19 نوفمبر 2024
"ثورة" دورات المياه
كشف تقرير صادر عن وزارة الصحّة في الأردن، بعد زيارة قرابة مائة مدرسة في العاصمة عمّان، أنّ دورات المياه في أغلب (وأزعم في كلّ) مدارس الحكومة غير صالحة للاستعمال (وأضيف البشري!)، هذا فقط في العاصمة، أي في المدارس التي يفترض أن تكون تحت الرقابة والرعاية، فما بالكم في المحافظات الأخرى؟
بيت القصيد أنّ هذه النتيجة مرّت مرور الكرام على الحكومة الأردنية والمسؤولين والإعلام وكأنّها أمرٌ طبيعي على الحكومة، لأنّ أغلب أبناء المسؤولين الكبار والطبقات الثرية والعليا وأحفادهم لا يواجهون هذه المشكلة، فجميعهم في مدارس خاصة على طراز رفيع من الاهتمام. كما مرت مرور الكرام على المواطنين العاديين، ومن أبناؤهم في مدارس حكومية، لأنّ هذه النتيجة لم تكن بحاجة إلى تقرير، فهم يعاينون ذلك يومياً، وقد مرّوا بهذه التجربة المأساوية في المدارس الحكومية.
لكن لماذا لم يقف عندها المثقفون والسياسيون والمعارضون؟ هذا هو السؤال الذي خطر لي، وأنا أتابع ردود الفعل الشحيحة على الموضوع. والجواب المفترض كان، بالنسبة لي، لأنّ أغلب المثقفين والسياسيين يعتبرون هذا الأمر تافهاً، ثانوياً، ليس من ضمن القضايا الكبرى التي يشغلون أنفسهم بها إقليمياً وداخلياً.
من أجل ذلك كتبتُ مقالاً في صحيفة الغد اليومية الأردنية (صحيفة محلية)، لأقول إنّ هنالك ترابطاً عضوياً بين القضايا الرئيسية اليومية والقضايا الكبرى، يمكن اختصار ذلك بالمسألة الثقافية في العالم العربي.
باختصار: الطفل الذي يقبل أن يتعايش مع دورة مياه قذرة، أو أن يحرم نفسه من حقّه الأساسي في الدخول إليها في حرم مدرسته، على حساب راحته وصورة المدرسة في ذهنه، وشعوره بالسعادة والراحة في يومه، هو (ذلك الطفل) يقبل غداً بالتنازل عن حقوقه الأخرى، وبغياب النظافة في المرافق الحكومية والسياحية، والتصالح مع الخطأ والأخطاء.
لماذا؟ لأنّ معلم المدرسة، الذي كان يشاهد ذلك، وغالباً دورة المياه التي يذهب إليها ليست أفضل حالاً، لم يعلّمه كيف يرفض ذلك، بل علّمه أنّه أمر طبيعي يا بني، ولم لا؟ ستتعايش مع كوارث أخرى كثيرة. وكذلك الحال، مدير المدرسة الذي لم يشعر بأنّ وجود دورات مياه غير صالحة للاستخدام البشري في مدرسته هو كارثة بمعنى الكلمة، ولم يقدّم استقالته، هو نموذج آخر ماثل أمامنا في فشلنا الإداري والثقافي والأخلاقي.
لأنّ التفاعل مع فكرة المقال، على الرغم من خشيتي من عنوانه "دورات المياه أولوية"، كان جيداً ومشجّعاً، وجدتُ نفسي متحمساً لنقله إلى منبر عربي إعلامي آخر، لأنقل هذه الفكرة، فمشكلة دورات المياه في المدارس والمرافق العامة والحكومية والجامعات مشكلة عامة، وترتبط بمسائل القيم والسياسة والأخلاق والثقافة والإدارة، إنّها تكثيف موجز رمزي لأزمتنا الحقيقية في العالم العربي، وللطريق الحقيقية لتغيير الواقع الذي نجد أنفسنا فيه.
أيها السادة؛ نحن بحاجة إلى إعلان ثورة "دورات المياه" في العالم العربي، استئنافا واستمراراً لثورات الربيع الديمقراطي التي عملت الحكومات على الإجهاز عليها، وتحويلها إلى كابوس يومي، من فوضى ودمار وتهجير وتفجير للمجتمعات والأوطان، وتخليق الدواعش والمتطرفين والبلطجية والشبيحة، بذريعة الخشية من المدّ الإسلامي، فإنّنا نعلن أنّ حقنا، في العالم العربي، على الأقل في دورات مياه نظيفة، في المدارس والجامعات والمرافق العامة والسياحية.. إلخ.
دورات مياه قذرة= مسؤول قذر= مجتمع متهاون في حقوقه الأساسية الإنسانية= ثقافة متصالحة مع الخطأ= إدارة فاشلة، وعلى النقيض من ذلك دورات مياه نظيفة= تربية صحيحة= جيل منظّم= إدارة فاعلة= ثقافة متسقة= حياة يومية مريحة.. إلخ.
تبدأ ثورة "دورات المياه" من إعلان الطلاب الاحتجاج، ورفض الدراسة قبل إصلاح دورات المياه وتنظيفها وتأهيلها للاستخدام البشري. إصلاح التعليم يبدأ من أن يفهم الطالب منذ الروضة أنّه لا يجوز أن يتعايش مع دورات مياه قذرة. ومن هنا يبدأ الإصلاح الثقافي والإداري والسياسي.
