منذ بداية العام الجاري، وجهت الحكومة الأميركية التهم لأكثر من 30 شركة أميركية بتقديم رشى لمسؤولين أجانب، في سبيل الحصول على مزايا أو عقود استثنائية.
وخلال شهر مارس/آذار الماضي، شرعت وزارة العدل الأميركية بالتحقيق في نشاطات هذه الشركات الخارجية. وفي نهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، غرّمت هيئة البورصة الأميركية شركة "لاني كريستين" الأميركية التي تعمل في الهندسة، بعد اعترافها بتقديم رشى لمسؤولين حكوميين في كل من مالي وغينيا الاستوائية وبوركينا فاسو والكونغو.
وقالت الشركة في اعترافاتها، وحسب بيانات وزارة العدل الأميركية مؤخرا، إنها استخدمت فرعها في أستراليا لدفع الرشى التي بلغت في بعض الأحيان 800 ألف دولار. وأشارت الشركة إلى أنها نفذت هذه العمليات لتفادي دفع ضرائب لهذه الدول الأفريقية في بعض الأحيان، ولكسب عقود في أحيان أخرى.
ورغم أن الغرامة لم تكن كبيرة، حيث تجاوزت بقليل 5 ملايين دولار، إلا أنها بعثت رسالة واضحة إلى قطاع الأعمال التجارية أن أميركا ستطبق بصرامة مواد قوانين مكافحة الرشى.
ومن بين الشركات التي تعرضت لتحقيقات خلال العام الجاري، شركة "وول مارت" التي اتهمت برشى مسؤولين في الحكومة المكسيكية حتى تحصل على رخصة سريعة لفتح متاجرها.
كما اتهمت سلطات البورصة الأميركية في نفس الشهر المدير التنفيذي لمصرف "مورجان ستانلي" غارث بيترسون، برشوة مسؤول صيني، لكسب عقود في الشركة الاستثمارية الحكومية التي يديرها.
وحتى نهاية شهر مارس/آذار الماضي، أجرت هيئة البورصة الأميركية، من خلال فرعها التابع لوزارة العدل، تحقيقات مع 31 شركة أميركية تعتقد أنها ضالعة في الفساد ورشى مسؤولين في دول أجنبية.
وهناك بعض الشركات الأميركية التي أصبحت تجأر بالشكوى من قوانين مكافحة الرشوة الأميركية، ومن بين هذه الشركات، "ليكلاند إندستريز" التي يوجد مقرها في نيويورك. وقد اعترفت هذه الشركة بأن مبيعاتها انخفضت؛ لأنها اتبعت قوانين مكافحة الرشى الأميركية، وهو ما يعني ضمناً أنها كانت تستخدم الرشى لترويج مبيعاتها خارجياً.
وحتى شركات السينما في هوليوود، لم تنج من تحقيقات الفساد والرشوة التي تجريها أميركا؛ حيث أجرت سلطات البورصة الأميركية في بداية العام الجاري تحقيقات حول ما إذا كانت شركات صناعة السينما والفديوهات قد دفعت رشى لدخول السوق الصينية. ومن بين الشركات التي اتصلت بها الهيئة "سينشري فوكس" و"ديزني آند دريم ويركس".
وفي العام الماضي 2013، قالت وزارة العدل الأميركية إنها حققت في 150 قضية فساد، بعضها يخص شركات، والبعض الآخر يخص أفرادا.
قفازات مايكل جاكسون المرصعة بالماس
من بين الشركات التي تقوم السلطات الأميركية بالتحقيق معها، شركات متورطة في رشى متعلقة بابن رئيس غينيا الاستوائية الذي صودرت ممتلكاته خلال شهر سبتمبر/أيلول الماضي.
ويذكر أن وزارة العدل الأميركية أجرت تحقيقات لسنوات حول فساد ابن رئيس غينيا الاستوائية، تيودورو نجيما أوبيانغ مانغي، والرشى التي تسلمها من شركات عالمية وأميركية تعمل في بلاده. واكتشفت تراكم أموال ضخمة من هذه الرشى و"الدولارات السوداء" بلغت حوالى 100 مليون دولار في حسابات وموجودات أميركية وخارجية.
