أخذ وعد بلفور، ورغم مرور عقود عشرة منذ إصداره، حيزاً كبيراً، ربما أكثر من سواه من الوثائق والبيانات الرسمية الخاصة بالقضية الفلسطينية، نظرا لما شكله من حجر الزاوية في المشروع الصهيوني على أرض فلسطين، وما منحه لليهود من امتيازات بغير وجه حق. حتى إن كثيرا من العبارات والأوصاف قيلت بحقه، لعل من أهمها "وعد من لا يملك، لمن لا يستحق"، فضلا عن كونه شكل لحناً وطنياً فلسطينياً في الكثير من الثورات والانتفاضات، حتى إننا كنا نهتف في انتفاضة الحجارة الأولى "ون تو ثري فور...فليسقط وعد بلفور".
مرور مائة عام على إصدار وعد بلفور مناسبة تاريخية لاستذكار حجم الدعم الدولي الذي حظيت به الحركة الصهيونية في البدايات الأولى لتأسيسها، لاسيما من قبل بريطانيا، الإمبراطورية التي لم تكن تغيب عنها الشمس، حين رأت في هؤلاء اليهود الصهاينة محطة هامة لتحقيق أحلامها الاستعمارية في المنطقة العربية، من خلال النظر للوطن القومي لليهود في فلسطين على أنه ثكنة عسكرية متقدمة لها.
اليوم وبعد مرور قرن من الزمن ما زالت إسرائيل، الابنة الشرعية للحركة الصهيونية، تواصل طريق الأولين من الصهاينة اليهود، في بحثها عن ضامن لأمنها، ومن يتبنى مشروعها، حيث وجدت ضالتها في الولايات المتحدة، هذه القوة التي ورثت بريطانيا، وأصبحت سيدة العالم الأولى، التي باتت ترى في إسرائيل حاملة طائرات أميركية في الشرق الأوسط، وتتعامل معها على هذا الأساس.
اقــرأ أيضاً
لعل السطور التالية تحاول استخلاص جملة من العبر والدروس لوعد بلفور في ذكراه المئوية، ومن أهمها:
1- التقدير الإسرائيلي والصهيوني أن مشروعهم الاحتلالي في هذه البلاد لن يكتب له البقاء والديمومة، دون وجود رعاية دولية، وحاضنة عالمية، تحقق من خلالها مصالح متبادلة، وترتضي إسرائيل مقابل هذه الرعاية والاحتضان أن تقوم بإدارة سياسات وشن حروب بالوكالة على جيرانها، خدمة لأهداف استعمارية وكولونيالية كبيرة، تفوق مساحة المنطقة العربية برمتها. ولدى الإسرائيليين القابلية لأن يتنقلوا بين مرحلة تاريخية وأخرى، من حاضنة لأخرى، ومن راع لسواه، لأنهم يعتقدون جازمين، ولعلهم محقون في ذلك، أنهم بحاجة دائما إلى ظهير عالمي، يحوز أسباب القوة بشتى أنواعها: الناعمة والخشنة، فقد رأوا ذلك متحققاً في بريطانيا التي أصدرت وعد بلفور ذاته، ثم انتقلت الرعاية العالمية للمشروع الصهيوني إلى الولايات المتحدة التي سارت على درب وعد بلفور، فاستكملت ما تبقى من بنوده، إلى أن تحقق الهدف النهائي له بإقامة دولة إسرائيل. ومن يدري، فلعل الإسرائيليين يبحثون لهم في قادم الأيام عن راع ثالث وحاضنة جديدة إن تبدى لهم أن نجم الولايات المتحدة بات قابلاً للأفول، في ظل صعود الدول وسقوطها، وبروز قوى عظمى جديدة..
