تُشكّل أفلام المخرج الفلسطيني، إيليا سليمان، لحظة تأسيسية جديدة لسينما فلسطينية متحرّرة من سطوة الخطاب، ومنصرفة إلى ابتكارٍ بصريّ يضع الصورة في مقابل الحكاية/ الحالة/ الانفعال، ويُحوّل الشكل الجمالي للسرد إلى امتداد ثقافي/ إنساني/ فني لوقائع وتفاصيل. يُحاول السينمائيّ في أفلامه، القصيرة والطويلة، إيجاد تساوٍ متكاملٍ بين غلاف فني بصري يُطيح بالتقنيات التقليدية السابقة لصناعة الفيلم الفلسطيني، ومضمونٍ يولي أهمية قصوى للفرد/ الحكاية الشفهية/ الهوامش الحياتية، كنواة أصلية تنفتح على متن الروايات المنقولة والمعروفة عن فلسطين وناسها، ويوثِّق غير المؤَرشَف عبر اتّخاذه كموادّ حية وحيوية تصنع جزءاً من معنى الصورة السينمائية في تحصين القصص من أي اندثار ممكن.
أمثولة
كلام كثير قيل عن إيليا سليمان وموقعه في السينما الفلسطينية/ العربية، كما في المشهد السينمائي الدولي. موقع مبنيّ لقطةً لقطةً في أفلام مأخوذة بهاجس الصورة والصمت كمعبِّر إبداعي أرقى من كل كلامٍ وحراكٍ غير مُجدٍ، ومرتكز على تحرير الخطاب الفلسطيني نفسه من ركاكة تعابيره المُكرَّرة، بتقديم لغة سردية تجديدية تحاكي أنماط العيش اليومي المحليّ، الراهن والقديم، وتتساوى، إلى حدّ كبير، وروائع الإبداع الفني الغربي، وتُضيف على النتاج العربي ما يُعتَبر "أمثولة" ميدانية تقول بالمتتاليات البصرية/ الحكائية ما لا يُحسن أيّ نصٍّ آخر، مكتوب أو ملوَّن أو مرويّ أو مُصوَّر،على البوح به. صورةٌ وصمتٌ كفيلان باختزال ألف لقطة وكلمة، لأنهما أقدر على ولوج العوالم المخفية، وتحريض المبطّن على الخروج من عزلته القاتلة المفروضة عليه بسبب إيديولوجية الكفاح المتغلِّبة، زمناً طويلاً، على مرويات أفراد يُهمَّشون من أجل عناوين طنّانة ورنّانة، تُدرك أفلام إيليا سليمان مواجهتها (مواجهة العناوين) بأجمل لغة، وأفضل ردّ، وأسمى تعبير: السينما. تُدرك أيضاً تحجيمها من أجل صناعة صورة فلسطينية أصدق وأجمل وأنقى عن معنى العيش في ظلّ احتلال، يمتدّ من المادي المباشر ؛ إسرائيل، ليبلغ المعنوي ؛ الحياة اليومية بتناقضاتها وتعقيداتها وتقاليدها وموروثاتها التقليدية المحافظة العربية.
اقرأ أيضاً: "المطلوبون الـ 18": التحريك يؤرشف مقاومةً سلميّة
لن يُحافظ الصمت على حضورٍ جماليّ وحيد وطاغٍ في الغالبية الساحقة من أفلام إيليا سليمان، لأن لـ "الحكي" حقّاً طبيعياً في أن يكون انعكاساً شفّافاً وصادقاً وحقيقياً عمّا يجيش في نفوس أو عقول أو أحلام أو هواجس أو مخاوف، يُتقن سليمان كيف يصنع منها كلّها معالم حقبات وبيئات وعلاقات وصدامات، وملامح إنسانية صرفة وشفّافة، وصادمة أحياناً. فالكلام، إذ يأتي مُغرْبَلاً من كلّ شائبة أو إطالة أو ثرثرة، يُصبح الوجه الآخر لصمتٍ يُفكِّك المعاني المصبوبة في أروقة الكلمات ودهاليز الجُمل، ليُعيد صوغها عبر اتّفاق اللغة والمعنى والإيماءة والحركة على مواكبة المسار السرديّ في اتّجاهاته المأخوذة إلى أقصى تجريب بصري، وإلى أحسن اختبارٍ لفظيّ. واللفظ، هنا، يتباهى بأنه ربيب اللغة والقول المباشر أحياناً، عندما يكون القول مرايا التفاصيل الصغيرة، التي يتشكّل منها اليوميّ في حياة الفلسطينيّ، أي أن اللفظ، بنُطقه في لحظته المناسبة، يؤكّد المعنى، المُغيَّب سابقاً، فلسطينياً وعربياً، عن الفلسطيني: معنى أن الفلسطيني إنسانٌ قبل أي شيء آخر. اللفظ، بانبثاقه من واقعية العيش اليومي في شتّى الظروف، يؤكّد المؤكَّد، وإن يُغيَّب المؤكَّد طويلاً: الفلسطيني فردٌ يستحقّ أن يكون فرداً، وأن يعيش كأي فرد آخر، وأن يواجه كل شيء كأي إنسان آخر في أي بلد آخر.
