"الناتو" وزيادة الإنفاق العسكري

13 سبتمبر 2014

زعماء دول حلف الأطلسي في قمة نيوبورت بويلز(5 سبتمبر/2014/Getty)

+ الخط -

تصدرت الأزمة الأوكرانية وداعش أجندة قمة الحلف الأطلسي في نيوبورت، الأسبوع الماضي، وحظيتا بعناية خاصة في بيانها الختامي الذي اعتبر سياسة روسيا حيال أوكرانيا تحدياً للحلفاء، له انعكاسات استراتيجية. لكن، على الرغم من انتقاداتهم وتحذيراتهم لروسيا، ورفضهم ضم القرم، وتأكيدهم تعليق كل الأنشطة التعاونية معها، فإن الحلفاء أبقوا على شعرة معاوية مع روسيا، حيث يؤكد البيان على دورها في الضغط على الانفصاليين، شرق أوكرانيا، لإيجاد تسوية سلمية للأزمة. كما أكدوا، مجدداً، على أن منظومة الدفاع الصاروخية (الصواريخ المعترِضة للصواريخ) ليست موجهة ضد روسيا، ولا تمس بقدراتها في مجال الردع الإستراتيجي، وإنما للدفاع عن التهديدات الكامنة القادمة من خارج المنطقة الأور-أطلسية. أما بشأن داعش، يقول الحلفاء "تمثل (الدولة الإسلامية في العراق والشام) المزعومة تهديداً خطيراً لأمن الشعبين، العراقي والسوري، ولمجمل المنطقة ولبلداننا (...) إن هُدد أمن واحد من الحلفاء، فإننا لن نتردد في اتخاذ كل الإجراءات الضرورية لضمان أمننا الجماعي". وكأنهم يرفعون تنظيم داعش إلى مصاف تهديد استراتيجي".

مواضيع أخرى نالت، هي الأخرى الحظ الأوفر من البيان الختامي، منها مسألة تحسين ورفع قدرات "الناتو" العسكرية (من اهتمامات الحلفاء في كل قمة)، لمواجهة مختلف التهديدات. ويمكن التمييز بين شقين فيما يتعلق بتحسين قدرات الحلف. يتوجه الشق الأول لكل من يعتبره "الناتو" تهديداً له، ولكل من تسول له نفسه تهديد دوله الأعضاء، إذ يذكر البيان، أكثر من مرة، المادة الخامسة من ميثاقه التي (تقول بمبدأ الأمن الجماعي، أي اعتداء على دولة عضو في الناتو اعتداء على بقية أعضائه)، حيث ورد فيه أن الحلف يعد كل ما أوتي من قوة، للحفاظ على أمن أراضي دوله وسلامتها، وأنه يحسّن باستمرار قدراته لمواجهة أي تهديد، ناهيك عن العدوان. كما يؤكد البيان، بوضوح وبنبرة حادة، على أن "الحلف سيبقى نووياً ما بقيت الأسلحة النووية"، وأن الترسانة النووية الأطلسية، لا سيما الأميركية، ضمانة عليا لأمن الحلفاء. بيد أنه يقر بأن الظروف التي يمكن فيها تصور استخدام الأسلحة النووية ضعيفة الاحتمال للغاية. فيما تبقى مساهمة الأسلحة التقليدية أساسيةً في ردع تهديدات متنوعة. أما منظومة الدفاع الصاروخية، فهي تكمل دور الأسلحة النووية في الردع، لكن، لا يمكنها أن تحل محلها.