وتركزت التحقيقات الأميركية حول حسابات وموجودات قدرت بحوالى 70.8 مليون دولار في أميركا. وتمكنت وزارة العدل الأميركية من مصادرة 35 مليون دولار منها. وحسب دعوى الاتهام، فإن ابن الرئيس الغيني لا يزيد مرتبه عن 100 ألف دولار شهرياً.
وفي أول سابقة تقوم بها الحكومة الأميركية لمصادرة ممتلكات ابن رئيس لا يزال في السلطة ويحكم بلاده، أمرت بمصادرة موجودات تيودورو نجيما، وبيعها في مزاد علني. وكانت حصيلة هذا المزاد 30 مليون دولار. وسلمت الحكومة الأميركية 20 مليون دولار من هذه الأموال لمنظمات إنسانية تعمل داخل غينيا الاستوائية، فيما ذهب الباقي لمنظمات خيرية داخل الولايات المتحدة.
وقضية ابن الرئيس الغيني من القضايا التي شغلت الأميركيين، لأنها تناولت مقتنيات ثمينة من جهة، ومن جهة أخرى شغل الشاب الأفريقي اللعوب صحف التابلويد بحفلاته وصفقاته. ومن المقتنيات التي صودرت منه ضيعة في منطقة ماليبو الراقية بولاية كاليفورنيا التي اشتراها بـ35 مليون دولار، وقفازات مرصعة بالماس تعود للمغني المتوفى مايكل جاكسون، استخدمها في إحدى جولاته الفنية.
وحسب إفادات الاتهام الذي بنت عليه وزارة العدل الأميركية، اتضح أن ابن الرئيس الغيني استخدم مجموعة من شركات الواجهة وعدة مكاتب متخصصة في الحسابات والمحاماة والعقارات، لإخفاء أموال الرشى التي حصل عليها من شركات عالمية. ومن المعتقد أن تشمل تحقيقات وزارة العدل الأميركية بعض الشركات
الأميركية المتورطة في عمليات الفساد التي نفذها ابن الرئيس الغيني.
وهنالك قضايا تخص شركات أميركية كبرى، مثل قضية شيفرون في الإكوادور، المتعلقة بتخريب البيئة والحياة البرية. وفي هذه القضية اعترف القاضي الإكوادوري البرتو غويرا أنه شخصياً عمل لصالح شيفرون في هذه القضية، ودفع رشى للقضاة في الإكوادور، بما في ذلك بعض قضاة المحكمة العليا.
ابن المخلوع صالح
ومن بين المسؤولين العرب الذين وردت أسماؤهم في قضايا رشى الشركات الأميركية، ابن الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح. وقد كشفت إحدى محاكم فلوريدا الأميركية أن العقيد أحمد علي عبد الله صالح، نجل الرئيس اليمني، متورط ومسؤولون في وزارة الاتصالات اللاسلكية اليمنية بتلقي رشى من شركة اتصالات أميركية.
ونقلت صحيفة "ميامي هيرالد" عن وثائق للمحكمة أن شركة لاتين نود، التي يوجد مقرها بميامي في ولاية فلوريدا، قدمت مبلغ 1.6 مليون دولار بشكل مباشر أو غير مباشر إلى مسؤولين يمنيين مقابل الحصول على أجور عالية للخدمات التي تقدمها الشركة.
ولم تنحصر تلك الرشى -تضيف الصحيفة- في العقيد أحمد علي ونائب رئيس شركة "تيلي يمن" وعدد من مسؤوليها، لكنها شملت تورط شركات الاتصالات المملوكة للحكومة اليمنية ومسؤولين في وزارة الاتصالات.
وأصدرت المحكمة - في إطار هذه القضية - حكماً على الشركة الأميركية بدفع مليوني دولار، كغرامة مالية، بعد إدانتها بتقديم رشى بقيمة 2.2 مليون دولار، شملت إضافة لمسؤولين في اليمن آخرين بالهندوراس.
واعترفت الشركة خلال جلسة استماع ترأسها المدعي العام لفلوريدا، بول كورتني هوك، بالتورط في دفع تلك الرشى من حسابها في بنك بميامي، ووافقت على دفع الغرامة خلال ثلاثة أعوام مقابل إقرارها بالتهمة، وكذا إلغاء إجراءات التقاضي كما هو معمول به في الولايات المتحدة.