تأسيس جديد
يُقال إن تحليلاً كهذا مُكرَّر وغير ذي جدوى. ربما. غير أن أفلام إيليا سليمان، التي يبدأ صُنعها منذ عام 1990، تُؤسّس لفعل التعامل الإنساني مع الفلسطيني، جمالياً وفنّياً وأخلاقياً وثقافياً، كإنسان لديه ما لديه من انفعالات وأسئلة وأساليب عيش وأحلام وأوهام وواقعية وأكاذيب وافتراءات وحيوية وركود. تذهب أفلام إيليا أبعد من فكّ الارتباط بين المفهوم العقائديّ / الإيديولوجي الصارم، الذي يُغيِّب الفرد الفلسطيني ككائن حيّ، سينمائياً، بتفعيل معنى جمالي للفرد الفلسطيني نفسه، عبر تحويل اللقطة إلى حالة يتكامل فيها الإنسان وتفاصيله، والصورة وأبعادها، والمعنى وخلفياته، والحياة ومتاهاتها وارتباكاتها وجمالياتها. هذا كلّه بنبرة جمالية تحقِّق أفضل موازاة بين المشهد ونبضه، وبين الصورة وشكلها، وبين الكلام/ الصمت وتداعياتهما المشوّقة في سبر أغوار دفينة في ذاتٍ أو بيئةٍ أو حيّز جغرافيّ ـ روحيّ.
لسليمان خزّان كبير من الذكريات البسيطة والعادية والطبيعية، التي يُتقن لاحقاً كيفية تحويلها إلى صفات أساسية لسينما تبدو "سُليمانية" بامتياز، فلسطينياً وعربياً ودولياً، بل تبدو، أوّلاً وأساساً، سينمائية تماماً. الخروج من الناصرة، والإقامة قليلاً في لندن، والعيش في نيويورك، والعمل من أجل الاستمرار، والمُشاهدة الكثيرة للأفلام، وقراءة الكتب وغيرها من التفاصيل، أمورٌ تصنع مساراً لمن سيُصبح مخرجاً سينمائياً يمتلك حساسية الصورة وجمالها في مقاربة الحكايات الفردية تلك. قبل التوجّه إلى لندن، لم تكن الحياة اليومية في الناصرة هادئة كلّياً: المدرسة و"إشكالية" الهوية والانتماء والعلاقة القائمة بين ابن البيئة والاحتلال. الجيش والشرطة الإسرائيليان بالمرصاد. مواجهات صامتة، لكنها محمّلة بدلالات وضغوط. الرغبة في زيارة البحر البعيد يُصبح حلماً، أو سراباً. أشياء يومية. هذا خزّان حيوي يُضاف إليه الكثير من أشياء يراها الصبي والمراهق والشاب، ويعيشها ويُحسّ بها وينفعل لها ومن أجلها، قبل أن تختمر في مخيّلته، بإضافة اختبارات عيشه خارج الناصرة عليها. مخيّلة تتوهَّج لاحقاً صُوراً تُبهر بعمق براعتها في اختزال كلّ كلام، وتأسر بجمال حيويتها في البوح والتعبير.