الشق الثاني بيني (أطلسي-أطلسي)، ذلك أن الحلفاء يتحدثون عن ترتيب البيت الأطلسي، وضرورة بذل الجهد للرفع من مخصصاتهم للدفاع، لاسيما مع تعدد التحديات وتنامي التهديدات بمختلف أنواعها، وكذلك تداركاً لنقائص في إمكانات الحلف. وعلى الرغم من أن اقتصاديات الحلفاء تمر بسنوات عجاف، فإن الهواجس الأمنية ألقت بظلالها على قمة "الناتو"، وشكلت فرصة للولايات المتحدة للضغط على حلفائها، لأن رفع الإنفاق العسكري كان دائماً مطلباً أميركياً بالأساس. فمنذ نهاية الحرب الباردة، وميزانيات الدول الأوروبية الأعضاء في الحلف تتراجع، فيما أبقت أميركا على وتيرة مرتفعة لنفقاتها العسكرية، ما جعلها تتحمل الجزء الأكبر من العبء الدفاعي الأطلسي، فإنفاقها العسكري يعادل ثلاثة أضعافه لدول "الناتو" مجتمعة.

والواضح أن أميركا تمكنت من إقناع حلفائها الأوروبيين، في سياق الأزمة الأوكرانية وتهديد داعش، حيث اتفق الحلفاء، كما ورد في البيان الختامي لقمتهم، على عكس الاتجاه السائد، أي الانتقال من وتيرة تخفيض إلى وتيرة رفع للنفقات العسكرية، وعلى الاستخدام الأمثل للموارد المالية المتاحة، والعمل على توزيعٍ متوازن للنفقات والمسؤوليات داخل الحلف. واستباقاً لأي انتقاد لرفع الإنفاق العسكري، في ظل شح الموارد المالية، جاء في البيان أن الأمن الأطلسي مرهون بالمبالغ التي تُخصص له، وبالطريقة التي تُنفق بها (فريضة الأداء الاقتصادي في المجال العسكري).

وجاء في البيان أن الحلفاء يلتزمون حالياً بتعليمات "الناتو" بشأن الحد الأدنى من الإنفاق العسكري، والذي حُدد بـ 2% من الناتج المحلي الإجمالي، وسيستمرون في ذلك. أما الحلفاء الذين يخصصون أقل من ذلك، فسيعدلون عن أي تخفيض لنفقات الدفاع، ويسعون إلى رفعها باضطراد، مع نمو الناتج المحلي الإجمالي، على أن يصلوا إلى مستوى 2% في غضون عشر سنوات، حتى يتسنى رفع القدرات العسكرية للحلفاء. ولا يتوقف الحلف عند حجم الغلاف المالي، بل يحدد، أيضاً، قاعدة لتوزيع الميزانية العسكرية. فالحلفاء الذين يخصصون، حالياً، أكثر من 20% من ميزانياتهم الدفاعية لحيازة العتاد الأساسي، بما في ذلك البحث والتطوير المرتبطين به، سيواصلون على هذا النهج. أما الذين يكرسون لذلك أقل من هذه النسبة، فسيعملون، في السنوات العشر المقبلة، على رفع استثمارهم الدفاعي السنوي إلى 20% من ميزانياتهم الدفاعية.

رفع الإنفاق مسألة في غاية من الأهمية للحلف، لذا، حدد موعداً للمثول لهاتين القاعدتين. هذه هي المبادئ التي تحكم جهود "الناتو" والاتحاد الأوروبي، لدعم القدرات الدفاعية التي يعتبرها الحلفاء متكاملة. نلاحظ، هنا، عمل المجموعة الأور-أطلسية بمنطق الالتزامات بالأرقام (بالنسب المئوية). فكما حدد الاتحاد الأوروبي نسبة 3% من الناتج المحلي الإجمالي حداً أقصى لعجز الميزانية في دوله، حدد الناتو 2% من الناتج المحلي الإجمالي حداً أدنى للإنفاق العسكري لدوله الأعضاء. إنها طريقة صارمة للغاية في التعامل مع الالتزامات البينية التي تخلق سلوكاً انضباطياً، كما تجعل، أيضاً، الأداء الاقتصادي (في حال الاتحاد الأوروبي) والأمني في (في حال الناتو) مهمة جماعية، لا تترك مجالاً للتهرب من المسؤولية.