يؤكد رئيس حزب "الوسط" المصري، أبو العلا ماضي، أن المشهد السياسي المصري الراهن بالغ التعقيد والخطورة، مشدداً في حواره مع "العربي الجديد"، على ضرورة التوصّل لحلّ سياسي شامل لمنع وصول الأوضاع إلى مرحلة الانفجار بسبب حالة الاحتقان المتزايدة بين مختلف الفئات المصرية. ماضي الذي قرّر التحدث في أول حوار صحافي له منذ خروجه من السجن، في أغسطس/آب الماضي، بعد حوالي عامين قضاهما بسجن طره، يكشف بعض كواليس الأيام الأخيرة في حكم الرئيس المعزول محمد مرسي، إذ كان فيها أحد المقرّبين من دوائر صناعة القرار. كما يتحدث ماضي عن تجربة حزب "الوسط" بعدما قرر الانشقاق عن جماعة "الإخوان المسلمين" وإعلان تأسيس الحزب عام 1996 قبل أن يتم إشهاره رسمياً، كأول حزب يحصل على ترخيص رسمي عقب ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011. ويوضح موقفه فيما يتعلق بمسألة الفصل الوظيفي بين العملين الدعوي، والحزبي، متطرقاً في ذلك إلى تجربة "حركة النهضة" التونسية والشيخ راشد الغنوشي، كما يتطرّق أيضاً إلى حزب "العدالة والتنمية" التركي وآخر التطورات التي شهدها.
بالغ التعقيد وشديد الخطورة، فنحن لدينا مشكلات كثيرة سياسية واقتصادية، وكذلك على مستوى الحريات وحقوق الإنسان، بالإضافة لمشكلات على المستوى الإقليمي، ومشكلات متعلقة بالعلاقات الدولية على مستوى بعض الملفات.
* كيف ترى السبيل للخروج من هذا المشهد المتأزم؟
المدخل الأساسي هو السياسة، وواضح أننا نعاني من موت السياسة بالفعل، وحتى المشكلة الاقتصادية الضخمة مدخلها الوحيد هو الحلّ السياسي، فلا يمكن أن يكون هناك اقتراب ومعالجة إلا بحلّ سياسي شامل. ولأن كلمة "المصالحة"، أصبحت مبتذلة، فالأفضل استبدالها بكلمة: الحلّ السياسي الشامل. وهي تعني مصالحة شاملة، لأنه في بعض الأحيان عندما نقول مصالحة، يتبادر لذهن البعض أنها بين التيار الإسلامي والسلطة الحالية. وهذا اختزال لمشهد أكثر تعقيداً في ظل أزمة مع قطاعات عديدة، وقوى أخرى بدأت تشعر بتغييبها عن المشهد وإقصائها وعدم تحمّلها، سواء كانت قوى سياسية أو نقابية. فضلاً عن وجود أزمات متعلقة بحرية الإعلام والصحافة، والاجتماع والتظاهر. بالتالي إن الحوار يجب أن يتّسع للجميع، ولا مخرج لما نحن فيه إلا بحلّ سياسي شامل.
* الفترة الماضية شهدت مطالبة البعض بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، بدءاً من رئيس حزب "مصر القوية" عبد المنعم أبو الفتوح، وانتهاءً ببعض شركاء النظام الحالي في 30 يونيو/حزيران 2013، مثل ممدوح حمزة هل تتفق مع تلك الدعوات؟
من حقّ الناس أن تدعو لما تشاء ولما تراه، ولكن إذا لم تكن مثل هذه التفاصيل مرتبطة بسياق أشمل وأوسع، فستظلّ في سياق ضغوط تُمَارَس لتغيير الوضع فقط. ولكن الحلّ لا بد أن يكون مكتملاً على أساس ماهية الوضع السياسي الراهن، وما مدى الحريات الموجودة ومدى مشاركة الناس، ومدى إجراء عملية انتخابية مكتملة الأركان وتتم بنزاهة. إن الموضوع ليس فقط مجرد إجراء انتخابات، بل يجب أن يكون هناك سياق طبيعي، ويجب أن يكون هناك توافق من أغلب الأطراف الرئيسية على هذا السياق. في البداية لا بد من أن يكون هناك اتفاق بأننا نعاني من مشكلة، ثم أن يكون هناك رغبة في الوصول لحلول، ووقتها نفكر في حزمة من الإجراءات، ولكن القول إن مجرد إجراء انتخابات رئاسية سيحل المشكلة، أرى أن هذا في حد ذاته غير كافٍ.
