خلف سينما "الأهرام" وسط العاصمة السوريَّة دمشق، يقبع شارع شهير يحمل اسم شيكاغو. ظل الشارع مرتعاً لقصص كثيرة متشعبة من حكايا السوريين، وهو شارع فرعي لا يتعدى طوله 150 متراً، لكنه كان مليئاً بمئات الحكايات. وقد سُمِّيَ بهذه التسمية نظراً لتوزع الملاهي والمقاهي على طرفيه، ما جعل الشارع مُكتظّاً بالشباب ممن اعتادوا ارتياد هذه الأماكن. وغالباً كانت تبدأ المعارك والمشاكل بين الشباب في الشارع لأبسط الأسباب، خاصة أن معظم العاملين في تلك المحلات من النساء اللواتي يتمتعن بقدر من الجمال، وهو ما كان ما يؤدي إلى تصادمات ومشاجرات تصل إلى حد القتل في بعض الأحيان. ما جعل هذا الشارع مكاناً لا يخلو من الشغب، في شيء أشبه بمدينة شيكاغو الأميركيّة، المعروفة بعصاباتها وجرائمها.
أغرى هذا الشارع المخرج محمد عبد العزيز، ليقدمَ حكاية طويلة تبدأ في الستينيات وتنتهي بزمننا الحالي، ضمن قالب تشويقي بوليسي يدور حول جريمة يُكتَشَف لغزها فيما بعد. وتنتِج العمل شركة "قبنض" التي تتعامل مع الفنانتين سلاف فواخرجي وأمل عرفة لأول مرة منذ نشأتها. وحرصاً على تجنب التفاصيل السياسية الحرجة للشركة المؤيدة للنظام السوري في مواقفها، فإن النص سيبتعد تماماً عن الحركة السياسية الحساسة التي كانت دائرة في ذاك الوقت الذي شهد الوحدة بين سورية ومصر، إذْ ستكون الأحداث السياسية خلفيةً لقصة المسلسل، وليست محوراً لها.
عبد العزيز الذي كتب النص بالشراكة مع خريجين من قسم الدراسات المسرحية في المعهد العالي للفنون المسرحية، كان قد عانى الأمَرَّين بسبب تعنّت سياسة المؤسسة العامة للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني مع مسلسله "ترجمان الأشواق" الذي خضع لمقص رقابي حاد، جعله يتأجّل موسماً كاملاً ليُعرَض في رمضان 2019، بعد صد ورد وتحوير، وذلك لما يحمله المسلسل من غِنى فكري وثقافي. وإثر ذلك، هجر المخرج الدراما السورية، واتجه نحو الدراما المشتركة، ليقدم في موسم رمضان السابق مسلسل "صانع الأحلام" عن رواية "قصة حلم" الذي لعب بطولته مكسيم خليل. لكن العمل لم يحقق الصدى المرجو بسبب القصة المعقدة المليئة بالرموز والمكثفة بأحداثها الدقيقة. كما لم يسلم فيلمه "حرائق" من المقص الرقابي، قبل عرضه في القاعات السينمائية السورية، بعد أن جال على دول عديدة، ونال عدة جوائز، ليستقرَّ أخيراً في دمشق. اليوم، يتعامل المخرج مع شركة معروفة التوجه وصاحبها هو محمد قبنض، العضو في مجلس الشعب، في محاولةٍ منه لكسب الفرص في تقديم دراما سورية تليق به وبالمجتمع السوري، ولو بشروط سياسيَّة مجحفة، وذلك حرصاً على دراما يحاول الكثيرون إجهاضها وتهميشها.
"شارع شيكاغو" سيجول في حكايات جديدة من أزقّة دمشقية قديمة احتوت مجتمعاً كاملاً، جادلَ وناقشَ وعبّر في زمن كان التعبير فيه عند المواطن السوري حقاً من الحقوق التي لا تُقابَل بالرصاص. فهل يستطيع محمد عبد العزيز هذه المرة المشي بمحاذاة الوجع السوري وتجنب الغرق في تفاصيل سياسية كما يحب ويهوى عادةً، من خلال سرد حكاية لطيفة تنأى بنفسها عن الواقع السوري المُعاش؟ أم سيأخذ المشاهد إلى تفكير آخر ليستطيع الصمود في مهب الريح الرقابية الهائجة؟