تعتبر نظرية "جماليات التلقّي" للمفكر الألماني هانس روبرت ياوس من بين أبرز المنعطفات المعرفية في القرن العشرين، وقد تدعّم موقعها مع التطويرات التي عرفتها النظرية - خصوصا في ما يتعلق بممارسات القراءة - من خلال أعمال باحثين لاحقين مثل الإيطالي أومبرتو إيكو والفرنسي فانسان جوف.
تطبيق نظريات القراءة الحديثة قد يكون مدخلاً مهماً للغاية لتناول إشكاليات الثقافة العربية اليوم، وهو ما قدّمته الباحثة والكاتبة المصرية هدى توفيق في عملها الصادر مؤخراً عن منشورات "يسطرون" بعنوان "ناصية القراءة: قراءات ثقافية في الأدب العربي".
يحتوي العمل على عشرين "قراءة" ضمن مجالات عديدة مثل الرواية، والقصة القصيرة، والقصة القصيرة جداً، والشعر، وهو ما يشير إلى أن تناول النصوص عبر نظريات التلقي عابر للأجناس، وأن هذ المنهج يتيح زوايا نظر قد لا تعالجها المنهجيات المكرّسة في تناول الأدب مثل المنهج النفسي ودراسة الزمن والشخصيات والحبكة والمعجم المعتمد.
تنطلق المؤلفة من تحليل مفهوم القراءة، مبيّنة فروقاته بين القراءة الانطباعية والقراءة الثقافية، كما تبرز الفوارق بين القرّاء ومن خلال ذلك مواقعهم الجديدة ضمن البيئة الثقافية، حيث تظهر شرائح كثيرة من القرّاء أبرزها شريحة النقاد، وهم من ينتجون نصوصاً جديدة حول النصوص الأصلية قد تؤثّر في تلقي قرّاء من شرائح أخرى منها القارئ العابر والقارئ ذو الذائقة الأدبية والقارئ من أجل متعة القراءة أو من أجل المتابعة المعرفية.
تؤكّد المؤلفة على أهمية القارئ اليوم ومحوريته في العملية الإبداعية، حيث أنه في حال كان صاحب دراية ثقافية فهو يمثّل "نصف العمل الإبداعي". ترى توفيق أن هذا الدور يجري تفعيله من خلال متعة القراءة ولذة تفحّص الجوانب الإبداعية والخلاقة التي تكون متوفرة عادة في النص الأدبي، حيث أن هذه العناصر التي يلتقطها القارئ هي ما يؤمّن للنص أدبيته.
يُذكر أن توفيق تكتب هذه الدراسات وقد سبقتها إنتاجات سردية كثيرة، منها: "عن عاقر وأحول" و"كهف البطء"، و"مذاق الدهشة" في القصة، ومن رواياتها: "بيوت بيضاء" و"المريض العربي".