اقــرأ أيضاً
2- لم يكن بالإمكان ترجمة وعد بلفور إلى حقائق واقعة على الأرض، سواء ما تمثل منها بمصادرة أراضي الفلسطينيين، أو تشجيع الهجرات اليهودية إلى فلسطين، مقابل ترحيل مئات الآلاف من أصحاب الأرض الأصليين منها، دون وجود بيئة إقليمية قد لا تكون حاضنة للمشروع الصهيوني في أسوأ الأحوال، لكنها غضت الطرف عنه، واعتبرته لا يشكل خطورة مباشرة عليها، طالما أنها بعيدة عن حدودها الجغرافية الملاصقة. والعودة مائة عام إلى الوراء تقدم لنا معطيات قاسية، عن حجم التنسيق البريطاني مع عدد من البلدان العربية المجاورة لفلسطين، سواء في كبح جماح أي ثورة فلسطينية مضادة للإجراءات البريطانية الساعية لتنفيذ وعد بلفور على الأرض، أو المساهمة بصورة مباشرة أو غير مباشرة في تثبيت دعائم المشروع الصهيوني تحت مسميات متوهمة، إنسانية في أغلب الأحوال، ونفي البعد السياسي الاستعماري لهذا المشروع الوليد. تٌرى هل يعيد التاريخ نفسه اليوم بعد مائة عام على إصدار وعد بلفور، من خلال بيئة إقليمية لم تعد ترى في إسرائيل عدواً لدوداً تجب محاربته، عقب إعادة تموضع في شبكة المصالح العربية أمام إسرائيل، واعتبارها جزءاً من صمام أمان المنطقة، مقابل استعداء دول تعيش خلافات وخصومات مع هذه البلدان العربية، وهو ما قد يجعل القضية الفلسطينية ضحية متوقعة وقرباناً على مذبح هذه التحالفات السائدة في هذه الأيام.
3- ربما لم يكن عفوياً أن يأتي إصدار وعد بلفور في مرحلة تالية لتفاهمات سايكس-بيكو بين القوتين العظميين في مرحلة الحرب العالمية الأولى، بريطانيا وفرنسا، اللتين أقرتا تقسيم الوطن العربي بينهما، في وراثة واضحة للرجل المريض آنذاك، متمثلا بالدولة العثمانية، وهو ما جعل إصدار الوعد نتيجة متوقعة لهذه التفاهمات الاستعمارية. المفارقة أننا ونحن نحيي هذه الذكرى السنوية المائة لوعد بلفور، باتت أمام نواظرنا شواهد أوضح من أن تتم التعمية عليها، أو إخفاؤها، قد تمهد الطريق لإصدار سايكس-بيكو جديدة، تعمل على إعادة رسم خارطة المنطقة، سواء إضافة دول أو محو أخرى.
ولئن لم يقدر لهذه النسخة المعدلة من هذه الاتفاقية أن تخرج إلى حيز العلن، فقد باتت المؤشرات تتزايد حول ما أصبحت تسمى "صفقة القرن"، القائمة بالأساس على طي صفحة الصراع العربي الفلسطيني مع إسرائيل، وتصفيته كلياً، وكتابة صفحته الأخيرة، والتطلع قدماً نحو دمج هذا المشروع الاستيطاني الإحلالي في المنطقة.
أخيراً، كل ما تقدم من ملاحظات واستخلاصات سعى إليه بلفور حين كتب المسودات الأولى لوعده المشؤوم، وهو ما يطرح التساؤل: هل كان يعتقد صاحب ذلك الوعد أن هناك من سيأتي بعد مائة عام ليحول نصوصه تلك إلى واقع على الأرض؟!
اقــرأ أيضاً
اليوم وبعد مرور قرن من الزمن ما زالت إسرائيل، الابنة الشرعية للحركة الصهيونية، تواصل طريق الأولين من الصهاينة اليهود، في بحثها عن ضامن لأمنها، ومن يتبنى مشروعها، حيث وجدت ضالتها في الولايات المتحدة، هذه القوة التي ورثت بريطانيا، وأصبحت سيدة العالم الأولى، التي باتت ترى في إسرائيل حاملة طائرات أميركية في الشرق الأوسط، وتتعامل معها على هذا الأساس.
لعل السطور التالية تحاول استخلاص جملة من العبر والدروس لوعد بلفور في ذكراه المئوية، ومن أهمها:
1- التقدير الإسرائيلي والصهيوني أن مشروعهم الاحتلالي في هذه البلاد لن يكتب له البقاء والديمومة، دون وجود رعاية دولية، وحاضنة عالمية، تحقق من خلالها مصالح متبادلة، وترتضي إسرائيل مقابل هذه الرعاية والاحتضان أن تقوم بإدارة سياسات وشن حروب بالوكالة على جيرانها، خدمة لأهداف استعمارية وكولونيالية كبيرة، تفوق مساحة المنطقة العربية برمتها. ولدى الإسرائيليين القابلية لأن يتنقلوا بين مرحلة تاريخية وأخرى، من حاضنة لأخرى، ومن راع لسواه، لأنهم يعتقدون جازمين، ولعلهم محقون في ذلك، أنهم بحاجة دائما إلى ظهير عالمي، يحوز أسباب القوة بشتى أنواعها: الناعمة والخشنة، فقد رأوا ذلك متحققاً في بريطانيا التي أصدرت وعد بلفور ذاته، ثم انتقلت الرعاية العالمية للمشروع الصهيوني إلى الولايات المتحدة التي سارت على درب وعد بلفور، فاستكملت ما تبقى من بنوده، إلى أن تحقق الهدف النهائي له بإقامة دولة إسرائيل. ومن يدري، فلعل الإسرائيليين يبحثون لهم في قادم الأيام عن راع ثالث وحاضنة جديدة إن تبدى لهم أن نجم الولايات المتحدة بات قابلاً للأفول، في ظل صعود الدول وسقوطها، وبروز قوى عظمى جديدة..
