11 ابريل 2024
"قسد" خيار أميركا المفضّل في سورية
تبدو الجملة التي أطلقها وزير الدفاع الأميركي، جيمس ماتيس، قطعيّة الدلالة في ما خص بقاء القوات الأميركية في المرحلة التي تلي الإجهاز على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، فقوله على نحو ما نقلته صحيفة واشنطن بوست "لن نغادر مباشرة قبل التوصل إلى تسوية بين النظام والمعارضة" يشي بتوفر خطّة أميركية غير معلن عن تفاصيلها، لجهة البقاء في سورية، في المرحلة التي تلي الإجهاز على "داعش" بشكل مبرم.
يلقى الحضور الأميركي عبر التحالف الدولي لمحاربة "داعش" قبولاً في الشمال السوري، إذ لا توجد أي قوة تعترض على هذا الوجود أو ترفضه، لاسيّما وأن قوات سورية الديمقراطية (قسد) توفّر الأرضية الملائمة لبقاء القوات الأميركية، حيث أن هذه القوات باتت تحتكر الحق الحصريّ في مسألة التعاون مع أميركا وقوات التحالف في مجال مكافحة الإرهاب، والذي قد يمتد إلى مجالات أخرى.
لا تدلّ المؤشرات الأوليّة إلى رغبة الولايات المتحدة في الانسحاب من موقعها المريح في سورية، والبالغ التأثير على مستقبل الحكم المقبل وشكله، بل وفي خطوة غير مسبوقةٍ، صرّح مسؤولون أميركيون إن أعداد العسكريين والمستشارين والمدرّبين ستصل إلى ألفي جندي أميركي، في حين كان العدد السابق والمعتمد هو خمسمائة عسكريّ. ويأتي هذا الكشف الأميركي لعديد القوات العاملة إلى طبيعة برنامج حصر القوات، وإحصائها بدقّة، والمعروف باسم "فورس ماندجمنت ليفل" الذي سبق لإدارة الرئيس السابق، باراك أوباما، أن اتبعته في العراق وسورية، بغية مراقبة القوات الأميركية العاملة خارج الأراضي الأميركية.
يعزّز من فرضية بقاء القوات الأميركية في سورية قلّة الأكلاف التي تتكبّدها الولايات المتحدة،
فالكلفة المادية ليست ذات أثر بالغ، والبشرية تكاد تكون معدومة، والحديث هنا عن "صفر قتيل أميركي" في سورية، منذ بدء حملة التحالف الدولي ضد "داعش"، يؤكّد صواب القول القائل إن أميركا وحلفاءها عازمون على البقاء في المناطق التي انتزعوها من تنظيم داعش، بالاعتماد على "قسد" في ظل انعدام وجود أي قوة ترغمهما على الانسحاب، هذا فضلاً عن الهمس الذي بدأ يتعالى داخل الإدارة الأميركية حول خطأ الانسحاب من دون تعزيز دور السكّان المحليين في حكم المناطق الخارجة عن سيطرة "داعش"، والتي باتت إيران عبر مليشياتها المذهبية تملؤها تباعاً. ويؤكّد المشهد العراقي ما بعد "داعش" صحة هذا الزعم الأميركي، وإن كان وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، قد قلّل، في وقت سابق، من شأن إيران، عبر وصفه إياها بـ "المتطفّلة" في معرض وصفه مزاعمها بمحاربة تنظيم داعش، إلا أنه أكّد بأن إيران هي "الطرف المستفيد" في سورية.
