13 ابريل 2022
استطلاع "المؤشر العربي".. إطلالة كاشفة
قبل ثلاث سنوات، لم يكن لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وزن أو خطر، لم يكن لأحد أن يكترث بالبغدادي ولا بالظواهري، ولا بقصصهما الجنونية. تجنب شباب ميادين التحرير الخطوط الدموية التي أشعلها هذان من أوكارهما في الجبال، وشرعوا في صناعة الغد، نظموا أشعارهم وأغانيهم عن الحرية والكرامة، تظللهم مشاعر الحب للأهل والوطن والمستقبل، تطلعوا نحو الآتي بقوة العقل والتحرك الديمقراطي. لا وقت لديهم للعنف ولا للبنادق، شكلوا الكتلة التاريخية المليونية التي نظر إليها غيرهم، فاندمج كل فرد فيهم، من خلال تعبيره عن حريته الطليقة، في الجموع المتلاطمة. حينها ولّى زمن "المسيرات السلطوية" رمز الانقياد والعبودية، فاكتشف العربي، في تونس ومصر وليبيا وسورية واليمن وغيرها، أن تقدم المجتمعات العربية منوط بإطلاق الحرية للفرد مع امتلائه بالكرامة.
تعثرت الأحلام التي أطلقتها تلك الموجات الشعبية الكبرى في العراق وسورية وليبيا، وفي ما بعد مصر واليمن، تحت ضغط زخ الرصاص، وقصف المدافع والطائرات، بأمر من نوري المالكي في العراق، وبشار الأسد في سورية، وصاحب زنقه زنقه في ليبيا. وبدلاً من الأحلام، تكاثر الألم والدمار والخراب، واتسعت دائرة اليأس من التغيير السلمي ومن الحكام، ومن المجتمع الدولي الذي وقف بين متفرج متواطئ ومشارك بالعدوان، وفي مقدمة من شاركوا في العدوان إيران وروسيا، والمليشيات الشيعية بتنظيم وتمويل وقيادة إيرانيين. وعلى ضوء موقف هؤلاء من أهداف ثورات الربيع والطموحات العربية، تموّج الرأي العام العربي تجاههم بين العداوة والخصومة والاطمئنان، ما بين وضعهم في موقع العدو أو الصديق.
قدّم المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات استطلاعاً للرأي العام العربي لعام 2015، (وهو استطلاع سنوي دأب المركز على تنظيمه منذ 2011 )، استناداً إلى عينة مؤلفة من نحو عشرين ألف مستجيب في 12 بلداً، قدم فيه صورة دقيقة عن اتجاهات الرأي العام العربي بشأن أبرز القضايا والتساؤلات التي تشغل تفكير المواطنين العرب، وتهمُّ المعارض وصاحب الرأي، وتشغل الرجل المسؤول، يزودهم المؤشر العربي جميعاً بقاعدة بيانات، تكشف لهم معالم توجهات الناس ومشاغلهم وتبدلات مواقفهم.
ما يثير الانتباه أن الاستطلاع كشف تقدم أولويات اهتمام المواطن العربي نحو الاقتصاد والحياة المعيشية والأمن والاستقرار، نحو الأداء الاقتصادي والسياسي والإداري للحكومات والانتقال الديمقراطي، وبيَّن الاستطلاع، بوضوح، انحياز أكثرية الرأي العام إلى الديمقراطية، وأظهر 55 % من المستجيبين التقدم في الوعي السياسي الديمقراطي، حين أبرز الاستطلاع القبول باستلام أحزاب تخالفهم الرأي السلطة بانتخابات حرة نزيهة. وارتفعت نسبة من يرفض النظام التسلطي من 62% عام 2011 إلى 75% عام 2015، كما ارتفعت نسبة من يقبل باستلام حزب سياسي علماني للسلطة إلى ما بين 57 إلى 75 %، وأوضح أن ما نسبته 63 % يصفون أنفسهم متدينين إلى حدٍّ ما، وأعرب 24% أنهم متدينون جداً، و9% أنهم غير متدينين، بينما عارض 72% من الرأي العام استخدام الدين في التأثير في الانتخابات، وكانت هذه النسبة 68% في عام 2014.