اقرأ أيضاً: عربٌ يمثّلون في أفلام غربية
اختبارات
لإيليا أفلام أولى قصيرة ووثائقية، مصنوعة ضمن أفلام جماعية أو بتعاون ثنائيّ. أوّلها "مقدّمة لنهاية جدال" (1990) مع اللبناني جيس سلّوم. توثيق تجريبي يتناول قضايا متعلّقة بالأحكام المسبقة عن العرب في التلفزة الغربية، كما بالسياسة في الشرق الأوسط، عبر مقاطع سينمائية غربية ومقتطفات من نشرات إخبارية. و"تكريم بالقتل"، في إطار عمل جماعي بعنوان "حرب الخليج وبعد" (1991).هناك أيضاً "سايبر فلسطين" (1999)، المرتكز على الحكاية الإنجيلية لمريم ويوسف الساعيين إلى الذهاب إلى بيت لحم، مُسقطاً إياها على واقع فلسطيني راهن.
الصمت سيد
لن يكون الصمت المُكثّف، درامياً وجمالياً وإنسانياً، طاغياً لوحده على النتاج السينمائيّ لإيليا، خصوصاً بالنسبة إلى الشخصية المتشابهة التي يؤدّيها في الأفلام الثلاثة هذه. السخرية، بمراراتها وقسوتها وبهاء حضورها المبطّن والواضح في مسارات النصوص وبقدرتها السينمائية على الكشف والتعرية والبوح، تُشكّل بنداً أساسياً مُكمِّلاً للصمت في توغّله داخل البُنى الاجتماعية والاقتصادية والحياتية والثقافية للفلسطينيين أساساً، وللإسرائيليين في لقطات عديدة تعرّيهم وتفضح خواءهم بعيداً عن كلّ سذاجة انتقادية: جنود إسرائيليون يبولون على حائط، ورجال شرطة "دائخون" في شوارع تل أبيب بناء على أوامر شابّة فلسطينية.
ينقسم "سجل اختفاء" إلى فصلين سينمائيين: "الناصرة، يوميات حميمة"، و"القدس، يوميات سياسية". فيهما، يُقدّم إيليا سليمان صُوراً عن العيش في دهاليز الخراب الإنسانيّ، ومأزق الإقامة في ظلّ احتلال إسرائيلي، مولياً أهمية قصوى للسخرية في تبيان تفاصيل وحكايات. في "يد إلهية"، يستمرّ الشاب الصامت (سليمان نفسه) في المراقبة والمواكبة والمشاهدة والتواصل عبر انفعال مبطّن أو صمت واضح، ويرسم ملامح ذاتية بحتة (الوالدين، الجيران، المحيط الاجتماعي، البيئة الثقافية، إلخ.)، ومعالم الحيّز المُقيم فيه داخل الناصرة وجوارها. أما "الزمن الباقي"، فيستعيد تاريخ عائلة/ مجتمع/ بلد، راوياً فصولاً من الصراع المباشر بين أبناء البلد والمحتلّين، ومُفرداً للذاتي مكانه الأكثر تعبيراً جمالياً عن معنى اللغة والصورة في اختراق المخفيّ وكشفه.
(كاتب لبناني)
أمثولة
كلام كثير قيل عن إيليا سليمان وموقعه في السينما الفلسطينية/ العربية، كما في المشهد السينمائي الدولي. موقع مبنيّ لقطةً لقطةً في أفلام مأخوذة بهاجس الصورة والصمت كمعبِّر إبداعي أرقى من كل كلامٍ وحراكٍ غير مُجدٍ، ومرتكز على تحرير الخطاب الفلسطيني نفسه من ركاكة تعابيره المُكرَّرة، بتقديم لغة سردية تجديدية تحاكي أنماط العيش اليومي المحليّ، الراهن والقديم، وتتساوى، إلى حدّ كبير، وروائع الإبداع الفني الغربي، وتُضيف على النتاج العربي ما يُعتَبر "أمثولة" ميدانية تقول بالمتتاليات البصرية/ الحكائية ما لا يُحسن أيّ نصٍّ آخر، مكتوب أو ملوَّن أو مرويّ أو مُصوَّر،على البوح به. صورةٌ وصمتٌ كفيلان باختزال ألف لقطة وكلمة، لأنهما أقدر على ولوج العوالم المخفية، وتحريض المبطّن على الخروج من عزلته القاتلة المفروضة عليه بسبب إيديولوجية الكفاح المتغلِّبة، زمناً طويلاً، على مرويات أفراد يُهمَّشون من أجل عناوين طنّانة ورنّانة، تُدرك أفلام إيليا سليمان مواجهتها (مواجهة العناوين) بأجمل لغة، وأفضل ردّ، وأسمى تعبير: السينما. تُدرك أيضاً تحجيمها من أجل صناعة صورة فلسطينية أصدق وأجمل وأنقى عن معنى العيش في ظلّ احتلال، يمتدّ من المادي المباشر ؛ إسرائيل، ليبلغ المعنوي ؛ الحياة اليومية بتناقضاتها وتعقيداتها وتقاليدها وموروثاتها التقليدية المحافظة العربية.