يمكن قراءة هذا التطوّر في التصريحات الرسمية الأميركية بأنها في باب ما ترمي إلى فرض حضورها مجدّداً، بعد أن أنشأت روسيا حلفاً جديداً جامعاً لما يمكن أن تسميه حلف الأضداد الإقليميين، حيث إيران وتركيا في صفٍّ واحد، وإن كان الاختلاف ماثلاً في تصوّرات هاتين القوتين، لجهة تفسير الأزمة وشكل الحل. إلى ذلك، تسعى تركيا إلى الابتعاد عن المنهج الذي رسمته الحكومة التركية بداية الثورة السورية، والمتمثل بخيار إسقاط نظام بشار الأسد، واستبداله بإسقاط مشروع حزب الاتحاد الديمقراطي، الشريك الرسمي، بل المؤسس الفعلي لقوات سورية الديمقراطية (قسد) وعقله المدبّر. وفي إزاء ذلك، تسعى إيران إلى إيجاد ربط جغرافي مكين بين الأراضي العراقية والسورية، وتمنح هذه الأمور وسواها دور روسيا تقدّماً على غريمه الأميركي، ونقطة إضافية تحسب لصالح روسيا التي أجادت ربط الفاعلين في المشهد السوري بعضهم إلى بعض، عبر لعبة التنازلات المتبادلة للأطراف، والتي قد تتضافر أكثر في مؤتمر سوتشي للحوار، الذي تتهدّده منغّصاتٌ من قبيل حضور حزب الاتحاد الديمقراطي، الواجهة السياسية لوحدات حماية الشعب (الكردية) ما يزيد من إحجام تركيا التي ما فتئت أن هجرت حليفها الأميركي الذي تقرّب وشد من أزر وحدات حماية الشعب و"قسد". وبالتالي، قد تشكّل مسألة حضور غريم تركيا في مؤتمرٍ كهذا بدايةً لخلافٍ مقبل بين روسيا وتركيا، لكن الخلاف المتوقّع هذا لن يعيد تركيا إلى أميركا التي يبدو أنها حسمت موقفها الداعم لـ "قسد".
تشد هذه التحركّات الروسية التركية الإيرانية المشتركة من عصب أميركا، وتضعها أمام سياسةٍ عمادها الإصرار على دعم "قسد" في ظل غياب شركاء فعليين يدعمون السياسة الأميركية في المنطقة، بالتالي البقاء في سورية إلى أن تتم التسوية السياسية الكبرى.
لا تعمد الولايات المتحدة إلى إنشاء كيان كردي في سورية على غرار كردستان العراق، إلّا
أنها في ظل عملية التفاضل داخل سورية لا تجد طرفاً أكثر ثقة في التعامل، وكذلك ثقلاً بقدر "قسد" بتكوينه الكردي - العربي الحالي. إلى ذلك تعرف "قسد" ومن خلفها الاتحاد الديمقراطي أن أميركا لن تقدم على خطوات "صفرية"، بمعنى أن تتركها في مرمى نيران تركيا والنظام وإيران وأظافرها الناشبة في جسد سورية. وقد يمكن قول إن أفضل ما تقدّمه أميركا للأكراد و"قسد"، وكذا أفضل ما يمكن أن يتوقعه الأكراد هو أن تمنح أميركا الأكراد فرصة أن يكونوا جزءاً من العملية السياسية المقبلة، وأن يمنحوا فرصتهم في الحضور الدولي والإقليمي، باعتبارها قوى ساهمت في دحر "داعش" وقوة مكافئة للنظام السوري.
في الأفق، لا يبدو أن القوات الأميركية ستتخلى عن حليفتها "قسد"، لأنها ليست مقبلة على الانسحاب في المرحلة التي تلي هزيمة "داعش" المبرمة؛ فقد يخفّ عديد القوات الأميركية العاملة على الأرض، أو قد يزداد في شكلٍ طفيف، إلا أنه من المستبعد أن نتصور الأميركان وقد تركوا الحبل على الغارب، بالشكل الذي يسمح لإيران أن تشكّل إمبراطوريتها الإقليمية، أو بالشكل الذي يسمح لتركيا بأن تجنح أكثر في مسيرة مشاكسة مصالح أميركا في المنطقة، وتبديل تحالفاتها كيفما تشاء، وأيضاً ليس في مصلحة أميركا أن تهب سورية الهشّة هذه إلى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وبالتالي تطويبه مالكاً حصرياً لواحدةٍ من أهم المناطق في شرق المتوسط.
يلقى الحضور الأميركي عبر التحالف الدولي لمحاربة "داعش" قبولاً في الشمال السوري، إذ لا توجد أي قوة تعترض على هذا الوجود أو ترفضه، لاسيّما وأن قوات سورية الديمقراطية (قسد) توفّر الأرضية الملائمة لبقاء القوات الأميركية، حيث أن هذه القوات باتت تحتكر الحق الحصريّ في مسألة التعاون مع أميركا وقوات التحالف في مجال مكافحة الإرهاب، والذي قد يمتد إلى مجالات أخرى.
لا تدلّ المؤشرات الأوليّة إلى رغبة الولايات المتحدة في الانسحاب من موقعها المريح في سورية، والبالغ التأثير على مستقبل الحكم المقبل وشكله، بل وفي خطوة غير مسبوقةٍ، صرّح مسؤولون أميركيون إن أعداد العسكريين والمستشارين والمدرّبين ستصل إلى ألفي جندي أميركي، في حين كان العدد السابق والمعتمد هو خمسمائة عسكريّ. ويأتي هذا الكشف الأميركي لعديد القوات العاملة إلى طبيعة برنامج حصر القوات، وإحصائها بدقّة، والمعروف باسم "فورس ماندجمنت ليفل" الذي سبق لإدارة الرئيس السابق، باراك أوباما، أن اتبعته في العراق وسورية، بغية مراقبة القوات الأميركية العاملة خارج الأراضي الأميركية.
يعزّز من فرضية بقاء القوات الأميركية في سورية قلّة الأكلاف التي تتكبّدها الولايات المتحدة،
يمكن قراءة هذا التطوّر في التصريحات الرسمية الأميركية بأنها في باب ما ترمي إلى فرض حضورها مجدّداً، بعد أن أنشأت روسيا حلفاً جديداً جامعاً لما يمكن أن تسميه حلف الأضداد الإقليميين، حيث إيران وتركيا في صفٍّ واحد، وإن كان الاختلاف ماثلاً في تصوّرات هاتين القوتين، لجهة تفسير الأزمة وشكل الحل. إلى ذلك، تسعى تركيا إلى الابتعاد عن المنهج الذي رسمته الحكومة التركية بداية الثورة السورية، والمتمثل بخيار إسقاط نظام بشار الأسد، واستبداله بإسقاط مشروع حزب الاتحاد الديمقراطي، الشريك الرسمي، بل المؤسس الفعلي لقوات سورية الديمقراطية (قسد) وعقله المدبّر. وفي إزاء ذلك، تسعى إيران إلى إيجاد ربط جغرافي مكين بين الأراضي العراقية والسورية، وتمنح هذه الأمور وسواها دور روسيا تقدّماً على غريمه الأميركي، ونقطة إضافية تحسب لصالح روسيا التي أجادت ربط الفاعلين في المشهد السوري بعضهم إلى بعض، عبر لعبة التنازلات المتبادلة للأطراف، والتي قد تتضافر أكثر في مؤتمر سوتشي للحوار، الذي تتهدّده منغّصاتٌ من قبيل حضور حزب الاتحاد الديمقراطي، الواجهة السياسية لوحدات حماية الشعب (الكردية) ما يزيد من إحجام تركيا التي ما فتئت أن هجرت حليفها الأميركي الذي تقرّب وشد من أزر وحدات حماية الشعب و"قسد". وبالتالي، قد تشكّل مسألة حضور غريم تركيا في مؤتمرٍ كهذا بدايةً لخلافٍ مقبل بين روسيا وتركيا، لكن الخلاف المتوقّع هذا لن يعيد تركيا إلى أميركا التي يبدو أنها حسمت موقفها الداعم لـ "قسد".
تشد هذه التحركّات الروسية التركية الإيرانية المشتركة من عصب أميركا، وتضعها أمام سياسةٍ عمادها الإصرار على دعم "قسد" في ظل غياب شركاء فعليين يدعمون السياسة الأميركية في المنطقة، بالتالي البقاء في سورية إلى أن تتم التسوية السياسية الكبرى.
لا تعمد الولايات المتحدة إلى إنشاء كيان كردي في سورية على غرار كردستان العراق، إلّا
في الأفق، لا يبدو أن القوات الأميركية ستتخلى عن حليفتها "قسد"، لأنها ليست مقبلة على الانسحاب في المرحلة التي تلي هزيمة "داعش" المبرمة؛ فقد يخفّ عديد القوات الأميركية العاملة على الأرض، أو قد يزداد في شكلٍ طفيف، إلا أنه من المستبعد أن نتصور الأميركان وقد تركوا الحبل على الغارب، بالشكل الذي يسمح لإيران أن تشكّل إمبراطوريتها الإقليمية، أو بالشكل الذي يسمح لتركيا بأن تجنح أكثر في مسيرة مشاكسة مصالح أميركا في المنطقة، وتبديل تحالفاتها كيفما تشاء، وأيضاً ليس في مصلحة أميركا أن تهب سورية الهشّة هذه إلى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وبالتالي تطويبه مالكاً حصرياً لواحدةٍ من أهم المناطق في شرق المتوسط.
مقالات أخرى
19 فبراير 2023
10 ابريل 2022
17 فبراير 2022