تفيد مقولة قديمة بأنّه "لا يمكن تصديق كل ما تقرأه". مع ذلك، يرى العديد من الخبراء في مجال علم النفس أن ما يُنشر على "فيسبوك" يعكس شخصيّة صاحبه. وبحسب دراسة أصدرتها جامعة "برونيل" في لندن، فإن الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي إمّا يعانون من نقص في تقدير الذات، أو أنهم نرجسيّون. وإن كانت المعالجة النفسية جاكلين بلوميز تشدد على أن مشاركة بعض المواقف على "فيسبوك" هو أمر عادي، كأن تقول امرأة: "فاجأني زوجي بالأزهار"، أو "أنا فخورة جداً بابنتي"، أو غيرها، إلا أنها في الوقت نفسه تلخّص حاجة هذا الشخص، وفي هذه الحالة المرأة، إلى الاهتمام.
ويقول الأستاذ في علم نفس العمل، توماس كامورو بريموذيك، إن كثيرين يلجؤون إلى "فيسبوك" لأنهم غير راضين عن حياتهم العاطفية. ليس لدى البعض شريك، أو أنهم أقاموا علاقة فاشلة، أو غير ذلك. من هنا، يتحول "فيسبوك" إلى تعويض. من جهة أخرى، يشير إلى أن "فيسبوك" يؤكد وجود نرجسيّين كثر، أما أولئك الذين يرغبون في جذب الآخرين، فيبالغون في استعراض مواقفهم، بهدف الدلالة على شخصيّاتهم.
هذا "الإدمان" على صور ومواقف وآراء وتحليلات قد لا يعكس بالضرورة رغبة جمع أكبر كمّ ممكن من المعلومات. ومن دون أن ندري، نحلّل الكلمات والصور وسبب نشرها وتوقيتها وحجم التفاعل معها ونصير قادرين على كتابة قصص بأكملها. وأحياناً، نختار التفاعل ليس إعجاباً بما قرأناه أو رأيناه، بل رغبة في القول إننا موجودون في جميع التفاصيل، أكانت تعنينا أم لا تعنينا.
صورة فتاة أو امرأة لا بدّ أن تثير إعجاب كثيرين. "لايك" أو "لاف" (حب)، والكثير منها يجعلها أكثر ثقة بنفسها. الناس على مواقع التواصل الاجتماعي وفي الحياة في بحث دائم عن ثقة وإثبات ذات وعاطفة وإنجازات وغيرها. يحدث هذا على الجدران العلنية. وفي الداخل، قد يعمد آخرون إلى الإطالة في الحديث عن جمالٍ، اختارت صاحبته أن يظهر في أفضل صورة. ولا ينحصر الأمر بفتاة أو امرأة. بل إن الرجل لا تنقصه الرغبة نفسها وإن كان لا يعترف بذلك. وهو مثلها، يحتاج إلى "لايك" و"لاف" وما هو أكثر من جدران علنية.
هو السعي إلى إيصال رسائل واستبدال حياة لم نعد نملك الوقت لعيشها، وإن كان لا يمكن للبديل أن يصير "أصلاً". أو ربما هي محاولة لبناء إمبراطورية من أشخاص محبّين ومعجبين لا نراهم بالضرورة، لكن لا يبخلون علينا بتعليقات جميلة. هذه الإمبراطورية هي امتداد لـ "أنا"، لا يمكن أن تكتمل في أنفسنا. وإذا ما حدث ذلك، فهذا يعني أننا محظوظون بسلام داخلي قلّ تحقّقه، وربّما يسهل علينا الانسحاب من "فيسبوك"، مع غمزة.