ويثير الانتباه أن إيران بدت، في الاستطلاع، وكأنها تتسابق مع إسرائيل على احتلال موقع العدو الأول والخطر الأول لدى الرأي العام العربي، فهناك "شبه إجماع وبنسبة تتراوح بين 89 % إلى 60 % على سلبية السياسات الإيرانية"، ولعل التدخل الإيراني في الشؤون العربية عبر اختراق الاجتماع السياسي العربي لتوظيف تنوعاته في سياستها الخارجية، فتضع نفسها وراء الجماعات الشيعية العربية، لتفجر النزعات الطائفية وعصبياتها لفصل تلك الجماعات عن محيطها العربي واستخدامها ضده، فتذكير الجميع، من دون خجل، بانتصاراتها على العرب وتحولها الإمبراطوري على حسابهم، وفتكها بالحياة السياسية –الاجتماعية في العراق عبر تواطئها مع الإدارة الأميركية، حتى ورثت عن أميركا العراق، ففتكت في جسده ومزقته إرباً طائفية، وقامت بالفعل التدميري التقسيمي نفسه في لبنان، بتوظيف حزب الله والنزعة الطائفية لضرب الوحدة الوطنية اللبنانية، وتعطيل حياته السياسية الديمقراطية. وأعادت تجربة لبنان المرّة في اليمن عن طريق تجنيد الحوثيين للفتك باليمن وتمزيقه، فتزيد من نفوذها عن طريق استنزاف طاقات العرب، وبلغت في سلوكها التدميري لسورية ذروة أذاها، إذ وظَّفت كامل طاقتها للحفاظ على نظام استبدادي قاتل، وساندته في القتل والمذابح، مستعينة بتجميع المليشيات الشيعية من كل مكان، فساهمت في طرد نصف السوريين وراء الحدود لتمهّد لاستيطان طائفي شيعي، يحل محل المهجَّرين السوريين، وهذا ما يظهر جلياً في حمص والقصير والساحل والزبداني ودرعا، وهو ما تقوم به مع روسيا على الحدود مع تركيا، لطرد ريف اللاذقية وراء الحدود.
ولعل روسيا قد انتقلت إلى الصفوف الأولى من الأعداء، والأكثر خطراً على سورية إلى جانب إيران وإسرائيل، وقد عبر الاستطلاع عن ذلك، حتى قبل أن تنخرط روسيا بحربها الشاملة على السوريين، فارتفعت نسبة التقييم السلبي للسياسة الروسية من 42 % عام 2014 إلى 54 %. سلكت روسيا الطريق العدواني نفسه، اختارت الوقوف مع استبداد نظام الأسد، وهي سياسة تقليدية لروسيا منذ قرنين، فقد كانت في القرن التاسع عشر مع النمسا رمزاً للاستبداد في أوروبا واحتياطاً له، وهي الآن تقوم، مع الصين، بهذا الدور على الصعيد العالمي. ففي محاولة منها لإنقاذ نظام الأسد، عقب تحوله جثة ميتة، استقدمت روسيا ما تيسر لها من قوة في الجو والبحر، لتُكمل ما بدأه النظام من تطبيقٍ لشعاره الأثير (الأسد أو نحرق البلد)، فصار هدفها الأول إحداث الأذى بالمدنيين في الريف والمدينة، بغرض النيل من إرادة الشعب السوري في تغيير النظام ومقاومة الغزو الإيراني الاستيطاني.
على الرغم من تفاوت تقييم ثورات الربيع العربي من بلد إلى آخر، فإن "الكتلة الكبرى (من دون وجود أكثرية ) قيَّمت الربيع العربي تقييماً إيجابياً"، لأنه أطاح أنظمة الاستبداد والفساد، ولعل تراجع التقييم الإيجابي مرده التكلفة الكبرى التي قدمتها الشعوب لقاء نضالها من أجل التغيير، وبروز ظاهرة إرهاب داعش المنفلت من عقاله، والتي غيَّبت المشهد الديمقراطي للثورات، فلم تتراجع في تأييدها حباً بأنظمة الاستبداد! فقد ارتفعت نظرة الرأي العام العربي السلبية حيال داعش من 85 % عام 2014 إلى 89 % عام 2015.
وكشف الاستطلاع محافظة أكثرية الجمهور العربي على تضامنه مع الشعب السوري في محنته مع نظامه الدموي الذي لم يوفر عدوانه لا البشر ولا الشجر ولا الحجر ولا الدابة، فقد عمل على تهجير نصف الشعب السوري، وقتل مئات الألوف بالرصاص أو تحت التعذيب، واستقدم لقتل السوريين إيران ومليشياتها من كل مكان، وجعل الطائرات الروسية تشاركه في إسقاط الحمم على رؤوسهم، فانحاز أكثر من 62 % من العرب مع تغيير النظام لحل الأزمة، بينما وقف 12 % مع بقاء النظام، ووقف البقية مع الحل السياسي لتوفير الألم والدمار على السوريين.