بالطبع، كي لا تسيئوا فهمي، دورات المياه قدّمتها واحدا من نماذج متعددة، ومسؤوليتها لا تعني فقط الحكومة، بل المجتمع الأهلي، والمواطنين، والقوى السياسية والحزبية، والجميع، لا انفصال بين إصلاح دورات المياه في المدارس وسيادة القانون والمطالبة بحق الشعب في الحرية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية.
بيت القصيد أنّ هذه النتيجة مرّت مرور الكرام على الحكومة الأردنية والمسؤولين والإعلام وكأنّها أمرٌ طبيعي على الحكومة، لأنّ أغلب أبناء المسؤولين الكبار والطبقات الثرية والعليا وأحفادهم لا يواجهون هذه المشكلة، فجميعهم في مدارس خاصة على طراز رفيع من الاهتمام. كما مرت مرور الكرام على المواطنين العاديين، ومن أبناؤهم في مدارس حكومية، لأنّ هذه النتيجة لم تكن بحاجة إلى تقرير، فهم يعاينون ذلك يومياً، وقد مرّوا بهذه التجربة المأساوية في المدارس الحكومية.
لكن لماذا لم يقف عندها المثقفون والسياسيون والمعارضون؟ هذا هو السؤال الذي خطر لي، وأنا أتابع ردود الفعل الشحيحة على الموضوع. والجواب المفترض كان، بالنسبة لي، لأنّ أغلب المثقفين والسياسيين يعتبرون هذا الأمر تافهاً، ثانوياً، ليس من ضمن القضايا الكبرى التي يشغلون أنفسهم بها إقليمياً وداخلياً.
من أجل ذلك كتبتُ مقالاً في صحيفة الغد اليومية الأردنية (صحيفة محلية)، لأقول إنّ هنالك ترابطاً عضوياً بين القضايا الرئيسية اليومية والقضايا الكبرى، يمكن اختصار ذلك بالمسألة الثقافية في العالم العربي.
باختصار: الطفل الذي يقبل أن يتعايش مع دورة مياه قذرة، أو أن يحرم نفسه من حقّه الأساسي في الدخول إليها في حرم مدرسته، على حساب راحته وصورة المدرسة في ذهنه، وشعوره بالسعادة والراحة في يومه، هو (ذلك الطفل) يقبل غداً بالتنازل عن حقوقه الأخرى، وبغياب النظافة في المرافق الحكومية والسياحية، والتصالح مع الخطأ والأخطاء.
لماذا؟ لأنّ معلم المدرسة، الذي كان يشاهد ذلك، وغالباً دورة المياه التي يذهب إليها ليست أفضل حالاً، لم يعلّمه كيف يرفض ذلك، بل علّمه أنّه أمر طبيعي يا بني، ولم لا؟ ستتعايش مع كوارث أخرى كثيرة. وكذلك الحال، مدير المدرسة الذي لم يشعر بأنّ وجود دورات مياه غير صالحة للاستخدام البشري في مدرسته هو كارثة بمعنى الكلمة، ولم يقدّم استقالته، هو نموذج آخر ماثل أمامنا في فشلنا الإداري والثقافي والأخلاقي.
لأنّ التفاعل مع فكرة المقال، على الرغم من خشيتي من عنوانه "دورات المياه أولوية"، كان جيداً ومشجّعاً، وجدتُ نفسي متحمساً لنقله إلى منبر عربي إعلامي آخر، لأنقل هذه الفكرة، فمشكلة دورات المياه في المدارس والمرافق العامة والحكومية والجامعات مشكلة عامة، وترتبط بمسائل القيم والسياسة والأخلاق والثقافة والإدارة، إنّها تكثيف موجز رمزي لأزمتنا الحقيقية في العالم العربي، وللطريق الحقيقية لتغيير الواقع الذي نجد أنفسنا فيه.
أيها السادة؛ نحن بحاجة إلى إعلان ثورة "دورات المياه" في العالم العربي، استئنافا واستمراراً لثورات الربيع الديمقراطي التي عملت الحكومات على الإجهاز عليها، وتحويلها إلى كابوس يومي، من فوضى ودمار وتهجير وتفجير للمجتمعات والأوطان، وتخليق الدواعش والمتطرفين والبلطجية والشبيحة، بذريعة الخشية من المدّ الإسلامي، فإنّنا نعلن أنّ حقنا، في العالم العربي، على الأقل في دورات مياه نظيفة، في المدارس والجامعات والمرافق العامة والسياحية.. إلخ.
دورات مياه قذرة= مسؤول قذر= مجتمع متهاون في حقوقه الأساسية الإنسانية= ثقافة متصالحة مع الخطأ= إدارة فاشلة، وعلى النقيض من ذلك دورات مياه نظيفة= تربية صحيحة= جيل منظّم= إدارة فاعلة= ثقافة متسقة= حياة يومية مريحة.. إلخ.
تبدأ ثورة "دورات المياه" من إعلان الطلاب الاحتجاج، ورفض الدراسة قبل إصلاح دورات المياه وتنظيفها وتأهيلها للاستخدام البشري. إصلاح التعليم يبدأ من أن يفهم الطالب منذ الروضة أنّه لا يجوز أن يتعايش مع دورات مياه قذرة. ومن هنا يبدأ الإصلاح الثقافي والإداري والسياسي.
بالطبع، كي لا تسيئوا فهمي، دورات المياه قدّمتها واحدا من نماذج متعددة، ومسؤوليتها لا تعني فقط الحكومة، بل المجتمع الأهلي، والمواطنين، والقوى السياسية والحزبية، والجميع، لا انفصال بين إصلاح دورات المياه في المدارس وسيادة القانون والمطالبة بحق الشعب في الحرية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية.