هدد حزب جبهة التحرير الوطني، الذي يملك الغالبية في الحكومة والبرلمان، بتجميد عضوية رئيس البرلمان الجزائري، سعيد بوحجة، في حال رفض الاستقالة من منصبه والاستجابة لمطالب نواب خمس كتل تمثل أحزاب الموالاة. ومنحت قيادة الحزب بوحجة 48 ساعة للرد على مطالب النواب والاستقالة من منصبه.
وتجري قيادة حزب جبهة التحرير، التي يتزعمها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، مفاوضات عبر شخصيات سياسية من الحزب مع بوحجة لدفعه إلى الاستقالة من منصبه، بعد فشل اتصالات أولى عبر وفد من أعضاء مجلس الأمة. وقال مسؤول يعمل مساعداً لرئيس البرلمان، تحفّظ على ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن قيادة الحزب أوفدت ثلاث شخصيات سياسية إلى رئيس البرلمان لإقناعه بالتنازل عن المنصب، لكنه رفض اتخاذ هذا القرار من دون العودة إلى الرئاسة، مشيراً إلى أن "بوحجة أبدى غضبه لكون قيادة حزبه ونواب الكتل الموالية للسلطة وجهوا إليه اتهامات خطيرة وخاطئة بسوء تسيير البرلمان والتوظيف العشوائي، والمس بكرامته وتاريخه كشخصية مناضلة منذ ثورة التحرير". وأضاف أن "رئيس البرلمان أكد للوفد السياسي أنه لن يعطل عمل مؤسسات الدولة، لكنه لن يرضخ لأية ضغوط أو ابتزاز سياسي من دون معرفة الجهة التي تقف وراء محاولة دفعه إلى الاستقالة".
وأوضح المسؤول أن " موقف رئيس البرلمان، كان السبب في دفع المكتب السياسي لحزب جبهة التحرير لإصدار بيان شديد اللهجة، عقب اجتماعه مساء الإثنين، الذي تضمّن رفع الغطاء السياسي عن رئيس البرلمان وانحاز لصف نواب الحزب وطالب رئيس البرلمان بالاستقالة من منصبه". وجاء في البيان أن "المكتب السياسي لجبهة التحرير الوطني يعلن تأييده المطلق لنواب الحزب في سحب الثقة من رئيس المجلس الشعبي الوطني سعيد بوحجة". وطالب بوحجة بالاستقالة، معلناً تجميد عمل هياكل البرلمان كافة. وثمّن دعم كتل أربعة أحزاب أخرى، وهي التجمع الوطني الديمقراطي وتجمع أمل الجزائر والحركة الشعبية وكتلة الأحرار، فيما رفضت كتل جبهة المستقبل والاتحاد من أجل النهضة والتنمية والبناء وحركة مجتمع السلم المشاركة في مسعى إطاحة رئيس البرلمان. ومنذ يوم السبت الماضي يرفض النواب من الكتل الخمس المناوئة لرئيس المجلس الالتحاق باللجان وهياكل البرلمان. ورفض نواب لجنة الشؤون القانونية ولجنة المالية مباشرة دراسة مشروع موازنة 2019، الذي أحالته الحكومة إلى البرلمان يوم الأحد الماضي بعد مصادقة مجلس الوزراء على المشروع. كذلك تسبّبت أزمة البرلمان في إلغاء وتأجيل عدد من الاجتماعات السياسية مع سفراء دول ووفود برلمانية أجنبية كانت بصدد زيارة البرلمان الجزائري ولقاء رئيسه سعيد بوحجة والنواب.
