رغم أنها مستهلكة عربياً، حيث تستعمل كحيلة ترويجية في الغالب، فإن عبارة ملء فراغ في المكتبة العربية لا تزال تحتفظ بمصداقيتها حين يتعلّق الأمر بمجال العمارة، فقد ظلّ هذا المجال بعيداً بعض الشيء عن مجال النشر مقارنة بميادين معرفية أخرى. لعل أحد أسباب هذا النقص هو أن التحصيل المعرفي في مجال العمارة، يتم عبر لغات أخرى وبالتالي يجد المعماري العربي صعوبة في تناول المسائل والقضايا المعمارية بلغته.
تظل الترجمة هي الخيار الذي يمكن أن يساهم في تجسير الفجوة، كما هو الحال مع "القاهرة تواريخ مدينة" كتاب للمعماري والأكاديمي نزار الصياد، صدر مؤخراً عن "المركز القومي للترجمة"، إذ نقله إلى العربية المترجم يعقوب عبد الرحمن.
يتناول العمل الضخم التغيّرات التي جرت على القاهرة لا سيما على الصعيد المعماري، وكيف ولدت كفكرة قبل 1400 سنة قبل الميلاد، ثم التحوّلات التي تعرّضت إليها والتقلّبات التي مرّت بها كمدينة نتيجة للحدث السياسي الذي يتدخّل في الثقافي والاجتماعي والمديني.
من هنا يعود الأستاذ في "جامعة باركلي" الأميركية إلى "ممفيس: أول قاهرة"، وهو الفصل الأول بعد مقدّمة يشرح فيها الكاتب إشكاليات وتحديات وجماليات "الكتابة والقراءة عن القاهرة".
تتوالى الفصول بحيث تغطي الحقب التاريخية بالتدريج؛ "من مصر القديمة إلى بلاد الأقباط، ثم فسطاط مصر أو مدينة العرب المسلمين، ثم يتناول القاهرة كمدينة فاطمية ويتحدّث عنها كقلعة من صلاح الدين حتى شجرة الدر، لينتقل إلى مرحلة القاهرة المملوكية ثم العثمانية، ثم فترة حملة نابليون وصولاً إلى محمد علي.
يُفرد الكاتب فصلاً عن تحديث مدينة القاهرة على يد الخديوي إسماعيل، والنقلة الكبيرة التي حدثت معمارياً وثقافياً واجتماعياً، يلي ذلك قراءة في أثر التحوّل إلى الجمهورية العربية على المدينة ووصف التغيّرات التي حدثت في قاهرة عبد الناصر.
يسمّي الكاتب فصله الأخير بـ "الهروب من الحاضر، واستهلاك الماضي" وهي الفترة التي تلت عبد الناصر وصولاً إلى عام 2009؛ ربما تحتاج القاهرة إلى كتاب خاص عن تاريخها بعد هذا العام حتى اليوم، إذ تعرّضت المدينة ونسيجها الاجتماعي لعدة هزّات سياسية وتردٍ اقتصادي جارف يستدعي قراءة هذه السنوات وحدها.
ينطوي الكتاب على كمية كبيرة من المعلومات التي جمعها المؤلّف من كتب تراثية وشهادات الرحّالة والمستشرقين وحتى الأدب والروايات. كما يتضمّن مجموعة من الصور والخرائط.