ترى الولايات المتحدة أن ليبيا يوجد فيها أربعة كيانات منتخبة، وهي المؤتمر الوطني العام، ومجلس النواب الليبي بطبرق شرقي ليبيا، والمجالس البلدية، وهيئة الستين لكتابة الدستور. غير أن الرؤية الأميركية للحلّ تريد إخراج المؤتمر الوطني العام ومجلس النواب من أي معادلة سياسية مقبلة، باعتبار أنهما أعاقا الحوار الذي يقوده الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة برناردينو ليون، من خلال وضعهما شروطا تعجيزية لا يمكن من خلالها الاجتماع والتفاوض والخروج بحلول. إضافة إلى ذلك، فإنه لا يمكن الاعتماد على هيئة الستين لكتابة الدستور، كجسم يمكن أن يتولى قيادة المرحلة الانتقالية الثالثة. ويعود السبب إلى أنها تحتاج فضلاً عن كون أعضاء هيئة الستين لكتابة الدستور منقسمين سياسياً حيال الأزمة الجارية؛ فمنهم من يؤيد مجلس النواب الليبي المنحل بطبرق، ويعتبره الممثل الشرعي، وفي مقدّمة هؤلاء رئيس الهيئة علي الترهوني؛ وأعضاء آخرون يرون أن الشرعية عادت كاملة للمؤتمر الوطني العام، بعد حكم الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا الليبية بعدم دستورية قانون انتخابات مجلس النواب الليبي.
ولم يبق في هذه الحال إلا المجالس البلدية المنتخبة، في عدة مدن ليبية كبرى، كطرابلس ومصراتة والزاوية بغرب ليبيا، وسبها في جنوب ليبيا، وبنغازي والبيضاء وطبرق شرقي ليبيا.
وتضطلع هذه المجالس، حسب قوانين إنشائها بتقديم الخدمات العامة للمواطنين، والاهتمام بالشؤون المحلية للبلديات، ولا يوجد أي مهام سياسية على مستوى الدولة سواء أكانت تشريعية أو تنفيذية يمكن أن تمارسها بموجب القانون.
غير أنّها فكت شيفرة الرسالة الأميركية وبدأت بتفهمها، بحسب متابعين؛ إذ عقدت اجتماعاً يوم السبت الماضي في مدينة سبها جنوبي ليبيا تحت شعار "المصالحة والوفاق الوطني هما السبيل لإنقاذ ليبيا"، وهي تسعى إلى وضع مبادرة وجملة حلول للأزمة الليبية. كما دعت إلى تأسيس مجلس أعلى يمثلها على مستوى ليبيا، وهو ما سيتوافق لاحقاً مع ما قد يسند إليها من دور، إذ من المنتظر في حالة توليها قيادة المرحلة الانتقالية أن تشكل من بين أعضائها مجلساً تشريعياً مصغراً، ومجلساً رئاسياً، وذلك حسب الرؤية الأميركية.
وليس ثمة حلول جاهزة لغاية الآن لحلحلة الأزمة الليبية السياسية والأمنية المشتعلة منذ انطلاق عملية "الكرامة" في السادس عشر من مايو/أيار الماضي، أو حتى لإجبار أطراف النزاع على الجلوس والتفاوض حول آليات الخروج من نفق الحرب الأهلية الذي بات يهدد انهيار الدولة كلية.
بعيداً عن المشروع الأميركي، هناك مقاربتان مختلفتان للحل؛ الأولى ترى ضرورة التدخل العسكري في ليبيا للقضاء على ما تصفه ببؤر الإرهاب والتطرف، بادّعاء أن التطرف بات ينطلق من ليبيا ويهدد الأمن والسلم الدوليين. يضع هذا الاتجاه الذي يتزعمه اللواء المتقاعد خليفة حفتر، التيارات الإسلامية المعتدل منها والمتشدّد في سلة واحدة. ويحظى حفتر بدعم إقليمي سياسي ولوجستي، من خلال توجيه ضربات جوية لمواقع مدنية وعسكرية عدة في شرق وغرب ليبيا.
المقاربة الثانية تنطلق من أن الحل العسكري سيدخل دول الطوق العربي والأفريقي في دوامة من الإرهاب والتطرف. وتتزعم هذا التوجه إقليمياً الجزائر، التي تملك حساباتها الخاصة القائمة على اعتبارات أمنية، وأخرى متعلقة بنفوذها في شمال أفريقيا باعتبارها القوة الأكبر.
ورفضت الدبلوماسية الجزائرية مبادرة دول الساحل الإفريقي الخمس في قمة نواكشوط أخيراً، والتي دعت فيها إلى التدخل العسكري في ليبيا. وبحسب وزير الشؤون المغاربية والأفريقية الجزائري، عبد القادر مساهل، فإن "الليبيين وحدهم من لديهم الأهلية لتحديد أسس ومعالم الحل السياسي بعيداً عن كافة أشكال التدخل الأجنبي"، منبهاً إلى أن "الجزائر سوف تواصل مهمتها من أجل إيجاد حل سياسي للأزمة الليبية، وذلك من خلال مرافقة القوى الحية في ليبيا التي تسعى إلى بلوغ هذا الهدف".
ولا تغفل الجزائر عن الدور الفرنسي الذي يستخدم المؤسسات الإفريقية كمجلس الأمن والسلم الإفريقي التابع للاتحاد الإفريقي كعامل مساند للتدخل العسكري في ليبيا، وتعزيز الحل الفرنسي أمام مجلس الأمن الدولي.
غير أن الجزائر، في المقابل، وقفت عند نقطة رفض التدخل العسكري دون تقديم أي رؤية سياسية شاملة لحل سلمي قائم على جمع الأطراف السياسية الليبية حول طاولة المفاوضات، أو، بحسب رأي آخر يتبناه فريق من المحللين السياسيين، شُلّت يدها عن تقديم مبادرة سياسية، بسبب تدخلات إقليمية مؤيدة لمنطق التدخل العسكري.