اقرأ أيضاً: "المطلوبون الـ 18": التحريك يؤرشف مقاومةً سلميّة
لن يُحافظ الصمت على حضورٍ جماليّ وحيد وطاغٍ في الغالبية الساحقة من أفلام إيليا سليمان، لأن لـ "الحكي" حقّاً طبيعياً في أن يكون انعكاساً شفّافاً وصادقاً وحقيقياً عمّا يجيش في نفوس أو عقول أو أحلام أو هواجس أو مخاوف، يُتقن سليمان كيف يصنع منها كلّها معالم حقبات وبيئات وعلاقات وصدامات، وملامح إنسانية صرفة وشفّافة، وصادمة أحياناً. فالكلام، إذ يأتي مُغرْبَلاً من كلّ شائبة أو إطالة أو ثرثرة، يُصبح الوجه الآخر لصمتٍ يُفكِّك المعاني المصبوبة في أروقة الكلمات ودهاليز الجُمل، ليُعيد صوغها عبر اتّفاق اللغة والمعنى والإيماءة والحركة على مواكبة المسار السرديّ في اتّجاهاته المأخوذة إلى أقصى تجريب بصري، وإلى أحسن اختبارٍ لفظيّ. واللفظ، هنا، يتباهى بأنه ربيب اللغة والقول المباشر أحياناً، عندما يكون القول مرايا التفاصيل الصغيرة، التي يتشكّل منها اليوميّ في حياة الفلسطينيّ، أي أن اللفظ، بنُطقه في لحظته المناسبة، يؤكّد المعنى، المُغيَّب سابقاً، فلسطينياً وعربياً، عن الفلسطيني: معنى أن الفلسطيني إنسانٌ قبل أي شيء آخر. اللفظ، بانبثاقه من واقعية العيش اليومي في شتّى الظروف، يؤكّد المؤكَّد، وإن يُغيَّب المؤكَّد طويلاً: الفلسطيني فردٌ يستحقّ أن يكون فرداً، وأن يعيش كأي فرد آخر، وأن يواجه كل شيء كأي إنسان آخر في أي بلد آخر.
تأسيس جديد
يُقال إن تحليلاً كهذا مُكرَّر وغير ذي جدوى. ربما. غير أن أفلام إيليا سليمان، التي يبدأ صُنعها منذ عام 1990، تُؤسّس لفعل التعامل الإنساني مع الفلسطيني، جمالياً وفنّياً وأخلاقياً وثقافياً، كإنسان لديه ما لديه من انفعالات وأسئلة وأساليب عيش وأحلام وأوهام وواقعية وأكاذيب وافتراءات وحيوية وركود. تذهب أفلام إيليا أبعد من فكّ الارتباط بين المفهوم العقائديّ / الإيديولوجي الصارم، الذي يُغيِّب الفرد الفلسطيني ككائن حيّ، سينمائياً، بتفعيل معنى جمالي للفرد الفلسطيني نفسه، عبر تحويل اللقطة إلى حالة يتكامل فيها الإنسان وتفاصيله، والصورة وأبعادها، والمعنى وخلفياته، والحياة ومتاهاتها وارتباكاتها وجمالياتها. هذا كلّه بنبرة جمالية تحقِّق أفضل موازاة بين المشهد ونبضه، وبين الصورة وشكلها، وبين الكلام/ الصمت وتداعياتهما المشوّقة في سبر أغوار دفينة في ذاتٍ أو بيئةٍ أو حيّز جغرافيّ ـ روحيّ.
