07 نوفمبر 2024
إعادة الاعتبار للسياسة
تُقِرُّ مختلف القوى السياسية في المغرب بفشل النموذج التنموي القائم خلال العقدين الماضيين، حيث استفحلت الاختلالات الاقتصادية، ولم تعد خافيةً الأضرار التي ألحقتها بالسياسات العامة ومشاريع التنمية في بلادنا. ولا يكتفي الذين يتحدثون عن فشل هذا النموذج من المسؤولين السياسيين، أغلبيةً ومعارضةً، بالعموميات، بل يشخّصون صور الاختلالات التي ألحقها هذا النموذج بموضوع التنمية والشغل، وإدماج الشباب في دوائر العمل والإنتاج.
وتُجمع الأبحاث والتقارير التي أنجزتها مؤسسات الدولة، أو التي أعدّتها بعض منظمات المجتمع المدني، على أن الفشل المذكور ساهم في اتساع مجال التفاوت الطبقي، كما ساهم في ترسيخ التفاوت الجهوي، حيث يستمر العمل بمنطق التمييز بين المغرب النافع والمغرب غير النافع، الأمر الذي أدّى إلى تآكل الطبقة الوسطى، ووسَّع دوائر الفقر والتهميش داخل المجتمع.
تشخص المعطيات أعلاه عيّنة من الاختلالات التي مسّت الاقتصاد المغربي، وهي تجد تفسيرها، أولاً وقبل كل شيء، في ارتفاع درجات الفساد في مختلف بنيات المجتمع والدولة، حيث نقف على صور تدهور القيم وأنماط التضامن الاجتماعي، فقد تحوَّل المجتمع والسوق والإدارة، إلى فضاءاتٍ لا علاقة لها بالدعاوَى المعلنة في بعض خطابات الثقافة السياسية في بلادنا، حيث ترتفع شعارات الحداثة والتحديث، وما تتطلبه من شفافيةٍ وحكامة، ووعي مؤسَّسيٍّ بأهمية المواطنة ودولة الحق والقانون.
يربط الذين بادروا بالحديث عن فشل النموذج التنموي المغربي بين مظاهر فشله وأنماط
التراجع الذي تعرفه المدرسة والجامعة في المجتمع، ذلك أن انتشار أعطاب عديدة داخل المدرسة والجامعة، وفي علاقة هذه المؤسسات بسوق الشغل، حيث تُرَاكِم الجامعات المغربية منذ سنوات آلاف الخريجين، من دون أن يُسعف النموذج الاقتصادي القائم، لا بدمجهم في مجالات العمل والإنتاج، ولا إيجاد مخرج لعطالتهم.
وترتبط حركية مقاطعة بعض المواد الاستهلاكية التي عمّت المغرب في الأشهر الأخيرة، مُلْحِقَةً بعض الأضرار بالاقتصاد الوطني، بمجموع الاختلالات المرتبطة بنموذج البلاد الاقتصادي. وإذا كان من المؤكّد أن ظاهرة المقاطعة تشير أيضاً إلى بعض ديناميات الصراع السياسي القائم في المجتمع المغربي، فإن فاعلين سياسيين كثيرين يربطونها، من جهة، بارتفاع أسعار بعض المواد في السوق، كما يربطونها بصور الخلل العديدة التي عطَّلت مسيرة التنمية في المغرب.
يستشفُّ من الإجماع السابق، في موضوع اختلالات نموذج المغرب في الاقتصاد والتنمية، دعوة مُبطَّنة يرى أصحابها أن الخروج من المأزق التنموي القائم يستدعي منح أولوية للتكنوقراط، بحكم أنهم مؤهلون أكثر من غيرهم لبلورة أسس النموذج الاقتصادي البديل ودعائمه، لمواجهة مختلف مظاهر الخلل، ومغالبة التّحديات المترتبة عنها في المجتمع.
