10 نوفمبر 2024
أجندات متضاربة لمستقبل درعا
أعادت عمليات "الموت ولا المذلة"، التي بدأها الجيش السوري الحرّ في الأيام السابقة لإخراج قوات النظام من حيّ المنشية، فتح ملف "المناطق الجنوبية" من سورية، وما يمكن أن تحمله المتغيرات لها في المرحلة المقبلة للأطراف المحلية والإقليمية، والسيناريوهات المرسومة منها لمستقبل هذه المحافظة.
المفارقة أنّ توقيت عملية "الموت ولا المذلة" جاء بعد أسابيع قليلة من زيارة الملك عبدالله الثاني موسكو، وتسريب الحديث عن فكرة إقامة "المناطق الآمنة" في جنوب سورية، والبادية الشرقية- الجنوبية، بالتفاهم مع روسيا والولايات المتحدة الأميركية، لتأتي هذه العملية وكأنّها في الاتجاه المعاكس، أو ردّاً على هذه التفاهمات.
الطرف الذي أعلن عن بدء العملية هو "غرفة عمليات البنيان المرصوص" (أُعلن عنها في ديسمبر/ كانون الأول 2015)، وتضم فصائل مهمة في درعا البلد، ويغلب عليها الطابع الإسلامي، وكانت قد أعلنت (في ديسمبر/ كانون الأول 2016) رفضها مشروعات التهدئة الطويلة المطروحة. وعلى الرغم من أنّ "الجبهة الجنوبية" (تضم فصائل عديدة مدعومة في أغلبها من الأردن والموك) لم تدخل بصورة رسمية ومباشرة في العملية، إلاّ أنّ بعض أفراد الفصائل فيها انخرطوا في القتال ضد الجيش النظامي السوري.
كانت المفاجأة في الدور الكبير لـ "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) في العملية، بعد أن تراجع حضورها، بصورة ملحوظة في درعا، خلال العام الماضي، وانتقل أغلب قادتها إلى محافظة إدلب، وقد قتل عدد من قادة الهيئة في عمليات انتحارية في بداية المعركة، وخلالها، ومن أبرزهم قيادات أردنية معروفة في جبهة النصرة، منهم المسؤول العسكري في درعا، خالد شحادة العالول (أبو المنذر الأردني)، وأحد القادة السابقين في "النصرة"، الملقب "أبو ريان المهاجر" (أردني).
وشاركت أحرار الشام في العملية، على الرغم من الخلافات المتفجّرة بينها وبين هيئة تحرير الشام في الريف الشمالي من سورية، فتشكّلت عملية "الموت ولا المذلة" من ثلاثة أطراف رئيسة؛ البنيان المرصوص وهيئة تحرير الشام وأحرار الشام، بينما بقيت الجبهة الجنوبية خارج العملية رسمياً.
بالنسبة للمسؤولين الأردنيين، طرحت هذه العملية علامات استفهام كبيرة على حجم "النفوذ الأردني" ومداه في الجنوب، وقدرة الجبهة الجنوبية وصلابته على السير مع الأردن، مثلما وقفت فصائل "الجبهة الشامية" في الشمال مع الجيش التركي وساندته في عملية "درع الفرات". هذا أولاً، وثانياً فإنّ السؤال كان، لدى مطبخ القرار، عن "مدى" العملية نفسها، فيما إذا كانت فقط للسيطرة على حيّ المنشية الاستراتيجي الذي يعتبر أكبر أحياء درعا البلد وأهمها، والمطل مباشرة على درعا المحطة (مركز مدينة درعا)، وعلى مبنى "الأمن العسكري" و"اللواء 132"، ما يتيح للمعارضة السيطرة النارية على أحياء في درعا المحطة، وربما السيطرة عليها كلياً، إن هي قرّرت مواصلة الهجوم على باقي أحياء المدينة.
السيطرة على الحيّ، وفقاً لمصادر المعارضة، مهمة استراتيجية، لأنّه يخفف هواجس المعارضة من هجوم جديد لقوات النظام للوصول إلى "جمرك درعا القديم". وفي حال السيطرة على هذه المنطقة، تكون قد فصلت مناطق الريف الشرقي عن الغربي، وبالتالي، باتت قوات المعارضة منفصلةً عن بعضها، ما يمنح النظام فرصة كبيرة للاستفراد بها.
وإذا كان الأمر، كذلك، فهو خرقٌ تكتيكي للهدنة العسكرية، ومرتبطٌ بمحاولات تحسين موازين القوى في تلك المنطقة، لصالح المعارضة قبل استئناف مؤتمر جنيف. أمّا إذا كانت هذه العملية ستؤدي إلى تحريك الجبهة الساخنة في الجنوب، والدخول في "معادلة جديدة" قد تضعف التفاهمات الأردنية- الروسية وتفكّكها، وربما تشكّك في قدرة الأردن على بسط نفوذه في الجنوب، فمثل هذا السيناريو، أي اشتعال المنطقة الجنوبية يمثّل كابوساً مزعجاً لصانع القرار في عمّان، ويخرجه من "أحلام اليقظة" التي راودته عن تطوير فكرة الهدنة إلى مناطق آمنة، ودور أردني حيوي واستراتيجي في التسويات المرتقبة للمسألة السورية.