وبرغم حالة الانسداد التي يعيشها البرلمان بسبب الخلافات بين بوحجة ونواب خمس كتل لأحزاب موالية لبوتفليقة والحكومة، فإن مؤشرات إمكانية لجوء بوتفليقة إلى حل البرلمان وإعلان انتخابات تشريعية مبكرة أمر غير وارد، بحسب كثير من السياسيين والمحللين. وأكد رئيس كتلة حركة مجتمع السلم المعارضة، أحمد صادوق، أنه يستبعد تماماً إقدام الرئيس على حل البرلمان، بسبب عدم توفر المبررات الدستورية لذلك. وقال، لـ"العربي الجديد"، "أنا أستبعد ذلك، لأن القانون والدستور لا ينصان على الحل في هذه الحالة، إذ إن الدستور يشير إلى حل البرلمان في حالة حصول انسداد مع الحكومة، أو عند حجب الثقة عنها مرتين متتاليين، ولا ينص على حالات أخرى". ورفض صادوق بعض التحليلات السياسية التي تربط بين ما تعتبره افتعال أزمة في البرلمان لحله بهدف إجراء انتخابات برلمانية مبكرة ينطوي عليها تأجيل الانتخابات الرئاسية. وقال "في حالة حل البرلمان يجب تنظيم انتخابات في ظرف ثلاثة أشهر، فما فائدة ذلك بالنسبة إلى تأجيل الرئاسيات. لا أعتقد أن السلطة يمكن أن تربح الكثير من الوقت بهذا الشأن".
كذلك استبعد النائب السابق في البرلمان والناشط السياسي، إسعاد أحمد، اللجوء إلى حل البرلمان، بسبب موعد الرئاسيات. وقال "أعتقد أن النواب عمقوا الأزمة بمبادرتهم لسحب الثقة من الرئيس (البرلمان)، وحل البرلمان يعني أن هناك أزمة سياسية كبيرة، وهذا ما تتفاداه السلطة. البرلمان الحالي لا يشكّل عائقاً أمام مشاريع وحتى نوايا الحكومة، وبالتالي لماذا نحل برلماناً يصوت بنعم لكل ما تقترحه الحكومة. ثم إن الرئاسيات على الأبواب والرئيس المرشح مريض والجو السياسي العام لا يسمح بالمغامرة". وأشار إلى أنه حتى في حالة وقوع انسداد وتصلب في موقف رئيس البرلمان برفضه الاستقالة "فأنا أتوقع اللجوء إلى فتوى من فتاوى المجلس الدستوري كما حدث مع إقالة رئيس مجلس الأمة، بشير بومعزة، في عام 2002".
واعتبر حيدر بن دريهم، الناشط السياسي والقيادي السابق في حزب التجمع الوطني الديمقراطي الذي يقوده رئيس الحكومة أحمد أويحيى، أن ما يحدث يؤكد بوضوح أن "الجزائر حقيقة دخلت نفقاً لن تخرج سالمة منه للأسف. هذه نتيجة برلمان مزور وانعدام الشرعية في المؤسسات. نحن حقيقة نعيش أزمة انسداد سياسي حقيقي وشغور في هرم السلطة". وأضاف "ما يحدث مظهر من مظاهر الفوضى السياسية، إذ إن رؤساء الكتل البرلمانية يطالبون، في بيان رسمي، بسحب الثقة من رئيس المجلس، غير واعين بالمهزلة السياسية والقانونية، وأنه لا سند قانونياً أو دستورياً لهم. لكن للأسف نحن في بلد يسمى الجزائر، حيث لا شرعية ولا قانون ولا حتى دستور". ويتوقع كثير من المراقبين أن يخضع بوحجة لمطالب النواب وفقاً لتفاهمات سياسية، وخصوصاً أن تشدد موقف قيادة حزبه يعبر عن موقف من الرئاسة التي تريد استبعاد بوحجة دون التدخل من قبلها، لكون الدستور لا يسمح بذلك، إذ يعتبر البرلمان هيئة دستورية سيادية. وفي حال قدم بوحجة استقالته فإنه سيتعين على اللجنة القانونية في المجلس الاجتماع لإقرار شغور المنصب وإعلان فتح باب الترشح وعقد جلسة عامة يترأسها أكبر وأصغر النواب سناً، يتم خلالها انتخاب رئيس جديد للبرلمان بالاقتراع السري.