لا نتصوَّر أن هذا الموقف يُقَدِّم المفاتيح المطلوبة، للإعداد لنموذجٍ في الاقتصاد يكون بإمكانه مواجهة الفساد والريع السياسي والرشوة، واتساع درجة الفقر والتهميش، ومختلف تجليات
الفوضى الأخلاقية، وقد بلغت اليوم حدوداً لا عهد لمجتمع المغرب بها.. ذلك أن المفترض أن المجتمع المغربي، مثل باقي المجتمعات العربية، يعرف منذ سنوات جملةً من التحولات التي تبرز أننا أمام بدايات تشكل مجتمع جديد، يستبطن ثقافاتٍ متناقضة، وتحاصرُه ضغوط محلية وأخرى إقليمية وكونية. كما يواجه ميلاد وسائط تقنية صانعة لعوالم مركبة ومتداخلة، حيث تنشأ ثقافةٌ جديدة، في قلب ثقافاتٍ ما يزال لها آثار معينة في منظومة القيم، وفي صور تعاملنا مع العالم، الأمر الذي يترتَّب عنه حاجتنا إلى مشروع سياسي جديد في التحرّر والتقدّم، مشروع في التنمية، يقوم على أساس رَدّ الاعتبار، أولاً وقبل كل شيء، للعمل السياسي.
إذا كنا نؤمن بأن السياسة ليست مجرّد تقنيات وإجراءات، على الرغم من أن تنزيلها العملي يتطلب ذلك، فإنه لا ينبغي التعامل مع النموذج الاقتصادي باعتباره أيضاً مجموعة من التقنيات. ومن هنا، الحاجة ماسَّة إلى مراكز للبحث ومؤسّسات تعنى بالتفكير في سُبُل رَدِّ الاعتبار أولاً للسياسة والعمل السياسي، حيث ينبغي أن يتخلَّى النظام السياسي القائم عن مواصلة الضبط القسري، أو "الناعم"، للأحزاب وتنظيمات المجتمع المدني، أي رَدُّ الاعتبار لمبدأ استقلال الأحزاب والنقابات، ومختلف الفاعلين في المجال العام، باعتبار أنها المؤسسات والفضاءات المناسبة للحوار وبناء الرأي، ثم تركيب ما يسمح بالتوافقات بين مختلف الفاعلين السياسيين. وفي هذه الحالة بالذات، نبدأ بالاقتراب من بحث مشروع النموذج التنموي الجديد، وذلك بعد أن نكون قد رفعنا اليد عن العمل السياسي، ومنحناه الاستقلالية التي تجعله قادراً على المشاركة في تأطير المجتمع، وبناء مشروعٍ في النهضة والتنمية والتقدّم، حيث لا يمكن الفصل بين التنمية والحرية والديمقراطية.
يتطلب بناء نموذج تنموي جديد تحديد جملة من الأهداف الجامعة بين التنمية والحرية والعدالة، ولا يتم ذلك إلا بالانطلاق من مبدأ تكافؤ الفرص، ومبدأ تقليص التفاوت المجالي والجهوي، ولا تحصل هذه الخيارات من دون تعزيز الحكامة والمواطنة والمسؤولية الاجتماعية، وربط المسؤولية بالمحاسبة.
وتُجمع الأبحاث والتقارير التي أنجزتها مؤسسات الدولة، أو التي أعدّتها بعض منظمات المجتمع المدني، على أن الفشل المذكور ساهم في اتساع مجال التفاوت الطبقي، كما ساهم في ترسيخ التفاوت الجهوي، حيث يستمر العمل بمنطق التمييز بين المغرب النافع والمغرب غير النافع، الأمر الذي أدّى إلى تآكل الطبقة الوسطى، ووسَّع دوائر الفقر والتهميش داخل المجتمع.
تشخص المعطيات أعلاه عيّنة من الاختلالات التي مسّت الاقتصاد المغربي، وهي تجد تفسيرها، أولاً وقبل كل شيء، في ارتفاع درجات الفساد في مختلف بنيات المجتمع والدولة، حيث نقف على صور تدهور القيم وأنماط التضامن الاجتماعي، فقد تحوَّل المجتمع والسوق والإدارة، إلى فضاءاتٍ لا علاقة لها بالدعاوَى المعلنة في بعض خطابات الثقافة السياسية في بلادنا، حيث ترتفع شعارات الحداثة والتحديث، وما تتطلبه من شفافيةٍ وحكامة، ووعي مؤسَّسيٍّ بأهمية المواطنة ودولة الحق والقانون.
يربط الذين بادروا بالحديث عن فشل النموذج التنموي المغربي بين مظاهر فشله وأنماط
وترتبط حركية مقاطعة بعض المواد الاستهلاكية التي عمّت المغرب في الأشهر الأخيرة، مُلْحِقَةً بعض الأضرار بالاقتصاد الوطني، بمجموع الاختلالات المرتبطة بنموذج البلاد الاقتصادي. وإذا كان من المؤكّد أن ظاهرة المقاطعة تشير أيضاً إلى بعض ديناميات الصراع السياسي القائم في المجتمع المغربي، فإن فاعلين سياسيين كثيرين يربطونها، من جهة، بارتفاع أسعار بعض المواد في السوق، كما يربطونها بصور الخلل العديدة التي عطَّلت مسيرة التنمية في المغرب.
يستشفُّ من الإجماع السابق، في موضوع اختلالات نموذج المغرب في الاقتصاد والتنمية، دعوة مُبطَّنة يرى أصحابها أن الخروج من المأزق التنموي القائم يستدعي منح أولوية للتكنوقراط، بحكم أنهم مؤهلون أكثر من غيرهم لبلورة أسس النموذج الاقتصادي البديل ودعائمه، لمواجهة مختلف مظاهر الخلل، ومغالبة التّحديات المترتبة عنها في المجتمع.
لا نتصوَّر أن هذا الموقف يُقَدِّم المفاتيح المطلوبة، للإعداد لنموذجٍ في الاقتصاد يكون بإمكانه مواجهة الفساد والريع السياسي والرشوة، واتساع درجة الفقر والتهميش، ومختلف تجليات
إذا كنا نؤمن بأن السياسة ليست مجرّد تقنيات وإجراءات، على الرغم من أن تنزيلها العملي يتطلب ذلك، فإنه لا ينبغي التعامل مع النموذج الاقتصادي باعتباره أيضاً مجموعة من التقنيات. ومن هنا، الحاجة ماسَّة إلى مراكز للبحث ومؤسّسات تعنى بالتفكير في سُبُل رَدِّ الاعتبار أولاً للسياسة والعمل السياسي، حيث ينبغي أن يتخلَّى النظام السياسي القائم عن مواصلة الضبط القسري، أو "الناعم"، للأحزاب وتنظيمات المجتمع المدني، أي رَدُّ الاعتبار لمبدأ استقلال الأحزاب والنقابات، ومختلف الفاعلين في المجال العام، باعتبار أنها المؤسسات والفضاءات المناسبة للحوار وبناء الرأي، ثم تركيب ما يسمح بالتوافقات بين مختلف الفاعلين السياسيين. وفي هذه الحالة بالذات، نبدأ بالاقتراب من بحث مشروع النموذج التنموي الجديد، وذلك بعد أن نكون قد رفعنا اليد عن العمل السياسي، ومنحناه الاستقلالية التي تجعله قادراً على المشاركة في تأطير المجتمع، وبناء مشروعٍ في النهضة والتنمية والتقدّم، حيث لا يمكن الفصل بين التنمية والحرية والديمقراطية.
يتطلب بناء نموذج تنموي جديد تحديد جملة من الأهداف الجامعة بين التنمية والحرية والعدالة، ولا يتم ذلك إلا بالانطلاق من مبدأ تكافؤ الفرص، ومبدأ تقليص التفاوت المجالي والجهوي، ولا تحصل هذه الخيارات من دون تعزيز الحكامة والمواطنة والمسؤولية الاجتماعية، وربط المسؤولية بالمحاسبة.