على الطرف الآخر، شنّ تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) قبل يومين، هو الآخر، هجوماً على فصائل الجيش الحرّ والمعارضة السورية التي تحاصره في الريف الغربي من درعا، وتمكّن من السيطرة على مناطق جديدة في محاولة لفكّ الحصار وتخفيفه، وهي أيضاً تطورات مزعجة للأردن، وتضع سيناريو مغايراً للسيناريو الأردني المفضّل، وتحجّم تفاهماته مع الروس، وتخدم دعاية النظام السوري وحلفائه الإيرانيين الذين لا يشعرون هم أيضاً بالرضا عن التفاهمات الأردنية- الروسية، وعن تجاوزهم في ذلك، ويفضّلون الحسم العسكري مباشرةً، ويخشون من مخطط لاستنساخ مناطق آمنة في الجنوب، على غرار ما تسعى تركيا إلى إقامته في الشمال. لذلك، هم يريدون استثمار تحريك الأوضاع في الجنوب إلى أقصى مدىً ممكن، لوضع الروس في موقف "حرج"، بعدم جدوى تفاهماتهم مع الأردن.
هل يمكن إنقاذ مشروع الأردن في إقامة منطقة آمنة، تمتد من المناطق الشرقية الجنوبية إلى الجولان، ويكون له دور كبير في الإشراف عليه، ويضمن الروس النظام السوري، ويتم تطويرها تنموياً وأمنياً، إلى حين وجود حلول سياسية مقنعة للحالة السورية، أم أنّ الأحداث الأخيرة ترسم لسيناريو مختلف؟
إلى الآن، ما يزال المسؤولون الأردنيون يتمسّكون بأنّ الأحداث الأخيرة محدودة وجزئية، لكنّ من المهم أن يدركوا أهمية إعادة النظر في كيفية التعامل مع القوى والفصائل المعنية في درعا، بوصفها شريكاً استراتيجياً للأردن. ومن الضروري إطلاعهم على التفاهمات والغايات الأردنية، وإشراكهم في اتخاذ القرار، وتقرير السيناريوهات المقبلة، لأنّ مثل هذا المشروع الأردني يتطلب تفاهمات حقيقية مع هذه الفصائل، وإلاّ فإنّ الطرف المتخوف من هذا السيناريو في أوساط المعارضة المسلحة مع النظام السوري والإيرانيين سيعملون معاً على إفشاله. وعندها، سيدخل الأردن في حساباتٍ مختلفة عسكرياً واستراتيجياً.
المفارقة أنّ توقيت عملية "الموت ولا المذلة" جاء بعد أسابيع قليلة من زيارة الملك عبدالله الثاني موسكو، وتسريب الحديث عن فكرة إقامة "المناطق الآمنة" في جنوب سورية، والبادية الشرقية- الجنوبية، بالتفاهم مع روسيا والولايات المتحدة الأميركية، لتأتي هذه العملية وكأنّها في الاتجاه المعاكس، أو ردّاً على هذه التفاهمات.
الطرف الذي أعلن عن بدء العملية هو "غرفة عمليات البنيان المرصوص" (أُعلن عنها في ديسمبر/ كانون الأول 2015)، وتضم فصائل مهمة في درعا البلد، ويغلب عليها الطابع الإسلامي، وكانت قد أعلنت (في ديسمبر/ كانون الأول 2016) رفضها مشروعات التهدئة الطويلة المطروحة. وعلى الرغم من أنّ "الجبهة الجنوبية" (تضم فصائل عديدة مدعومة في أغلبها من الأردن والموك) لم تدخل بصورة رسمية ومباشرة في العملية، إلاّ أنّ بعض أفراد الفصائل فيها انخرطوا في القتال ضد الجيش النظامي السوري.
كانت المفاجأة في الدور الكبير لـ "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) في العملية، بعد أن تراجع حضورها، بصورة ملحوظة في درعا، خلال العام الماضي، وانتقل أغلب قادتها إلى محافظة إدلب، وقد قتل عدد من قادة الهيئة في عمليات انتحارية في بداية المعركة، وخلالها، ومن أبرزهم قيادات أردنية معروفة في جبهة النصرة، منهم المسؤول العسكري في درعا، خالد شحادة العالول (أبو المنذر الأردني)، وأحد القادة السابقين في "النصرة"، الملقب "أبو ريان المهاجر" (أردني).
وشاركت أحرار الشام في العملية، على الرغم من الخلافات المتفجّرة بينها وبين هيئة تحرير الشام في الريف الشمالي من سورية، فتشكّلت عملية "الموت ولا المذلة" من ثلاثة أطراف رئيسة؛ البنيان المرصوص وهيئة تحرير الشام وأحرار الشام، بينما بقيت الجبهة الجنوبية خارج العملية رسمياً.
