على الرغم من الجوار الجغرافي، والتقاطعات التاريخية والعقائدية، فإن تلامس الثقافتين العربية والألبانية يبدو في الحد الأدنى دون أن ينفي ذلك وجود محاولات تقارب من الطرفين، ولعل من أبرز تجلّياها إطلاق أول معجم إلكتروني عربي - ألباني، www.arabisht-shqip.com، مؤخراً في العاصمة الكوسوفية بريشتينا، وقد أشرف على إنجازه الأكاديمي والمترجم الكوسوفي عيسى مميشي الذي سبق له أن أنجز معجماً ورقياً بين اللغتين، صدر في جزأين سنة 2011.
يأتي هذا المعجم ليمدّ جسوراً جديدة بين الثقافتين، ولعل خصوصيات المعاجم الإلكترونية ستحلّ الكثير من الإشكاليات التي كانت تواجه دارسي العربية في البلقان أو دارسي اللغة الألبانية في العالم العربي، على حد سواء.
يشير مميشي، وهو رِئيس القسم الدراسات الشرقية بكلية الآداب بجامعة برشتينا، في حديث إلى "العربي الجديد"، إلى أن "كل دارس ألباني للغة العربية، يجد نفسه أمام معضلة وهي: اختيار المعجم الذي يجب عليه استخدامه لفهم اللغة العربية. وسنجد بأن الإجابة الوحيدة لهذه المعضلة حتى وقت قريب، هي اللجوء إلى أحد المعاجم العربية -الألبانية في نسختها الورقية التقليدية، والتي عادة ما تكون من جهد مؤلف واحد بعينه".
يضيف مميشي أن "استخدام المعاجم ثنائية اللغة في نسختها الورقية بأحجامها الكبيرة، يشكّل تحدياً أمام الدارسين، نظراً إلى ضعف إلمامهم بالتركيب اللغوي للعربية، الأمر الذي يستغرق منهم جهداً ووقتاً طويلين للبحث عن معاني الكلمات العربية والوصول إلى النتيجة المنشودة، بالمقابل يتميّز المعجم الإلكتروني بسهولة الاستخدام والفاعلية".
من أهم الخصائص التي تميز المعجم الإلكتروني العربي - الألباني على المعاجم الورقية، أن نتيجة بحثه توفر عدداً كبيراً من المواضيع المتفرّعة عن جذر الكلمة المطلوبة، الأمر الذي يتيح للباحث إمكانية اختيار المعنى الذي يناسب بحثه أو التوسّع في مجالات بحث متنوعة.
هذا النوع من المعاجم الإلكترونية ثنائية اللغة بات اليوم ضرورة في الثقافتين، ففي بلدان بلقانية، كألبانيا وكوسوفو خصوصاً تأخذ العربية موقعاً أساسياً على خلفية أن الأغلبية السكانية مسلمة في هذين البلدين، وفي الاتجاه المقابل فإن اللغة الألبانية تمثّل مدخلاً أساسياً لثقافات قريبة من نفس القضايا التي تحاول أن تنتصر لها الثقافة العربية مثل تجاوز المركزية الأوروبية وتجديد الصلات الثقافية.
يُذكَر أن مميشي من مواليد 1959، صدر له سابقاً كتاب "قواعد اللغة العربية" (2004)، وترجم من العربية إلى الألبانية: المجلد الرابع من "صحيح البخاري" (1994)، و"كليلة ودمنة" (2008)، و"موسوعة المستشرقين" (2015)، ورواية "القوقعة" (2019) لمصطفى خليفة.