قدَّم الاستطلاع إطلاله شاملة على المشهد السياسي العربي، في تنوع آرائه واجتهاداته، في صبواته وهمومه، وغدا بمثابة صوت من لا صوت لهم، نرى فيه الاصطفافات الكبرى، والتوجهات المستقبلية، وتكسّر الأحلام وبقاء إرادة البقاء والتطلع نحو المستقبل بقلوب ثابتة العزيمة، وتطل علينا من ثنايا هذا المشهد الوجوه القبيحة والوجوه الصبوحة، جدل الحياة المليء بالوعود التي لم تتحقق بعد.
تعثرت الأحلام التي أطلقتها تلك الموجات الشعبية الكبرى في العراق وسورية وليبيا، وفي ما بعد مصر واليمن، تحت ضغط زخ الرصاص، وقصف المدافع والطائرات، بأمر من نوري المالكي في العراق، وبشار الأسد في سورية، وصاحب زنقه زنقه في ليبيا. وبدلاً من الأحلام، تكاثر الألم والدمار والخراب، واتسعت دائرة اليأس من التغيير السلمي ومن الحكام، ومن المجتمع الدولي الذي وقف بين متفرج متواطئ ومشارك بالعدوان، وفي مقدمة من شاركوا في العدوان إيران وروسيا، والمليشيات الشيعية بتنظيم وتمويل وقيادة إيرانيين. وعلى ضوء موقف هؤلاء من أهداف ثورات الربيع والطموحات العربية، تموّج الرأي العام العربي تجاههم بين العداوة والخصومة والاطمئنان، ما بين وضعهم في موقع العدو أو الصديق.
قدّم المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات استطلاعاً للرأي العام العربي لعام 2015، (وهو استطلاع سنوي دأب المركز على تنظيمه منذ 2011 )، استناداً إلى عينة مؤلفة من نحو عشرين ألف مستجيب في 12 بلداً، قدم فيه صورة دقيقة عن اتجاهات الرأي العام العربي بشأن أبرز القضايا والتساؤلات التي تشغل تفكير المواطنين العرب، وتهمُّ المعارض وصاحب الرأي، وتشغل الرجل المسؤول، يزودهم المؤشر العربي جميعاً بقاعدة بيانات، تكشف لهم معالم توجهات الناس ومشاغلهم وتبدلات مواقفهم.
ما يثير الانتباه أن الاستطلاع كشف تقدم أولويات اهتمام المواطن العربي نحو الاقتصاد والحياة المعيشية والأمن والاستقرار، نحو الأداء الاقتصادي والسياسي والإداري للحكومات والانتقال الديمقراطي، وبيَّن الاستطلاع، بوضوح، انحياز أكثرية الرأي العام إلى الديمقراطية، وأظهر 55 % من المستجيبين التقدم في الوعي السياسي الديمقراطي، حين أبرز الاستطلاع القبول باستلام أحزاب تخالفهم الرأي السلطة بانتخابات حرة نزيهة. وارتفعت نسبة من يرفض النظام التسلطي من 62% عام 2011 إلى 75% عام 2015، كما ارتفعت نسبة من يقبل باستلام حزب سياسي علماني للسلطة إلى ما بين 57 إلى 75 %، وأوضح أن ما نسبته 63 % يصفون أنفسهم متدينين إلى حدٍّ ما، وأعرب 24% أنهم متدينون جداً، و9% أنهم غير متدينين، بينما عارض 72% من الرأي العام استخدام الدين في التأثير في الانتخابات، وكانت هذه النسبة 68% في عام 2014.