* بعد خروجك من السجن، ما دوركم في الحياة السياسية خلال الفترة المقبلة، هل من الممكن أن تشاركوا كحزب في تقديم حلّ سياسي، وكذلك هل ستشاركون في انتخابات المحليات المقبلة؟
هناك تفسيران لما يجري على الأرض في الوقت الراهن، أحدهما يقول إن هناك صراع أجهزة بعضها يسعى لخلق مشكلات لإحراج الوضع وخلخلته، أما التفسير الآخر فيقول إن النظام الحالي لا يستشعر بأن هناك أزمة، وأن المشكلات بفعل أهل الشر، وأن الوضع بالنسبة له مازال تحت السيطرة.
* في تقديرك أي الحالتين تعيشها مصر الآن؟
للأسف في ظل غياب المعلومات الموثقة تظل المسألة تقديرية وليست يقيناً، ولكن هناك حوادث لا يمكن تفسيرها سوى بأنها صراع أجهزة هذا واضح للغاية، ورأيي أننا نمر بأزمة حقيقية ومرشحة أن تستمر وتزيد إذ لم يتم مواجهتها بحلول. نحن دائماً نقول إنه في ظل حالة الاحتقان والتضييق ومحاولة السيطرة بالأجهزة الأمنية لا بد أن تتوقع أي شيء، إذا لم يتم تقديم حلول سياسية قد يحدث انفجار في الأوضاع لأي سبب. وهنا يجب أن أوضح أن لا أحد يطلب المعركة الصفرية، أي أن يكسب طرف كل شيء والطرف الآخر يخسر كل شيء، هذه طريقة غير صحيحة ولن تنجح، فلا بد أن يكون هناك تنازلات متبادلة لتقديم المصلحة الوطنية. وإذا شعر النظام بأن هناك مشكلة فسيدفعهم ذلك لتقديم تنازلات وإذ لم يفعل النظام ذلك فسيواجه مشكلة أكبر مما هو فيها الآن.
* هل ترى أن خيار الثورة ما زال مطروحاً أم أن المصريين أصابهم الملل من الثورات؟
* ما مرت به مصر خلال السنوات الخمس الأخيرة دفع البعض لاسترجاع مقولة رئيس الاستخبارات الأسبق عمر سليمان، التي قال فيها إن الشعب المصري غير مؤهل للديمقراطية، وكذلك ما ردده الرئيس عبد الفتاح السيسي أيضاً فهل تتفق مع وجهة النظر هذه؟
هذا كلام غير صحيح إطلاقاً ولا توجد شعوب في العالم استيقظت من النوم فوجدت نفسها مؤهلة للديمقراطية. إن الديمقراطية هي عملية تراكمية ومركّبة لا بد أن تبدأ. وهذا ما كنا نعوّل عليه بعد يناير 2011، وهو التحضير للتطور الديمقراطي الطبيعي.
* مع نجاح الرئيس المعزول محمد مرسي في الوصول للحكم عام 2012، ظهر مصطلح "الدولة العميقة"، في إشارة للأجهزة الأمنية ومجموعات المصالح، فهل ترى أن هذه الأجهزة ستقبل في أي وقت بممارسة ديمقراطية وحياة سياسية سليمة؟
الأجهزة التي تربّت على السيطرة والفساد لعقود طويلة، لن تسلم بالعملية الديمقراطية لأنها ضد مصالحها، وهذا صراع سيظلّ موجوداً. مع العلم أن هذا الصراع يحسم وجود حريات حقيقية وانتخابات حقيقية، وتأتي بسلطة كاملة الصلاحيات، ومعها رأي عام يساندها. إن هذه الأجهزة لم تنتصر في معاركها السابقة، إلا بسبب وجود انقسام قوي جداً في الرأي العام، فمفتاح الحل يجب أن يكون في توافق وطني، وتلزم هذه الأجهزة به ويتم تطويرها رضيت أم أبت.