لسليمان خزّان كبير من الذكريات البسيطة والعادية والطبيعية، التي يُتقن لاحقاً كيفية تحويلها إلى صفات أساسية لسينما تبدو "سُليمانية" بامتياز، فلسطينياً وعربياً ودولياً، بل تبدو، أوّلاً وأساساً، سينمائية تماماً. الخروج من الناصرة، والإقامة قليلاً في لندن، والعيش في نيويورك، والعمل من أجل الاستمرار، والمُشاهدة الكثيرة للأفلام، وقراءة الكتب وغيرها من التفاصيل، أمورٌ تصنع مساراً لمن سيُصبح مخرجاً سينمائياً يمتلك حساسية الصورة وجمالها في مقاربة الحكايات الفردية تلك. قبل التوجّه إلى لندن، لم تكن الحياة اليومية في الناصرة هادئة كلّياً: المدرسة و"إشكالية" الهوية والانتماء والعلاقة القائمة بين ابن البيئة والاحتلال. الجيش والشرطة الإسرائيليان بالمرصاد. مواجهات صامتة، لكنها محمّلة بدلالات وضغوط. الرغبة في زيارة البحر البعيد يُصبح حلماً، أو سراباً. أشياء يومية. هذا خزّان حيوي يُضاف إليه الكثير من أشياء يراها الصبي والمراهق والشاب، ويعيشها ويُحسّ بها وينفعل لها ومن أجلها، قبل أن تختمر في مخيّلته، بإضافة اختبارات عيشه خارج الناصرة عليها. مخيّلة تتوهَّج لاحقاً صُوراً تُبهر بعمق براعتها في اختزال كلّ كلام، وتأسر بجمال حيويتها في البوح والتعبير.
اقرأ أيضاً: عربٌ يمثّلون في أفلام غربية
اختبارات
لإيليا أفلام أولى قصيرة ووثائقية، مصنوعة ضمن أفلام جماعية أو بتعاون ثنائيّ. أوّلها "مقدّمة لنهاية جدال" (1990) مع اللبناني جيس سلّوم. توثيق تجريبي يتناول قضايا متعلّقة بالأحكام المسبقة عن العرب في التلفزة الغربية، كما بالسياسة في الشرق الأوسط، عبر مقاطع سينمائية غربية ومقتطفات من نشرات إخبارية. و"تكريم بالقتل"، في إطار عمل جماعي بعنوان "حرب الخليج وبعد" (1991).هناك أيضاً "سايبر فلسطين" (1999)، المرتكز على الحكاية الإنجيلية لمريم ويوسف الساعيين إلى الذهاب إلى بيت لحم، مُسقطاً إياها على واقع فلسطيني راهن.
الصمت سيد
لن يكون الصمت المُكثّف، درامياً وجمالياً وإنسانياً، طاغياً لوحده على النتاج السينمائيّ لإيليا، خصوصاً بالنسبة إلى الشخصية المتشابهة التي يؤدّيها في الأفلام الثلاثة هذه. السخرية، بمراراتها وقسوتها وبهاء حضورها المبطّن والواضح في مسارات النصوص وبقدرتها السينمائية على الكشف والتعرية والبوح، تُشكّل بنداً أساسياً مُكمِّلاً للصمت في توغّله داخل البُنى الاجتماعية والاقتصادية والحياتية والثقافية للفلسطينيين أساساً، وللإسرائيليين في لقطات عديدة تعرّيهم وتفضح خواءهم بعيداً عن كلّ سذاجة انتقادية: جنود إسرائيليون يبولون على حائط، ورجال شرطة "دائخون" في شوارع تل أبيب بناء على أوامر شابّة فلسطينية.
ينقسم "سجل اختفاء" إلى فصلين سينمائيين: "الناصرة، يوميات حميمة"، و"القدس، يوميات سياسية". فيهما، يُقدّم إيليا سليمان صُوراً عن العيش في دهاليز الخراب الإنسانيّ، ومأزق الإقامة في ظلّ احتلال إسرائيلي، مولياً أهمية قصوى للسخرية في تبيان تفاصيل وحكايات. في "يد إلهية"، يستمرّ الشاب الصامت (سليمان نفسه) في المراقبة والمواكبة والمشاهدة والتواصل عبر انفعال مبطّن أو صمت واضح، ويرسم ملامح ذاتية بحتة (الوالدين، الجيران، المحيط الاجتماعي، البيئة الثقافية، إلخ.)، ومعالم الحيّز المُقيم فيه داخل الناصرة وجوارها. أما "الزمن الباقي"، فيستعيد تاريخ عائلة/ مجتمع/ بلد، راوياً فصولاً من الصراع المباشر بين أبناء البلد والمحتلّين، ومُفرداً للذاتي مكانه الأكثر تعبيراً جمالياً عن معنى اللغة والصورة في اختراق المخفيّ وكشفه.
(كاتب لبناني)