"الحي بيلاقي"، مثل سوداني يدل على أن اللقاء بين الناس ممكن مهما باعدتهم الظروف والسنوات وفرقتهم الأماكن، طالما أن أطراف اللقاء ما زالوا على قيد الحياة.
انطبق المثل تماماً على السودانية، آسيا عبد الهادي، وإخوتها غير الأشقاء، الذين التقوا بعد 73 عاماً من الفراق. لم يكن أحدهم يعلم شيئاً عن الآخر سوى اسمه، وظلوا يبحثون عن بعضهم بعضاً طوال تلك السنوات، إلى أن أفلحت التكنولوجيا في جمع شملهم.
عبر صفحة "بسأل من زول" على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، التي تهتم بلم شمل الأقارب والأصدقاء، التقت آسيا بإخوتها غير الاشقاء وبأسرتها من والدها بعد أن فقدت الأمل في لقائهم، رغم استمرارها في الدعاء أن يجمعها الله بهم يوماً ما.
وافترقت آسيا عن إخوتها منذ أن كانت طفلة صغيرة، إثر خلاف بين والديها، فحملتها والدتها وعادت بها إلى مسقط رأسها، وعمدت على إخفاء نفسها وابنتها الصغيرة خوفاً من إقدام طليقها على انتزاع طفلتها منها.
كبرت آسيا في منزل أسرة والدتها، ونشأت وهي تعتقد أن خالها (شقيق والدتها) هو والدها، إلى أن اكتشفت حقيقة والدها وعائلتها مصادفة، بعد وفاة والدتها وهي في سن الثانية عشرة.
وتقول آسيا التي تبلغ من العمر 73 عاماً لـ"العربي الجديد": "بالصدفة علمت من إحداهن أن والدي الحقيقي ليس من كنت أعتقد، ومن كنت أناديه أبي هو خالي، وإن لي عمات، أي شقيقات والدي، ومن كنت أناديهم عماتي هم في الحقيقة خالاتي".
وتضيف "ظللت أسأل عن عائلتي دون فائدة، وبعد أن تزوجت وأنجبت تولى ابني الكبير المهمة، وبدأ رحلة البحث في مسقط رأس والدي، لكنهم كانوا قد غادروا المكان لجهة غير معلومة، ولم ينجح في الوصول إليهم لسنوات عدة". وتتابع "كنت أدعو الله دائماً في كل صلاة إن كان لي "قطعة لحم" (أحياء) من عائلتي على قيد الحياة أن يجمعني بهم".
بالدموع والزغاريد استقبلت آسيا إخوتها، وسجدت شاكرة ربها فور وصولهم. واستقبلتهم عند مدخل بيتها غير مصدقة أنها بعد كل تلك السنوات ظهر لها إخوة وعائلة ممتدة من جهة والدها، الذي لم تتعرف على ملامحه، لتبدأ مشوار التعرف عليه وعلى طفولة إخوتها من الصور.
وتقول آسيا "حتى الآن، لا أستطيع استيعاب ما حصل، وإنني أصبحت الآن بين عائلتي وإخوتي. عندما جاؤوا لمقابلتي بعد أن نجحت صفحة "بسأل من زول" في جمعنا، كانت روحي خارج جسدي ولم أتمالك نفسي".
ما إن علمت عائلة آسيا بمكان تواجدها في مدينة كسلا في شرق السودان على بعد 480 كلم من الخرطوم، حتى خفوا للقائها تسبقهم حرارة الشوق للأخت الكبرى التي ظلوا يبحثون عنها سنوات طويلة، ولم تحبطهم السنون أو تقلل من عزمهم في العثور عليها.
وتوضح محاسن عبد الهادي، الأخت الصغرى لآسيا، أنها لم تفقد الأمل في إيجاد أختها، وظلت تلاحق كل معارفها من مدينة كسلا حتى من كانت تقابلهم مصادفة علها تلقى لديهم أي خبر أو معلومة تساعدها في الوصول إلى أختها.
وتؤكد أن افتقارها للمعلومات كان العائق الأكبر أمامها، خصوصاً أنها لم تكن تعلم عنها سوى اسمها، وإن مسقط رأس والدتها هي مدينة كسلا، دون تحديد منطقة بعينها.
وتضيف "نجحت بمعاونة صديقة لي في رفع بوست على صفحة "بسأل من زول" على فيسبوك، أطلب فيه المساعدة للقاء أختي، وبفضل عضويتي في تلك الصفحة تمكنت من الوصول لأختي".
وتشرح أنه "كان من ضمن عضوية المجموعة أحد العاملين في السجل المدني بكسلا، تمكن من الوصول إلى الرقم الوطني الخاص بآسيا، ومن خلاله وصل لعنوان منزلها، وأمدنا برقم تلفونها للتواصل، وبعد تطابق المعلومات والأسماء تأكدنا أنها أختنا التي ظللنا نبحث عنها كل تلك السنوات". وأكدت أنها سعيدة جداً بالخطوة، وقالت: "إحساسنا الآن لا يوصف، والفرحة تملؤنا".