأمن القومي التركي، إذ طالبت أنقرة بإنشاء منطقة عازلة على الحدود منذ العام 2015، وإلحاق الهزيمة بحزب الاتحاد الديمقراطي، فرع حزب العمال الكردستاني في سورية. واعتبر أن محاولات الضغط على تركيا بمسألة عفرين لا طائل منها، إذ إن "أبواب المدينة مفتوحة لعودة جميع أبنائها، ومن يمنع عودتهم هو النظام السوري وقوات سورية الديمقراطية"، مشيراً إلى أن "المصالح بين أنقرة وواشنطن هي أكبر من المصالح بين واشنطن وقوات سورية الديمقراطية".
أما روسيا، فلم تبد موقفاً واضحاً من العملية العسكرية المرتقبة في شرق الفرات. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، في مؤتمر صحافي، أمس الخميس، إن "لدى تركيا مواقفها الخاصة، وهناك بعض المواقف المشتركة بين موسكو وأنقرة في سورية". وأضافت "هذا لا يعني أن كل المواقف مع تركيا متطابقة في كل القضايا، وإنما هناك اختلاف في بعضها، ويحاول الطرفان التقارب" فيها، مشيرة إلى وجود "اتصالات بين روسيا وتركيا بما يخص الأوضاع في سورية وعملية مكافحة الإرهاب، وهناك تعاون بين البلدين في هذا المجال". واعتادت روسيا أخيراً تحميل الولايات المتحدة مسؤولية تردي الأوضاع في شرق الفرات، واستفزاز تركيا للقيام بعملية "غصن الزيتون" في منطقة عفرين مطلع العام الحالي. وقال المحلل السياسي، شادي عبدالله، لـ"العربي الجديد"، إن تسارع وتيرة التحرك التركي جاء بعد إعلان واشنطن، قبل أيام، إقامة نقاط مراقبة أميركية على الحدود السورية مع تركيا، في موقف يهدف كما يبدو إلى الضغط على واشنطن التي تجاهلت طلب أنقرة بالعدول عن إقامة تلك النقاط العسكرية على حدودها. وأعرب عبدالله عن اعتقاده بأن العملية العسكرية المتوقعة لن تكون خلال أيام قليلة، مرجحاً أن إعلان أردوغان عن العملية جاء بهدف توليد ضغط على الأميركيين لتحريك الوضع في منطقة شرق الفرات، بما في ذلك مدينة منبج، التي بات الأتراك يشعرون الآن أنهم يتعرضون للخداع فيها من جانب الأميركيين الذين تنصلوا من وعودهم المتتابعة بإخلائها من المقاتلين الأكراد. ورأى أن تلك المنطقة قد تشهد خلال الأيام المقبلة عمليات قصف مدفعي وتصعيداً في بعض العمليات الخاصة، دون أن يصل الأمر إلى مستوى عملية عسكرية شاملة في هذه المرحلة، وفي حال لم يثمر ذلك عن نتائج مع الأميركيين، فقد يتم الانتقال لاحقاً إلى مستوى جديد من العمليات العسكرية تشمل مناطق محددة، لا وجود للقوات الأميركية فيها.
إلى ذلك، أعلنت إدارة "الشرطة العسكرية" التابعة إلى "الجيش الوطني" الاستنفار ورفع الجاهزية على حواجزها في مناطق ريف حلب الشمالي. وطلبت إدارة "الجيش"، في بيان، "من جميع فروع الشرطة العسكرية في مناطق ريف حلب رفع الجاهزية إلى أقصى درجاتها، والتدقيق الأمني بجميع الآليات حتى إشعار آخر، وذلك بسبب مقتضيات الخدمة وحفظًا للأمن في المنطقة". يأتي ذلك بعد ثلاثة تفجيرات ضربت مدن شمال وشرق حلب، إذ انفجرت سيارة مفخخة في مدينة إعزاز، ودراجة نارية في كل من مدينتي الباب والراعي، ما أدى إلى وقوع قتلى وجرحى، وسط شكوك بأن "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) هي المسؤولة عن إدخال هذه المفخخات.