أزمتي ليست التيار الإسلامي أو جماعة الإخوان المسلمين ولا حزب الوسط، ولكن مشكلتنا هي الوطن وحريات الناس ومصالحهم. في سبيل هذا تبقى جماعة الإخوان أم لا؟ يبقى حزب الوسط أم لا؟ الموضوع ليس هنا، فنحن نريد أن يكون الشعب هو صاحب القرار الحقيقي وهو الذي يختار من يحكمه ويشرع لنفسه ويضع دستوراً لنفسه، فنحن نبحث عن حل للوطن وليس عن حل للجماعة.
* هل من الممكن أن نرى تحالفاً أو تقارباً جديداً بين العائدين من معسكر 30 يونيو، والعائدين من تحالف دعم الشرعية؟
* وهل من الممكن أن تبادروا أنتم بخطوة الاتصال بالعائدين من معسكر 30 يونيو؟
المناخ غير مناسب لخطوة مثل هذه، وبالتالي هذا الاقتراح غير مطروح في الوقت الراهن.
* أثارت خطوة زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي جدلاً كبيراً في صفوف الإسلاميين، بتحويل الحركة لحزب سياسي فقط والتخلي عن العمل الدعوي؟
أنا كتبت عن هذا الأمر مبكراً، ونحن كحزب الوسط طبقنا هذا التفكير فعلياً، فأتذكر عندما كنا في الإخوان قبل أن نخرج بحزب الوسط، كان الخلاف الرئيسي حول الفصل الوظيفي بين الدعوي والسياسي، وأنه على الجماعة أن تقرر إما أن تكون جماعة دعوية فقط، أو حزباً سياسياً فقط، وعندما وصل الخلاف إلى ذروته خرجنا لنقول إننا حزب سياسي فقط. وسبق لي أن كتبت عام 1997 مقالاً بعنوان فصل الدعوي والسياسي. ردّ علي وقتها عصام العريان معترضاً على كلامي، واستشهدت وقتها بكلام كان منشوراً للشيخ راشد الغنوشي، إلا أنه في هذه الفترة كان لاجئاً سياسياً في لندن، وعندما رجع عقب ثورة تونس أخذ وقتاً في تهيئة الحركة للخطوة وإقناعها بها.
وحزب الوسط من الأحزاب الإسلامية القليلة التي لا تُشكّل ذراعاً لكيان آخر، فالإخوان مثلاً كان لهم حزب الحرية والعدالة، والجماعة الإسلامية، كان لها حزب البناء والتنمية، والدعوة السلفية كان لها حزب النور. أما نحن فتمردنا على جماعة الإخوان لأننا طالبنا بحزب سياسي فقط. وللأسف كان على الإخوان أخْذ هذه الخطوة من فترة طويلة، واليوم نسمع بعض التصريحات بأنهم يفكرون في هذه الخطوة، وعليهم إعلان ذلك.
هنا أود أن أقول معلومة جديدة، فقد قام بزيارتي أحد الإخوان أخيراً، يسألني عن رؤيتي، فقلت له كلاماً قاسياً، وعددت له الأخطاء، وطالبتهم بمراجعات شاملة حتى تقبل الناس بوجودكم مرة أخرى، وبعدها بشهر جاءني إخواني آخر، وقال لي نحن بالفعل بدأنا فيما قلته وأخذناه في الاعتبار. وهناك شبه قناعة في موضوع الدعوي والسياسي لدى الجميع داخل الجماعة، فطالبتهم بضرورة إعلانه.
