أطفال التوحد في ليبيا يحتاجون اهتماماً أكبر

10 يوليو 2019
لا بد من بيئة ملائمة لدمج الأطفال (جيليس كلارك/Getty)
+ الخط -
افتتح بشكل رسمي في العاصمة الليبية طرابلس، في منتصف يناير/ كانون الثاني الماضي، "المركز الوطني لتشخيص وعلاج الأطفال من ذوي طيف التوحد"، الذي يعدّ المركز الحكومي الأول بالعاصمة، فأكثر من عشرين مركزاً لعلاج التوحد منتشرة في ليبيا كلّها خاصة، أما الحكومي منها فلا يتجاوز عددها ثلاثة مراكز ليس أيّ منها في طرابلس.

جاء قرار إنشاء المركز بعد قضية 62 طفلاً مصاباً بالتوحد أوفدتهم الدولة للعلاج في الأردن قبل أن تطالبهم الأخيرة بمغادرة مستشفياتها بسبب عدم سداد مستحقات العلاج لمدة سنتين، وسط اتهامات أهالي أطفال التوحد للحكومة بالتخاذل وعدم تجاوبها مع محنة أطفالهم.

أعلنت ليبيا عن أولى إحصاءاتها الرسمية، نهاية الشهر الماضي، إذ قالت وزارة الصحة في حكومة الوفاق، إنّها سجلت 2383 حالة توحد، موضحة أنّها أجرت كشوفاً لـ883 طفلاً، بينما سجل 1500 طفل عبر منظومتها التي أطلقتها لحصر حالات التوحد لدى الأطفال في البلاد.

وبالرغم من الحديث الموسع لمسؤولي وزارة الصحة عن إمكانيات المركز في طرابلس، وقدرته الاستيعابية والأجهزة الحديثة والمؤهلات، فإنّ صالح بن مؤمن، وهو أب لطفل يعاني من التوحد، يؤكد أنّ مركزاً وحيداً مهما بلغت إمكاناته وسعته لن يستطيع تقديم علاج لوضع شديد الحساسية كالتوحد. يتابع مؤمن: "هناك مراكز حكومية أخرى أسست في مدن أخرى لكنّها فشلت لعدة أسباب ليس منها التمويل أو العامل الأمني، بل أهمها توفر المتخصصين الذين يمكنهم التعامل مع المريض بنفس طويل ولمدد ليست بالقصيرة". يشير إلى أنّ جانب الأسرة هو الآخر مهم في إتمام عملية العلاج بنجاحها في دمجه في المجتمع.



تفاقم ملف علاج الأطفال في الأردن، فتناقص عددهم هناك من 150 العام الماضي إلى 62 طفلاً هذا العام، هم الذين طلبت السلطات الأردنية مغادرتهم بعد عجز حكومات ليبيا عن سداد مستحقات علاجهم. تؤكد الدكتورة منية سليمان، استشارية طب الأطفال وحالات التوحد، أنّ مشكلة الأطفال بالأردن بنيت في الأساس على عدم وعي بحقيقة الطيف، وعلى هذا الأساس أوفد الأطفال للعلاج بالخارج، كما يدلّ ذلك أيضاً على عدم معرفة الأسر بحقيقة هذا الطيف.

تتابع سليمان أنّ "الإيفاد للعلاج في الخارج غير مجدٍ أساساً، وإنْ توفر الدعم المالي، والدليل هم الأطفال الذين عولجوا في الأردن وغيرها، إذ لم يشفَ أحد منهم"، مضيفة أنّ مؤشرات الشفاء أولية، فحالما يعود الطفل المريض إلى منطقته تتراجع حالته بشكل أسوأ. توضح أنّ "أخطر مراحل العلاج هي فقدان المهارات الأساسية التي يتلقاها على يد الطبيب؛ اجتماعية أو لغوية، لأنّه اكتسبها على يد طبيب من مجتمع آخر وعند رجوعه إلى بلده سيجد أنماطاً اجتماعية أخرى ولغة أخرى، ما يزيد في عزلته ويستوجب بدء علاج جديد". تؤكد أنّ مواجهة هذا الطيف تتطلب تطوير بيئة محلية علاجية تساعد الطفل على الرجوع إلى بيئته سريعاً من دون أيّ مضاعفات. تتحدث سليمان أنّ بعض الحالات التي تعالجها تراجعت بسبب البيئة المحيطة: "عادة ما توجه مراكز العلاج التابعة للدولة رسالة لمدرسة الطفل وتنتج حالة انتكاسة حالما يصل الطفل إلى المدرسة التي لا تتوفر فيها ظروف استيعاب حالته، وهو قصور تعاني منه كلّ المراكز الحكومية على ندرتها".

لكنّ آدم حمادي، عضو جمعية "مبادرة" الأهلية في بنغازي، يلفت من جانبه الى وجود نشاط مجتمعي واسع ناتج عن حملات التوعية التي تقيمها مؤسسات المجتمع المدني. يقول حمادي: "في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي نظم تكتل نساء البطنان، شرقي البلاد، ندوة عن أطفال التوحد، وبالرغم من أنّها استمرت ليومين، فإنّ الإقبال كان كبيراً ولافتاً، ما يؤشر إلى بداية نمو الوعي بحقيقة التوحد ورغبة الناس في التعرف على كيفية التعامل معه وحماية أطفالهم منه".



يتحدث حمادي عن نجاح أحد مراكز العلاج في تنظيم مسرحية لأطفال التوحد وهم في مرحلة التعافي الأخيرة "المسرحية التي حملت عنوان كن صديقي، ألّفها وأشرف عليها متبرعون وأداها أطفال التوحد، ولقيت تجاوباً مجتمعياً واسعاً".

بالرغم من التفاؤل الذي يعكسه حديث حمادي، إلا أنّ فشل المراكز الحكومية في العلاج مقابل المراكز الخاصة يشكل عرقلة أمام مقاومة الطيف، فليست كلّ الأسر تملك القدرة على العلاج في المصحات الخاصة. في هذا الإطار، يقول مؤمن إنّه مضطر لعلاج طفله في إحدى المصحات الخاصة بالرغم من ارتفاع الأسعار. ويقترح مؤمن أن تتعاقد الحكومة مع المراكز الخاصة لأنّها حققت تقدماً في علاج الطيف، كما تفعل الوزارة في حالة العديد من الأمراض، وذلك للحدّ من إيفاد أطفال التوحد إلى الخارج للعلاج.