ويبدو أنّ الحرب النفسية التي سبقت المعركة، بأيام قليلة، أثرت على معنويات مسلحي "القاعدة"، إذ نشطت وسائل إعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي في تبادل صور وأرقام ضخمة عن قوات التحالف الزاحفة نحو المكلا، الأمر الذي أربك حسابات التنظيم الذي لم يجد سبيلاً آخر غير الانسحاب من مدينة المكلا. وبحسب مصدر عسكري، "حشد التحالف قوات ضخمة من مئات الآليات العسكرية كان قد أدخلها عبر طريق من منطقة الخرخير السعودية الواقعة على الحدود، إلى منطقة رماه اليمنية، شرق حضرموت، وهذا ما سهّل تحرير المدينة، وتأكد للتنظيم أنه في معركة خاسرة من الأفضل له تجنّبها".
وأشرفت على العملية قيادات من التحالف العربي، خصوصاً الإمارات العربية والسعودية، فضلاً عن القادة الميدانيين والجنود جميعهم من أبناء محافظة حضرموت ممّن تم تدريبهم في معسكرات التحالف، طيلة الأشهر الماضية، وهو ما يعد مكسباً لحضرموت التي هُمّشت عسكرياً في عهد نظام الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح. وبحسب مصدر طبي لـ"العربي الجديد"، بلغ عدد ضحايا العملية منذ بدئها، في الساعات الأولى، صباح أمس الأول الأحد، 27 قتيلاً، 15 منهم من الجيش وسبعة من "القاعدة" وخمسة مدنيين، فضلاً عن 59 جريحاً، 29 من الجيش و"المقاومة الشعبية"، و11 من التنظيم، والبقية من المدنيين.
لكن السؤال الأكثر جدلاً لدى المتابعين للمعركة يدور حول ما إذا كانت هناك مفاوضات قادها علماء دين وشخصيات اجتماعية انسحب بموجبها التنظيم من المدينة. في هذا السياق، يقول الأمين العام السابق للمجلس الأهلي، الشيخ عبد الحكيم بن محفوظ، لـ"العربي الجديد"، إنه "لم تكن هناك مفاوضات مباشرة خلال الأيام الماضية، لكن هناك شخصيات اجتماعية، ودينية، وقادة، ومكوّنات سياسية وأهلية كانت قد نصحت التنظيم، في وقت سابق، بعدم الزج بالمحافظة في حرب طاحنة، إذا ما قرّرت السلطات الشرعية استعادتها، وهو ما رحّب به التنظيم"، على حدّ قوله.
وتواصلت "العربي الجديد"، مراراً، مع الشيخ صالح الشرفي، الذي تتحدث أنباء عن قيامه بوساطة لدى التنظيم تتضمن انسحابه سلمياً، لكن دون جدوى. إلا أنّ مصدراً محلياً يقول لـ"العربي الجديد"، إن "القيادي في التنظيم خالد باطرفي قال في اجتماع مع رؤساء منظمات المجتمع المدني، قبل أسابيع، إن التنظيم لن يسلّم المدينة للسلطات الشرعية، وتحدث عن ضمانات تتمثل بعدم تقدم الحوثيين نحوها مرة أخرى". وبعيداً عن دقة المعلومات بخصوص وجود وساطات أم لا، تبيّن الطريقة التي أديرت بها المعركة أن التحالف العربي ترك فرصة لعناصر التنظيم للانسحاب من الجهة الغربية للمدينة باتجاه شبوة، وكان بإمكانه تطويق المدينة وتضييق الخناق على التنظيم، الأمر الذي يوضح أن التحالف تجنّب هو الآخر إدخال المدينة في حرب تعقّد من الوضع فيها، وفقاً لبعض المراقبين.
في موازاة ذلك، يبرز توقيت المعركة الذي يتزامن مع مفاوضات الكويت تساؤلاً آخر لدى مراقبين عمّا إذا كانت القوات الشرعية والتحالف يحتاجان إلى عام كامل ليتهيآن لمعركة استعادة المكلا، أم أن هناك صفقة سرية تمت على أعلى المستويات تم بموجبها إنهاء سيطرة "القاعدة" على المكلا، كما تم فرضها قبل عام بطريقة غامضة. وتعزز هذه الفرضية عدم استخدام "القاعدة" للسلاح الثقيل الذي غنمه من سيطرته على مدينة المكلا قبل عام في مواجهة السلطات الشرعية.
كما عززت معركة تحرير المكلا موقف السلطات الشرعية عسكرياً، واقتصادياً، ودبلوماسياً. فالسلطات الشرعية التي تواجه اتهامات بتسهيل تمدد "القاعدة" جنوب البلاد جراء عملية "عاصفة الحزم"، تريد إثبات أنها قادرة على محاربة الإرهاب طالما أوقفت المد الحوثي أو حتى لمجرد الدخول معه في هدنة، لتبعث رسالة أخرى مفادها أنّ "القاعدة" أحد أوراق المخلوع صالح في معاركه مع خصومه. ويضاف إلى ذلك، أنّ المعركة ستحرج الحوثيين وحزب المؤتمر الشعبي برئاسة صالح، اللذين يؤكدان في خطابهما أن اجتياحهم للجنوب كان لمحارية الإرهاب، ويلعبان بالورقة ذاتها في مفاوضات الكويت وجنيف 1 و2.
عسكرياً، تعني استعادة مدينة المكلا استرجاع رقعة جغرافية مهمة لحضن الدولة، وقطع إمدادات الحوثيين وصالح العسكرية التي تأتي عبر البحر من المكلا والساحل الشرقي.
على صعيد متصل، أثبتت المعركة قدرة أبناء حضرموت على حماية محافظتهم بأنفسهم بعدما استُبعدوا بطريقة ممنهجة من العمليات العسكرية، والمراكز القيادية في الجيش والأمن طيلة السنوات الماضية. كما أنّ استعادة مدينة المكلا تعزز موقف السلطات الشرعية اقتصادياً من خلال إعادة العمل في الشركات النفطية التي تنقل إنتاجها إلى ميناء الضبة المخصص لتصدير النفط، والذي بقي لمدة عام تحت سيطرة "القاعدة"، ما أدى إلى توقف الإنتاج وتسبب في خسائر كبيرة للاقتصاد اليمني. وتضيف عودة ميناء المكلا للحاويات إلى حضن الشرعية مكسباً آخر مهمّاً من حيث فرض الضرائب على التجار فضلاً عن عودة العمل إلى مطار الريان الدولي.
محلياً، تمكّن عودة المكلا إلى حضن الشرعية السلطات المحلية من مزاولة مهامها من مركز المحافظة بعدما كانت تدير المحافظة من الخارج. ومن المتوقع أن يصل محافظ حضرموت، اللواء أحمد بن بريك، الذي يقيم في منطقة شرورة السعودية، إلى مدينة المكلا، ويتبعه باقي المسؤولين المحليين لاستعادة مؤسسات الدولة تدريجياً.