بالنسبة للمسؤولين الأردنيين، طرحت هذه العملية علامات استفهام كبيرة على حجم "النفوذ الأردني" ومداه في الجنوب، وقدرة الجبهة الجنوبية وصلابته على السير مع الأردن، مثلما وقفت فصائل "الجبهة الشامية" في الشمال مع الجيش التركي وساندته في عملية "درع الفرات". هذا أولاً، وثانياً فإنّ السؤال كان، لدى مطبخ القرار، عن "مدى" العملية نفسها، فيما إذا كانت فقط للسيطرة على حيّ المنشية الاستراتيجي الذي يعتبر أكبر أحياء درعا البلد وأهمها، والمطل مباشرة على درعا المحطة (مركز مدينة درعا)، وعلى مبنى "الأمن العسكري" و"اللواء 132"، ما يتيح للمعارضة السيطرة النارية على أحياء في درعا المحطة، وربما السيطرة عليها كلياً، إن هي قرّرت مواصلة الهجوم على باقي أحياء المدينة.
السيطرة على الحيّ، وفقاً لمصادر المعارضة، مهمة استراتيجية، لأنّه يخفف هواجس المعارضة من هجوم جديد لقوات النظام للوصول إلى "جمرك درعا القديم". وفي حال السيطرة على هذه المنطقة، تكون قد فصلت مناطق الريف الشرقي عن الغربي، وبالتالي، باتت قوات المعارضة منفصلةً عن بعضها، ما يمنح النظام فرصة كبيرة للاستفراد بها.
وإذا كان الأمر، كذلك، فهو خرقٌ تكتيكي للهدنة العسكرية، ومرتبطٌ بمحاولات تحسين موازين القوى في تلك المنطقة، لصالح المعارضة قبل استئناف مؤتمر جنيف. أمّا إذا كانت هذه العملية ستؤدي إلى تحريك الجبهة الساخنة في الجنوب، والدخول في "معادلة جديدة" قد تضعف التفاهمات الأردنية- الروسية وتفكّكها، وربما تشكّك في قدرة الأردن على بسط نفوذه في الجنوب، فمثل هذا السيناريو، أي اشتعال المنطقة الجنوبية يمثّل كابوساً مزعجاً لصانع القرار في عمّان، ويخرجه من "أحلام اليقظة" التي راودته عن تطوير فكرة الهدنة إلى مناطق آمنة، ودور أردني حيوي واستراتيجي في التسويات المرتقبة للمسألة السورية.
على الطرف الآخر، شنّ تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) قبل يومين، هو الآخر، هجوماً على فصائل الجيش الحرّ والمعارضة السورية التي تحاصره في الريف الغربي من درعا، وتمكّن من السيطرة على مناطق جديدة في محاولة لفكّ الحصار وتخفيفه، وهي أيضاً تطورات مزعجة للأردن، وتضع سيناريو مغايراً للسيناريو الأردني المفضّل، وتحجّم تفاهماته مع الروس، وتخدم دعاية النظام السوري وحلفائه الإيرانيين الذين لا يشعرون هم أيضاً بالرضا عن التفاهمات الأردنية- الروسية، وعن تجاوزهم في ذلك، ويفضّلون الحسم العسكري مباشرةً، ويخشون من مخطط لاستنساخ مناطق آمنة في الجنوب، على غرار ما تسعى تركيا إلى إقامته في الشمال. لذلك، هم يريدون استثمار تحريك الأوضاع في الجنوب إلى أقصى مدىً ممكن، لوضع الروس في موقف "حرج"، بعدم جدوى تفاهماتهم مع الأردن.
هل يمكن إنقاذ مشروع الأردن في إقامة منطقة آمنة، تمتد من المناطق الشرقية الجنوبية إلى الجولان، ويكون له دور كبير في الإشراف عليه، ويضمن الروس النظام السوري، ويتم تطويرها تنموياً وأمنياً، إلى حين وجود حلول سياسية مقنعة للحالة السورية، أم أنّ الأحداث الأخيرة ترسم لسيناريو مختلف؟
إلى الآن، ما يزال المسؤولون الأردنيون يتمسّكون بأنّ الأحداث الأخيرة محدودة وجزئية، لكنّ من المهم أن يدركوا أهمية إعادة النظر في كيفية التعامل مع القوى والفصائل المعنية في درعا، بوصفها شريكاً استراتيجياً للأردن. ومن الضروري إطلاعهم على التفاهمات والغايات الأردنية، وإشراكهم في اتخاذ القرار، وتقرير السيناريوهات المقبلة، لأنّ مثل هذا المشروع الأردني يتطلب تفاهمات حقيقية مع هذه الفصائل، وإلاّ فإنّ الطرف المتخوف من هذا السيناريو في أوساط المعارضة المسلحة مع النظام السوري والإيرانيين سيعملون معاً على إفشاله. وعندها، سيدخل الأردن في حساباتٍ مختلفة عسكرياً واستراتيجياً.