كثيرة هي الأسباب التي تدفع المرأة الموريتانية إلى البحث عن بداية جديدة لحياتها الخاصة، بعد سن الخمسين. فالزواج في سن مبكرة وإنجاب الأطفال باكراً أيضاً وتحمّل مسؤوليتهم وارتفاع معدلات الطلاق والتسرّب المدرسي، كلها عوامل تدفع بالموريتانيات إلى الانطلاق من جديد بعدما اتخذ الأبناء لأنفسهم مسارات محددة في الحياة. هي بداية بالنسبة إلى بعضهن، أفضل من تلك الأولى، في حين تعدّها أخريات كثيرات تكملة لمشوار اختلط فيه النجاح العائلي بالطموح العملي.
أم كلثوم بنت أحمد عيشة (51 عاماً) تاجرة، أصرت على "تحقيق حلم ظل يراودني مذ كنت شابة، لكنني استمررت في تأجيله بسبب الظروف العائلية المرتبطة بهجرة زوجي إلى الخارج، وتحملي مسؤولية تربية ثمانية أولاد لوحدي".
وأم كلثوم تزوّجت في سن مبكرة، عندما كانت تبلغ من العمر 16 عاماً تقريباً، "وأنجبت ابني البكر بعد زواجي بعام واحد. لذا لم أستطع إكمال دراستي، وتفرّغت للعائلة التي ما لبثتْ أن كبرتْ. وبعدما هاجر زوجي لتأمين معيشة أفضل لنا، أصبحت مسؤوليتي مضاعفة. فأديت دور الأم ودور الأب في الوقت نفسه، طوال 18 عاماً. وعلى الرغم من انشغالي بالأطفال، ظل حلمي الشخصي يراودني".
نجحت أم كلثوم في إيصال أبنائها الثمانية إلى "برّ الأمان". ابنها البكر يعمل مهندساً والثاني موظفاً في البلدية والثالث مدرّساً. أما البنات الثلاث، فقد تزوجن، وإحداهن تعمل موظفة في القطاع الخاص. ويبقى الابنان الأصغر سناً، أولهما يتابع دراسته خارج البلاد في حين أن الثاني في سنته الجامعية الثانية.
اقرأ أيضاً: الجدّة طامة تمحو أميّتها
كبر الأبناء وأصبحت معالم طريق كل واحد منهم واضحة، فراحت أم كلثوم تتلمس طريقها لتحقيق حلمها وامتلاك مشروع تجاري. استعانت بخبرة شقيقها في هذا المجال، "إذ إن معظم أفراد عائلتي يمارسون التجارة والمقاولات. وقد يكون ذلك هو السبب الرئيسي في تأثري بهذا المجال تحديداً. منذ صغري وأنا أحلم بممارسة مهنة التجارة. وكبر هذا الحلم معي حين رأيت معظم المحيطين بي يؤسسون مشاريعهم برأس مال بسيط".
لعب المحيط التجاري وإغراء الربح السريع، دوراً في دفع أم كلثوم إلى المغامرة والبحث عن طريقة لتحقيق حلمها. وهكذا، "بعتُ أرضاً زراعية أملكها وبدأت تجارتي من خلال استيراد فساتين وأزياء نسائية من تركيا والصين والهند". وهي لا تخفي أن في تلك المرحلة "ساعدني شقيقي في عملية استيراد أول دفعة من الملابس. وقد سافر معي في المرة الأولى، وكان حاضراً عند توقيع العقود بيني وبين شركات ومصانع هناك".
كانت البداية جيدة، "وأصبحتُ مستوردة محترفة. استأجرتُ مخزناً ومن ثم حصلتُ على ترخيص الاستيراد. لكن المنافسة والتقليد كان لهما أثرهما السلبي على استمراري في مجال الاستيراد. وأبرمتُ صفقات تجارية خاسرة". بعد عامين تقريباً، فقدتْ رأس مالها "وكانت صدمة كبيرة بالنسبة إلي. لكنها أيضاً تجربة مهمة استفدتُ منها كثيراً. ولم أتخلّ عن هدفي في النجاح في ميدان التجارة".
واجهتْ أم كلثوم صعوبات كثيرة قبل الانطلاق من جديد، ومن الصفر. وهي اليوم تدير تجارة بسيطة، في انتظار الحصول على قرض مصرفي تضيف قيمته إلى ما حصلت عليه من عائلتها، لبداية جديدة.
من جهته، يدعم سيدي أحمد ولد بدين زوجته إلى أقصى حدود إذ يعتبر نجاحها نجاحاً له. هو عاد ليستقرّ في البلاد بعد هجرة استمرت 18 عاماً، وهو يحفظ لزوجته أنها ساندتنه وشجعته خلال كل تلك السنين. بالنسبة إليه، "حان الوقت لأدعمها وأشجعها. فهذا أقل واجب عليّ، بعدما تركت لها مسؤولية الأسرة طيلة فترة الغربة". أما يحيى ولد بدين ابن أم كلثوم البكر، فقد ساعدها في الحصول على الوثائق التي تحتاجها للاستفادة من التمويل اللازم لتجارتها. بالنسبة إليه، "هي أدت رسالتها تجاهنا وأصبح كل منا مسؤولاً عن نفسه وقادراً على مساعدتها".
لا تخفي أم كلثوم اليوم رضاها عن نفسها، "كل الرضى. أنا حققت ما كانت أحلم به، وما زلت أطرق الأبواب وكلني أمل، بحثاً عن بداية جديدة ومتينة".
اقرأ أيضاً: الحاجة فاطمة تحترف العالم الافتراضي