وعندما يأتي وقت النقد سأقول رأيي واضحاً، فاليوم لا نستطيع أن نتكلم في العلن لأنهم موجودون في السجون ويتعرضون لظلم ويجب أن نعترف بذلك، ولكن يجب أن يعرف الجميع أن هناك نقطة محورية وهي أن انشغال الإخوان بالسياسة أثّر على الدعوة وقيم التديّن في المجتمع، ولم ينجحوا في السياسة، فالآن هم كإخوان لديهم نشاطان الأول كانوا ناجحين فيه وهو الدعوة، والآخر فشلوا فيه وهو السياسة. لا سبيل إلا أن تأخذ جماعة الإخوان قراراً تاريخياً بعودتها للعمل الدعوي والتربوي فقط، ولا تؤسس كيانات أخرى تعمل بأوامر من وراء ستار، وهذه المراجعة ليس لها علاقة بالسجن أو الظرف الذي تمر به الجماعة ويجب ألا يتم ربط الأمرين ببعضهما.
* كخبير في شأن جماعة الإخوان المسلمين كيف ترى مستقبل الإخوان في مصر، في ظلّ المشهد السياسي الراهن، وكذلك في ظل الانقسام الذي تشهده الجماعة؟
في رأيي جماعة الإخوان لن تعود كما كانت، وفي حال لم يتدارك القادة الحاليون الممسكون بكل الخيوط هذه المسائل فستتفكك أكثر. وعليهم التفكير خارج الصندوق، وأول مفتاح لحل أزمة الجماعة هو فصل الدعوي عن الحزبي، ففي تونس استطاع الشيخ راشد بعقلانيته حماية الثورة التونسية بتقديمه بعض التنازلات، وبرأيي فإن حركة النهضة نجحت بمحافظتها على الثورة، والحياة الديمقراطية أولاً، في وقت أصبحت فيه مرشحة أن تصل للسلطة في تونس في أي وقت، لأنها ما زالت الكيان الأقوى في ظل أن الكيان الذي ينافسها غير متناسق.
الإخوان في مصر طوال التاريخ ثبت أنهم نجحوا دعوياً، ولكن لم يثبت أنهم نجحوا سياسياً. بالتالي فمن مصلحتهم أن يختاروا اختياراً تاريخياً، بأن يكونوا إما جماعة دعوية أو سياسية للحفاظ على ما بقي من كيان الإخوان.
وهنا أقول للجماعة إن المدرسة الناجحة هي التي يتخرج منها طلابها لا أن يظلوا بها طوال حياتهم، فالطالب الفاشل هو فقط من يبقى في المدرسة ولا يتخرج منها.
* قضيت فترة مع قيادات الصف الأول للإخوان داخل سجن طره من خلال حديثك معهم هل يرون أنهم أخطأوا في شيء أم لا؟
سيأتي اليوم الذي أتحدث فيه بتفاصيل أوسع، ولكن سأتحدث عن خطأ واحد فقط، وهو الأكبر من وجهة نظري، عندما استغنى الاخوان بأنفسهم عن بقية القوى السياسية في السلطة، وتصوروا أنهم يستطيعون إدارة الدولة وحدهم، وأن نجاح مرسي في الانتخابات الرئاسية أعطاهم تفويضاً بهذا. بالتالي شعروا بالاستغناء عن الشركاء الحقيقيين وكانت نصيحتنا المستمرة لهم بضرورة المشاركة.
وهنا أسرد موقفاً واحداً، فعندما حدثت أزمة الإعلان الدستوري في نوفمبر/تشرين الثاني 2012 دعونا لحوار في قصر الاتحادية في اجتماع قمت بإدارته، وانتهينا بإلغاء الإعلان الدستوري. هدأ بعدها الرأي العام، وعندما انتهت الأزمة قمت بزيارة مرسي في قصر الرئاسة وبصحبتي وزير الشؤون القانونية السابق، محمد محسوب. وقتها قال محسوب: "يا دكتور مرسي ربنا وفقنا وعدينا الموجة العالية الخاصة بالإعلان الدستوري، ولكن ستكون هناك موجة أشد ولن نستطيع أن نواجهها إذا لم نبدأ في الاستعداد لها من الآن".