2- لم يكن بالإمكان ترجمة وعد بلفور إلى حقائق واقعة على الأرض، سواء ما تمثل منها بمصادرة أراضي الفلسطينيين، أو تشجيع الهجرات اليهودية إلى فلسطين، مقابل ترحيل مئات الآلاف من أصحاب الأرض الأصليين منها، دون وجود بيئة إقليمية قد لا تكون حاضنة للمشروع الصهيوني في أسوأ الأحوال، لكنها غضت الطرف عنه، واعتبرته لا يشكل خطورة مباشرة عليها، طالما أنها بعيدة عن حدودها الجغرافية الملاصقة. والعودة مائة عام إلى الوراء تقدم لنا معطيات قاسية، عن حجم التنسيق البريطاني مع عدد من البلدان العربية المجاورة لفلسطين، سواء في كبح جماح أي ثورة فلسطينية مضادة للإجراءات البريطانية الساعية لتنفيذ وعد بلفور على الأرض، أو المساهمة بصورة مباشرة أو غير مباشرة في تثبيت دعائم المشروع الصهيوني تحت مسميات متوهمة، إنسانية في أغلب الأحوال، ونفي البعد السياسي الاستعماري لهذا المشروع الوليد. تٌرى هل يعيد التاريخ نفسه اليوم بعد مائة عام على إصدار وعد بلفور، من خلال بيئة إقليمية لم تعد ترى في إسرائيل عدواً لدوداً تجب محاربته، عقب إعادة تموضع في شبكة المصالح العربية أمام إسرائيل، واعتبارها جزءاً من صمام أمان المنطقة، مقابل استعداء دول تعيش خلافات وخصومات مع هذه البلدان العربية، وهو ما قد يجعل القضية الفلسطينية ضحية متوقعة وقرباناً على مذبح هذه التحالفات السائدة في هذه الأيام.
3- ربما لم يكن عفوياً أن يأتي إصدار وعد بلفور في مرحلة تالية لتفاهمات سايكس-بيكو بين القوتين العظميين في مرحلة الحرب العالمية الأولى، بريطانيا وفرنسا، اللتين أقرتا تقسيم الوطن العربي بينهما، في وراثة واضحة للرجل المريض آنذاك، متمثلا بالدولة العثمانية، وهو ما جعل إصدار الوعد نتيجة متوقعة لهذه التفاهمات الاستعمارية. المفارقة أننا ونحن نحيي هذه الذكرى السنوية المائة لوعد بلفور، باتت أمام نواظرنا شواهد أوضح من أن تتم التعمية عليها، أو إخفاؤها، قد تمهد الطريق لإصدار سايكس-بيكو جديدة، تعمل على إعادة رسم خارطة المنطقة، سواء إضافة دول أو محو أخرى.
ولئن لم يقدر لهذه النسخة المعدلة من هذه الاتفاقية أن تخرج إلى حيز العلن، فقد باتت المؤشرات تتزايد حول ما أصبحت تسمى "صفقة القرن"، القائمة بالأساس على طي صفحة الصراع العربي الفلسطيني مع إسرائيل، وتصفيته كلياً، وكتابة صفحته الأخيرة، والتطلع قدماً نحو دمج هذا المشروع الاستيطاني الإحلالي في المنطقة.
أخيراً، كل ما تقدم من ملاحظات واستخلاصات سعى إليه بلفور حين كتب المسودات الأولى لوعده المشؤوم، وهو ما يطرح التساؤل: هل كان يعتقد صاحب ذلك الوعد أن هناك من سيأتي بعد مائة عام ليحول نصوصه تلك إلى واقع على الأرض؟!