ويثير الانتباه أن إيران بدت، في الاستطلاع، وكأنها تتسابق مع إسرائيل على احتلال موقع العدو الأول والخطر الأول لدى الرأي العام العربي، فهناك "شبه إجماع وبنسبة تتراوح بين 89 % إلى 60 % على سلبية السياسات الإيرانية"، ولعل التدخل الإيراني في الشؤون العربية عبر اختراق الاجتماع السياسي العربي لتوظيف تنوعاته في سياستها الخارجية، فتضع نفسها وراء الجماعات الشيعية العربية، لتفجر النزعات الطائفية وعصبياتها لفصل تلك الجماعات عن محيطها العربي واستخدامها ضده، فتذكير الجميع، من دون خجل، بانتصاراتها على العرب وتحولها الإمبراطوري على حسابهم، وفتكها بالحياة السياسية –الاجتماعية في العراق عبر تواطئها مع الإدارة الأميركية، حتى ورثت عن أميركا العراق، ففتكت في جسده ومزقته إرباً طائفية، وقامت بالفعل التدميري التقسيمي نفسه في لبنان، بتوظيف حزب الله والنزعة الطائفية لضرب الوحدة الوطنية اللبنانية، وتعطيل حياته السياسية الديمقراطية. وأعادت تجربة لبنان المرّة في اليمن عن طريق تجنيد الحوثيين للفتك باليمن وتمزيقه، فتزيد من نفوذها عن طريق استنزاف طاقات العرب، وبلغت في سلوكها التدميري لسورية ذروة أذاها، إذ وظَّفت كامل طاقتها للحفاظ على نظام استبدادي قاتل، وساندته في القتل والمذابح، مستعينة بتجميع المليشيات الشيعية من كل مكان، فساهمت في طرد نصف السوريين وراء الحدود لتمهّد لاستيطان طائفي شيعي، يحل محل المهجَّرين السوريين، وهذا ما يظهر جلياً في حمص والقصير والساحل والزبداني ودرعا، وهو ما تقوم به مع روسيا على الحدود مع تركيا، لطرد ريف اللاذقية وراء الحدود.
ولعل روسيا قد انتقلت إلى الصفوف الأولى من الأعداء، والأكثر خطراً على سورية إلى جانب إيران وإسرائيل، وقد عبر الاستطلاع عن ذلك، حتى قبل أن تنخرط روسيا بحربها الشاملة على السوريين، فارتفعت نسبة التقييم السلبي للسياسة الروسية من 42 % عام 2014 إلى 54 %. سلكت روسيا الطريق العدواني نفسه، اختارت الوقوف مع استبداد نظام الأسد، وهي سياسة تقليدية لروسيا منذ قرنين، فقد كانت في القرن التاسع عشر مع النمسا رمزاً للاستبداد في أوروبا واحتياطاً له، وهي الآن تقوم، مع الصين، بهذا الدور على الصعيد العالمي. ففي محاولة منها لإنقاذ نظام الأسد، عقب تحوله جثة ميتة، استقدمت روسيا ما تيسر لها من قوة في الجو والبحر، لتُكمل ما بدأه النظام من تطبيقٍ لشعاره الأثير (الأسد أو نحرق البلد)، فصار هدفها الأول إحداث الأذى بالمدنيين في الريف والمدينة، بغرض النيل من إرادة الشعب السوري في تغيير النظام ومقاومة الغزو الإيراني الاستيطاني.
على الرغم من تفاوت تقييم ثورات الربيع العربي من بلد إلى آخر، فإن "الكتلة الكبرى (من دون وجود أكثرية ) قيَّمت الربيع العربي تقييماً إيجابياً"، لأنه أطاح أنظمة الاستبداد والفساد، ولعل تراجع التقييم الإيجابي مرده التكلفة الكبرى التي قدمتها الشعوب لقاء نضالها من أجل التغيير، وبروز ظاهرة إرهاب داعش المنفلت من عقاله، والتي غيَّبت المشهد الديمقراطي للثورات، فلم تتراجع في تأييدها حباً بأنظمة الاستبداد! فقد ارتفعت نظرة الرأي العام العربي السلبية حيال داعش من 85 % عام 2014 إلى 89 % عام 2015.
وكشف الاستطلاع محافظة أكثرية الجمهور العربي على تضامنه مع الشعب السوري في محنته مع نظامه الدموي الذي لم يوفر عدوانه لا البشر ولا الشجر ولا الحجر ولا الدابة، فقد عمل على تهجير نصف الشعب السوري، وقتل مئات الألوف بالرصاص أو تحت التعذيب، واستقدم لقتل السوريين إيران ومليشياتها من كل مكان، وجعل الطائرات الروسية تشاركه في إسقاط الحمم على رؤوسهم، فانحاز أكثر من 62 % من العرب مع تغيير النظام لحل الأزمة، بينما وقف 12 % مع بقاء النظام، ووقف البقية مع الحل السياسي لتوفير الألم والدمار على السوريين.
قدَّم الاستطلاع إطلاله شاملة على المشهد السياسي العربي، في تنوع آرائه واجتهاداته، في صبواته وهمومه، وغدا بمثابة صوت من لا صوت لهم، نرى فيه الاصطفافات الكبرى، والتوجهات المستقبلية، وتكسّر الأحلام وبقاء إرادة البقاء والتطلع نحو المستقبل بقلوب ثابتة العزيمة، وتطل علينا من ثنايا هذا المشهد الوجوه القبيحة والوجوه الصبوحة، جدل الحياة المليء بالوعود التي لم تتحقق بعد.