وطالبه بضرورة إشراك القوى السياسية في الحكم، واقترحنا عليه اسمين وهما محمد البرادعي، وعمرو موسى كي يختار من أحدهما رئيساً للوزراء فرفض مرسي، بل وأخبرني قائلاً: "الرئيس الأميركي باراك أوباما اتصل بي وقال لي استفِد بأحد هذين الشخصين معك ومستعد أكلمهما لك. وبعدها اتصل بي أيضاً رئيس الخارجية الأميركي جون كيري، وقال لي استعِن بأحدهما رئيساً للوزراء. وأيضاً خلال زيارتي لألمانيا قالت لي المستشارة أنجيلا ميركل عليك الاستعانة بأحد منهما أي البرادعي وموسى رئيساً للوزراء". هنا قلنا لمرسي "هذا يؤكد وجهة نظرنا وسيريح أطرافاً دولية كثيرة، فردّ مرسي رافضاً "لا" وذكر عدداً من الأسباب التي أتحفظ على ذكرها الآن.
بعدها تحدثت إلى المرشح الرئاسي السابق سليم العوا وكان يحضر معنا لقاءات قصر الاتحادية، وطالبته بأن يقترح على مرسي اختيار نائب الرئيس السابق المستشار محمود مكي رئيساً للوزراء، طالما أنه لا يريد البرادعي أو موسى. وبالمناسبة هنا، أذكر أن مكي قال إنه منذ الأسبوع الأول لاختياره نائباً لرئيس الجمهورية كان يرغب في الاستقالة، إلا أنه قام بتأخيرها بسبب أحداث الإعلان الدستوري.
وطالبت الدكتور العوا، أن يتصل أيضاً بالمستشار مكي وأن يأخذ رأيه قبل أن نقترح اسمه على الرئيس مرسي رئيساً للوزراء، فقال لي الدكتور العوا: "توكل على الله، واقترح اسمه على الرئيس مرسي وأنا سأقنع المستشار مكي، فطلبتُ موعداً للقاء الرئيس مرسي بعد اجتماع الحوار، ولكن أثناء الاجتماع للحوار، فوجئنا بأنه تمت إعادة تكليف الدكتور هشام قنديل بتشكيل الحكومة فقام الدكتور محسوب بكتابة استقالته أثناء اجتماعنا لجلسة الحوار الوطني ومررها إليّ فوافقته عليها، وهذه كانت النقطة المحورية وهي أن تسمح بتمثيل للآخرين حتى وإن لم يكن لهم تمثيل كبير في الشارع.
أردوغان ومن قبله نجم الدين أربكان لم يكونا من الإخوان، حتى إن الإخوان كانوا دائماً يوجّهون نقداً لأربكان، بأنه لا يهتم بالتربية ويهتم بالسياسة، ولكنه كان يتعاون مع الإخوان. أنا قلق على التجربة التركية رغم أنها حققت نجاحاً باهراً، وجزء من قلقي أن المجموعة المؤسسة لهذه التجربة كانت ثلاثة أشخاص، بترتيب الأهمية هم أردوغان والرئيس التركي السابق عبد الله غول، وأحمد داود أوغلو. انسحب أولاً غول، ولحق به داود أوغلو، وفي هذه اللحظة حزنت للغاية وبدأت ألمس أن الرئيس أردوغان بدأ يشعر بفكرة التفرد وبالتالي أصبح هناك نفس ديكتاتوري بدأ يظهر في الأحداث، وبدأت أشعر بالقلق على الرغم من أن النجاحات ما زالت مستمرة على المستوى العام.
