يعد شعار "تحيا تحيا فلسطين"، من الجمل القليلة باللغة العربية، التي يفهمها جزء واسع من الشباب الفرنسي، خاصة منهم أولئك المائلين سياسيا نحو اليسار. شعار سمعوه وكرروه في المسيرات أو الوقفات أو الحملات أو اللقاءات أو المحاضرات أو ذلك جميعا. وقد شكل هذا الشعار، والحراك الشبابي الذي حمله، عنصرا أساسيا ساهم في دفع البرلمان الفرنسي إلى التصويت لصالح الاعتراف بـ"دولة فلسطين".
وقبل ذلك، انطلقت المسيرات الحاشدة في مختلف المدن الفرنسية، بعد أيام فقط من انطلاق الهجمة الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة، الصيف الماضي، إذ لم يتأخر جزء كبير من الرأي الفرنسي في التعبير عن غضبه، وهو الغضب الذي عبر عنه الآلاف، من مختلف الشرائح العمرية والسياسية.
لم يفصل العدوان الإسرائيلي عن لحظة تصويت البرلمان الفرنسي لصالح الاعتراف بـ"دولة فلسطين" سوى بضعة أشهر، تلك الأشهر التي حتى وإن تقلصت فيها المسيرات إلى أن خبت، إلا أن العمل لم يتوقف، عبر واجهات مختلفة. وحول هذا الأمر قالت السيدة فاني إيسي لـ"جيل العربي الجديد"، وهي المنسقة لاتحاد "الجمعيات الفرنسية من أجل فلسطين"، والذي يجمع نسيجا يضم أربعين جمعية، "إن عمل جمعيات المجتمع المدني المنخرطة في النسيج، متنوع الواجهات، ومنه توعية الرأي العام الفرنسي بفداحة واقع الاحتلال، والمرافعة من أجل الاعتراف بالدولة الفلسطينية، والدعوة إلى مقاطعة المنتجات الإسرائيلية، والتعريف بحالات المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، والتنسيق مع الجمعيات الفلسطينية في الداخل..".
ويقول روبرت كيسوس، السكرتير العام السابق للجمعية الفرنسية الفلسطينية للتضامن: "أكثر المجموعات الحزبية نشاطا من أجل القضية الفلسطينية، هم شبيبة الحزب الشيوعي الفرنسي، إذ تم جمع أكثر من ثلاثين ألف توقيع، يوم السابع والعشرين من نوفمبر/تشرين الثاني، مستبقين حدث تصويت البرلمان الفرنسي، للضغط عليه، وهو ما تم فعلا"، ويضيف المناهض الشهير ضد التطبيع مع الاستعمار الإسرائيلي، أن شباب الحزب الاشتراكي الفرنسي أيضا ينشطون لصالح القضية الفلسطينية، ويمارس هؤلاء الشباب نشاطهم التضامني من خلال جمعيات مختلفة، من بينها الجمعية الفرنسية الفلسطينية للتضامن، والتي تضم أكثر من 5000 مناضل ومناضلة.
أما الشباب المنحدرون من أصول عربية، فلهم أيضا إسهامهم، إذ يميز المراقب حضورهم المرئي في المسيرات والأنشطة المختلفة، خاصة تلك المتزامنة مع تصاعد دوائر العنف الصهيوني في فلسطين، ويتقلص بروزهم فيما عدا ذلك، ولعل تفسير ذلك أنهم غير منتظمين في شبكات سياسية أو مدنية متمايزة عن الآخرين. هذه على الأقل وجهة نظر سمير العاطي حول الموضوع، وهو أحد الشباب العرب الناشطين في التضامن مع فلسطين في فرنسا.
ويقوم سمير مع مجموعة من الشباب ذي الأصول العربية معه، باحتلال الشارع قبل بداية المسيرات المرتقبة، ويجمد أعضاؤها حركتهم في أوضاع ضحايا القصف، في مشهد مفاجئ، وبألبسة هي استعادة للألبسة المقطعة والمدماة للضحايا. ويهدف رفاق سمير، من خلال هذه الحركة، إلى لفت الانتباه لجرائم العدوان الإسرائيلي الممتد على الأراضي الفلسطينية. ويعد هذا نموذجا واحدا من بين الكثير من الأشكال الفنية والإبداعية والاحتجاجية التي يحاول الشباب الفرنسي، ومن ضمنه ذلك المنحدر من خلفيات عربية، أن يلفت بها الرأي العام الفرنسي لدفعه إلى التفاعل مع عدالة القضية.
ويتفق معظم الملتزمين بالتضامن مع القضية الفلسطينية في فرنسا على أن المعركة مستمرة ومتشعبة، وأن أساس تنامي التضامن هو أن فلسطين قضية إنسانية أولاً وأخيراً، تتجاوز الحدود الدينية أو العرقية أو الثقافية.