لم يمرّ يوم على إفراج السلطات الروسية عن الصحافي الاستقصائي بموقع "ميدوزا"، إيفان غولونوف، يوم الثلاثاء الماضي، حتى أوقفت الشرطة الروسية في العيد الوطني الروسي، يوم الأربعاء الماضي، مئات المتظاهرين المشاركين في تظاهرة "غير مصرح بها" طالبت بمعاقبة المتسببين في ملاحقة غولونوف من دون وجه حق. وذاع صيت غولونوف في نهاية الأسبوع الماضي، حين تم توقيفه بتهمة "محاولة الاتجار بالمخدرات"، ما أثار موجة غير مسبوقة من التضامن معه بين الأوساط الليبرالية والصحافية والمجتمع المدني الروسي بأسره وحتى بعض المسؤولين الحكوميين. ومع تفاقم أزمة غولونوف، باتت قضيته تزاحم في المشهد الإعلامي الروسي حتى فعاليات منتدى بطرسبورغ الاقتصادي الدولي بمشاركة الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين، والصيني شي جين بينغ، وكبار رجال الأعمال والمستثمرين الروس والأجانب. كما خرجت وسائل الإعلام الرسمية وكبار المسؤولين بالدولة عن الصمت، لينتهي الأمر بإعلان وزير الداخلية، فلاديمير كولوكولتسيف، عن إنهاء ملاحقة غولونوف جنائياً "نظراً لعدم إثبات ضلوعه في ارتكاب جريمة"، فتم الإفراج عنه يوم الثلاثاء.
لكن في اليوم التالي، لم تتردد الشرطة الروسية في توقيف أكثر من 500 متظاهر، وفق أرقام منظمة "أو في دي إنفو" الحقوقية، شاركوا في تظاهرة بوسط موسكو، رافعين شعارات ومطالب مثل "إجراء تحقيق عادل" و"الإفراج عن المدانين دون وجه حق" و"تغيير السياسات الروسية في مجال مكافحة المخدرات". وكان من بين من تم توقيفهم صحافيون بوكالة "رويترز" وصحيفتي "كوميرسانت" و"فيدوموستي" وموقع "ميدوزا" وقناة "دوجد" الليبرالية المعارضة، بالإضافة إلى مؤسس "صندوق مكافحة الفساد"، المرشح المستبعد من الانتخابات الرئاسية في عام 2018 أليكسي نافالني، الذي يعد حالياً وجهاً رئيسياً للمعارضة "غير النظامية" الروسية.
وذكّر بأنه "على الرغم من شدة تعامل الشرطة مع المتظاهرين، إلا أنه تم الإفراج عن جميع الموقوفين في اليوم نفسه، باستثناء أربعة أشخاص. كما وقّع بوتين، الخميس، على مرسوم إنهاء خدمة جنرالين بالشرطة في موسكو على خلفية قضية غولونوف". وحول رؤيته لأسباب إثارة مثل هذه الضجة حول قضية غولونوف، مع أنها ليست سابقة لملاحقة صحافي أو ناشط في روسيا، لفت موخين إلى أن "غولونوف سقط ضحية لتجاوزات الأمن في الوقت المناسب. وباتت قضيته تلقي بظلالها على منتدى بطرسبورغ الاقتصادي وكلمة بوتين خلاله". وخلص إلى أن "المجتمع الروسي ليس في حالة نزاع داخلي، ولكنه يشهد تنافساً بين القيم الليبرالية والمحافظة، وهو أمر طبيعي".
من جهتها، تساءلت صحيفة "ريبابليك" الإلكترونية الروسية عن كيفية تأثير قضية غولونوف على العلاقة بين المجتمع والدولة، معتبرة أن "المعارضة اختبرت صلابة السلطة، بينما تختبر السلطة قابلية المعارضة للتوصل إلى اتفاق وحدود التنازلات الواردة".
وفي مقال بعنوان "الشرطي الطيب والشرطي الشرير. كيف ستنعكس قضية إيفان غولونوف على العلاقة بين المجتمع والدولة؟"، أشارت الصحيفة إلى أن "قرار وقف ملاحقة غولونوف كان سياسياً، سعياً من الكرملين لإنهاء الفضيحة، وليس نتيجة لنجاح الدفاع في إثبات براءة موكله".
وتوقع أن تخرج السلطة الروسية من واقعة غولونوف بنتيجة مفادها أنه "يجب الاستعداد لمثل هذه العمليات بشكل أفضل وفبركة قضايا التطرف بدلاً من المخدرات، وعدم إجراء عمليات الاعتقال أثناء فعاليات كبرى مثل منتدى بطرسبورغ الدولي (6 - 8 يونيو/ حزيران 2019)". وخلصت الصحيفة إلى أن "القضية يمكن أن تشكل أرضية للمطالبة بإصلاح أجهزة الأمن بدعوة من جهات موالية وأحزاب متمثلة في البرلمان وسط موجة من التضامن الظرفي، ولكن أنصار غولونوف قرروا، على ما يبدو، انتهاج استراتيجية القتال في أرضهم فقط دون عبور الحدود". وشغلت قضية غولونوف البالغ من العمر 36 عاماً، الرأي العام الروسي على مدى آخر أسبوع، بعد اعتقاله في 6 يونيو الحالي، ووضعه رهن الحبس ثم الإقامة الجبرية.
وكان من مظاهر التضامن مع غولونوف تنظيم اعتصامات فردية في مختلف المدن الروسية، وحملات واسعة لدعمه على شبكات التواصل الاجتماعي، ونشر صحف "فيدوموستي" و"كوميرسانت" و"إر بي كا" وهي ذات توجهات ليبرالية الشعار نفسه: "أنا/ نحن إيفان غولونوف" في الصفحات الأولى لأعدادها الصادرة يوم الاثنين الماضي.
وعرف غولونوف في السنوات الماضية بإجرائه تحقيقات صحافية جريئة حول شبهة الفساد عند إنفاق موارد مالية من ميزانية موسكو، بما في ذلك عن طريق إسناد حكومة العاصمة الروسية عقوداً لشركة مملوكة لأقرباء نائب عمدة موسكو. ورجح زملاء غولونوف وأصدقاؤه أن تكون قضيته "مفبركة" وذات صلة بتحقيقاته الاستقصائية لا المخدرات.