* كنت واحداً ممن شاركوا بالاجتماع الذي عقده مرسي، والمتعلق بسدّ النهضة الإثيوبي خلال فترة حكمه، وتمت إذاعته على الهواء مباشرة، في تقديرك ما الفرق بين الحديث عن حلول الأزمة في السابق والوقت الحالي؟
أولا دعنا نعترف أن ما جرى خلال الاجتماع الذي تقصده كان خطأ كبيراً من رئاسة الجمهورية في عهد مرسي، أن يدعى رؤساء أحزاب وشخصيات عامة للتداول في أمر خطير يمسّ الأمن القومي ويُذاع على الهواء من دون علم الحاضرين. أما بشكل عام فإن مسألة سد النهضة في الوقت الحالي، أمر في غاية الخطورة لأنه متعلّق بمصدر المياه الرئيسي لمصر، وأعتقد أن محاولة استرضاء إثيوبيا طوال الفترة الماضية، أوصلنا إلى أمر واقع، بات من الصعب مواجهته. بالتالي بدأت تظهر عندنا مشكلة ضخمة في مسألة نقص المياه، وعبّر عنها مسؤولون كبار بوزارة الري، إذ أكدوا أننا مقبلون على كارثة مائية بسبب مشروع السد، وبسبب التعامل السيئ مع الأزمة الذي أدّى بنا لوضع شبه كارثي. وهذا من الملفات التي لن يتمّ حلّها إلا بحلّ سياسي شامل في الداخل المصري، حتى يكون هناك توافق على الحلول الخاصة بالقضايا القومية من هذا النوع، إذ لا يصح أن ينفرد بها طرف كان من كان. للأسف إن توقيع مصر لاتفاق المبادئ الثلاثي بين مصر والسودان وإثيوبيا كان خطأ كبيراً، لأننا سلمنا من خلاله لإثيوبيا ما يمكنها من استغلال الوقت لاستكمال البناء وتعطيل إجراءاتنا.
دائما آخر العلاج الكيّ بالنار، فلو نحن وضعنا خطة متكاملة وجادة في وقت هذا المشروع بأساليب قانونية وإجراءات قانونية يمكن ألا نصل إلى الحل العسكري. وطول الوقت وفي التاريخ المصري لم يتم استبعاد الحل العسكري في قضايانا لا أيام الرئيس عبد الناصر أو أنور السادات أو حسني مبارك، وبالتالي أي طرف لو شعر أنه في مأمن من حل معين من الممكن ألا يستجيب. ولكن عندما يشعر بأن هناك خطورة، وأن هذا الحلّ وارد، سيتغير موقفه في المفاوضات، بالإضافة لإجراءات أخرى قانونية منها التحكيم الدولي من الممكن اللجوء إليها، ولكن يظلّ دائماً الحلّ العسكري مطروحاً في إطار توافق وطني، وعدم المكايدة السياسية.
* ما موقفكم من اتفاقية ترسيم الحدود المائية بين مصر والسعودية وما أثارته من أزمة داخلية بسبب التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للمملكة؟
موقفنا واضح وعبرنا عنه وهو أنهما مصريتان ولا يحق لأي أحد التنازل عنهما، ونؤكد أن القضايا القومية التي تمس السيادة لا يصلح فيها طريقة الصدمات ومفاجأة الرأي العام هذا في حال كان موقف النظام فيها صحيحاً، فما بالنا بقضية موقف النظام فيها غير صحيح، فلا بد من مناقشة الرأي العام. وفي هذه القضية تحديداً ما تم ظهوره من وثائق وخرائط تؤكد أن الجزيرتين مصريتان وبالتالي لا يملك أحد حتى ولو باستفتاء التنازل عنهما، هذا كان واضحاً في دستور 2012 الذي تم إلغاؤه، إذ نصّ على أن السيادة لا يمكن التنازل عنها حتى ولو باستفتاء، في وقت نرى فيه البعض يقول إنه وفقاً للدستور الحالي يمكن التنازل عن السيادة باستفتاء هذا غير صحيح، فلو ثبت أن الأرض مصرية لا يصلح فيها استفتاء ولا يمكن التنازل عنها، فنحن لم نرَ في سابقة تاريخية أن يستميت نظام سياسي لإثبات حق دولة أخرى في أراضي بلاده.